الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيقاف العنف المجنون في سوريّة واجب وطني وإنساني ملحّ

محمود جديد

2013 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


   - إنّ خروج الانتفاضة عن مسارها السلمي نتيجةً لخيار النظام بالحلّ الأمني العسكري الخاطئ والمدان من جهة ، وإقدام بعض القوى على عسكرتها ، وحرفها عن مسارها وتشويهها ، وجعلها سلعة في البازار السياسي وتجييرها لصالح أطراف خليجيّة وإقليميّة ودوليّة من جهة ثانية ، حوّل هذا كلّه الحراك الشعبي الثوري إلى شكل من أشكال الحرب المفتوحة بين النظام المستبدّ بأدواته وتنظيماته ، وبين المسلّحين بكافّة تسمياتهم المحليّة والوافدة ، وأدخل سوريّة في أتون حرب عبثيّة تغذّيها أطراف خارجية بشكل مباشر أو غير مباشر ، ولكلّ منها  غاياته وأهدافه .. وستؤدّي في حال استمرارها إلى انتحار ذاتي ونشوب حرب أهليّة طويلة الأمد ستحوّل سورية إلى دولة فاشلة ، وستقودها إلى صوملة مزمنة وخراب شامل وتدمير كامل ..
وفي ظلّ هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها شعبنا تصاعد العنف المزدوج بطاقته القصوى مترافقاً بكلّ أشكال جرائم القتل والتدمير ، وتجاوز كلّ المحرّمات الوطنيّة والدينيّة والإنسانية ، وإباحة تدمير القرى والأحياء والمدن ، واختطاف وتصفية المواطنين الأبرياء ، وذبح الأسرى  ، وسيادة نهج الفكر الوهّابي بين صفوف المجموعات المسلّحة التكفيرية في المناطق التي تهيمن عليها ، وفاقَ بآثاره وتجسيداته كلّ تصور بشري ، فما جرى في طحلة ( ريف دير الزور ) ، وخان العسل ، وبعض القرى الكرديّة ، وقرى شمال شرق اللاذقية سوى نماذج فاقعة على مدى الانحراف والإجرام الذي لايخدم سوى أعداء أمّتنا ، ويلحق أكبر الضرر بالنضال من أجل الحريّة والديمقراطية في سوريّة وغيرها ...كما يقدّم ورقة للنظام المستبد للتشهيربالمعارضة وتخفيف ممارسات أدواته الإجرامية في أنظار الرأي العام العالمي  .. 
-  ونظراً لدخول الصراع في سورية في مرحلة الاستعصاء الراهنة بتعقيداتها الداخلية  وتشابكها وتداخلاتها الخارجية ، فإنّ النظام السوري عاجز بالمعطيات الراهنة عن حسم الحرب لصالحه ، وإعادة سلطته على كافّة مناطق سوريّة ، وفرض إرادته على المجموعات المسلّحة ، وإخراج وطرد الوافدين الغرباء والأجانب الذين بلغ عددهم ستين ألفاً  وفقاً لتقديرات جريدة نييورك تايمز  ، وخلق الظروف المناسبة لعودة المهجّرين والنازحين السوريين إلى منازلهم وإنهاء مأساتهم الإنسانيّة ، وإفساح المجال لإعادة إعمار ما دُمِّر ...كما أنّ المجموعات المسلّحة ليست مؤهّلة أو قادرة على توحيد صفوفها وجهودها  ، وتصويب نهجها لفرض إرادتها على مجرى الصراع وإسقاط النظام الذي لا يزال يمتلك من القدرات العسكرية والمدنية ويتوفّر لديه من الحلفاء ما يؤهّله للاستمرار في هذه الحرب المجنونة و( الفوضى الخلّاقة ) إلى أمد طويل .. كما أنّ المعارضة السياسية السورية تمرّ في أبأس صور التشتّت والضياع وانقياد بعضها لأطراف خارجية همّها تغذية نار الحرب المفتوحة بكلّ مقوّمات الاستمرار المدمّر ، ووفقاً لمعايير تضمن عدم السماح لأيّ طرف بتحقيق التفوّق المطلوب لحسم الصراع ، ومَنْ سترجح كفّته سيكون مهزوماً لأنّه لن يرث سوى أشلاء الضحايا والمقابر وركام التدمير ، والنسيج الوطني الممزّق ، والقيم المتخلّفة الغريبة عن عادات ومفاهيم شعبنا ، كما سيجد جيلا مشوّها وملوّثاً بأفكار جاهلية لا تقرّها شرائع سماوية ولا قوانين وضعيّة ، ولا أعراف واتفاقات وقوانين دولية أو قيم إنسانيّة ، وسيحتاج إلى جهود مركّزة كبيرة لإعادة تأهيله بعد إيقاف العنف ... 
وعلى ضوء ما تقدّم ذكره ، أصبح الحل السياسي الممرّ الإجباري  والطريق الوحيد ومهما كان وعراً ومكلفاً نحو  إنقاذ ما يمكن إنقاذه ممّا تبقّى من سورية شعباً وأرضاً وقيماً ، وبنية اقتصادية وعلمية وعسكرية .. ولكنّ سلوك هذا الطريق  ليس أمراً ميسوراً ، ولا بدّ من ضمان تفاهم أمريكي - روسي جادّ وصادق لتأمين شروطه وفق تفاهمات جنيف 1 في 30 / 6 / 2012 ، وبمشاركة كافّة أطراف المعارضة السوريّة التي تؤمن بالحلّ السياسي بديلاً عن الخيار العسكري الذي جُرِّبَ والذي أنتج الكارثة التي يعيشها القطر السوري في هذه الأيّام ، وكافّة الأطراف الدولية المعنيّة أو المؤثّرة على الوضع السوري ، سواء أكانوا من حلفاء النظام أم من خصومه لضمان تنفيذ إيقاف العنف المزدوج ، وانسحاب العناصر الدخيلة والغريبة التي تشارك في لعبة الموت والدمار فوق الربوع السوريّة ، وضبط الحدود مع الدول المجاورة لإيقاف توريد ودخول المسلحين وتمويلهم ، ولجم الإعلام بكافّة  انتماءاته عن إذكاء نار الفتنة والتأجيج الطائفي وتزوير الحقائق وفبركة الأكاذيب ، ولتشجيع الأطراف المعارضة السورية بكل أطيافها على الدخول في إطار الحلّ السياسي المضمون دوليّاً .. ولكن يبدو مع الأسف ، أنّ الإدارة الأمريكية غير جادّة حتى الآن في السير حتى النهاية لتأمين عقد مؤتمر جنيڤ-;-2 ، وتحاول المماطلة لإعطاء الحرب العبثية وقتاً إضافيّاً لمزيد من القتل والتدمير وتحت السقف الذي لا يتعرّض فيه أمن الكيان الإسرائيلي ومصالحه للخطر ، وما إلغاء لقاء أوباما - بوتين في أيلول / سبتمبر القادم سوى أحد المؤشّرات على ذلك التوجٰ-;-ه بغضّ النظر عن الذرائع المعلنة ..
وفي الوقت نفسه ، فإنّ النظام المستبدّ لا يزال ماضياً في طريق  الحلّ العسكري ومراهناً عليه رغم إعلانه القبول بالحلول السياسيّة بهدف امتصاص الضغوط الدولية ومستفيداً من  الغباء السياسي لبعض أطراف المعارضة السوريّة المعوّمة قسراً على الواجهة ، وبعض قيادات ( الجيش السوري الحرّ ) ، ولهاث هذين الطرفين  وراء السيناريو الليبي ، واستجداء المزيد من السلاح والمال لتعديل موازين القوى والاستمرار في لعبة الموت مع النظام ، ووضع الشروط غير القابلة للتنفيذ للمشلركة في  العمليّة السياسيّة وبتشجيع ودفع من أطراف خليجية  وإقليمية ودوليّة ممّا عرقل ويعرقل عقد مؤتمر جنيڤ-;- 2 ، وأعطى ويعطي النظام المزيد من الوقت لاستمرار المقامرة والمراهنة على الحل العسكري ، واراحته من كشف أوراقه الحقيقيّة  .. وقد فضحت الاعتقالات الأخيرة في صفوف قيادات وكوادر "هيئة التنسيق الوطنيّة "المؤمنة بخيار الحلّ السياسي منذ نشوئها وحتى الآن النوايا الحقيقيّة لهذا النظام ، وكذلك تهديدات وزير الداخلية بمحاسبة الأحزاب والهيئات التي لم تحصل على ترخيص رسمي ومتابعتها أمنيّاً   .. 
- وأخيراً ، لا تعني قتامة الصورة ومأساويتها أنْ نكتفي بالندب والشكوى ، والجري وراء الغير ، وإنّما يجب أنْ نبذل الجهود الحثيثة لتجميع كافّة أطراف المعارضة الوطنية التي تؤمن بالحلّ السياسي الديمقراطي طريقاً لإخراج سوريّة من محنتها ، وعقد مؤتمر وطني لوضع رؤية سياسيّة شاملة للحل السياسي ، وتشكيل قوّة سوريّة معارضة مؤثّرة وقادرة على إسماع صوتها داخليّاً وخارجيّاً ، والضغط المعنوي والسياسي على الأطراف الدوليّة المعنيّة لاعتماد هذا النهج والسير به حتى نهايته ، والإشارة بجرأة ووضوح إلى أيّة جهة تعرقل آو تماطل في ذلك ، سواء أكانت على الصعيد الداخلي أم الخارجي  ..والأمر الآخر الملحّ والمتاح هو إبقاء قضيّة المعتقلين السياسيين والنشطاء السلميين حيّة على كافّة الأصعدة حتى إطلاق سراحهم .. والسعي الجادّ والسريع لإغاثة أخوتنا المنكوبين بنيران الحرب ودمارها وآثارها ، وابتكار الأساليب الخلّاقة للتخفيف عن معاناتهم ومساعدتهم على الصبر والصمود تجاه ما لاقوه وتعرّضوا له في محنتهم ممّا يقدّم لهم زاداً معنويّاً ومادّياً ونفسيّاً ضروريّاً للمحافظة على كراماتهم وشعورهم الوطني والإنساني ، ويصونهم من الانزلاق في متاهات سيّئة العواقب .. ومن المفيد في هذا المجال دراسة بعض التجارب الناجحة والمطبّقة في الداخل السوري وتعميمها على أوسع نطاق .. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وترامب والملف الإيراني | #أميركا_اليوم


.. إيران تحدد موعد انتخاب خليفة رئيسي




.. نتنياهو: الأمر السخيف والكاذب الذي أصدره المدعي العام للجنائ


.. -دبور الجحيم-.. ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران




.. رحيل رئيسي يربك حسابات المتشددين في طهران | #نيوز_بلس