الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو العود

فراس عبد الحسين

2013 / 8 / 10
الادب والفن


ابو العود

كانت قريه (قارع) مشهوره بنسيم هواءها العليل من نهرها الواسع الجميل الذي يطل على بساتين النخيل الفارعة والتي تحتضن تحتها مختلف اشجار الفاكهة والحمضيات, وتحاذي حقول الحنطة المنتشرة مثل واحات الذهب الاصفر المتموج اللامع تحت اشعه الشمس عند صباح كل يوم.
كان يعيش بين اهلها معلم القرية ذو الشخصية القوية والمحبوبة من جميع سكانها, يستشيره الصغار قبل الكبار ومن نساء ورجال وبكل شارده ووارده صغيره وكبيره, لثقافته الواسعة ورايه السديد الحكيم. وكان مع ذلك دائما يغمر كل افراحهم بالبهجة والسرور بصوته الرخيم وانغام عوده الذي لم يفارقه بيوم لذلك سمي المعلم (ابو العود).

كان اهلها من الفلاحين يأكلون مما يزرعون, يساعد احدهم الاخر لم يكن بينهم غنيا ولا فقير, يجمعهم العمل والامل والفرح والسعادة. ولكن للأسف ذلك لم يدم طويلا عندما بدا نهر القرية الوحيد بالجفاف تدريجيا, وجفت معه حقول الحنطة الواسعة و اشجار الفاكهة المختلفة وجفت معه بطون الفلاحين وحيواناتهم. وانتشر الفقر والجوع والمرض وانتشرت الجريمة والقتل والدم على كل طرقات المدينة التي كانت تغطيها في السابق مختلف انواع الازهار.

اتجه الفلاحين مثل عامه الناس عند مواجهتهم الشدائد والمصاعب والمحن والمشكلات الحياتية الى رجل الدين شيخ الجامع في القرية. الذي كان بدوره يهدئهم ويطمئنهم ويدعوهم للصبر على الضيم والبلوى وان هذا هو امر الله الذي لا مفر منه, وعليهم الاكثار من الدعاء ونذر النذور للجامع, لكي يأمر الله بانجلاء السخط وعوده جريان المياه في النهر الجاف, ولكنه اخبرهم بعد ذلك ان كل ما اصاب القرية واهلها هو بسبب الكافر (ابو العود) الذي انزل سخط السماء على قريتهم وهو اساس البلاء بنشره الفساد في القرية وبدا بتأليب الناس ضده وامرهم بطرده بأسرع وقت لكي يغفر الله لهم الذنوب.
امتعض المعلم (ابو العود) كثيرا بسبب ما قاله رجل الدين بحقه لأهل القرية, فحزم امره وقرر السفر الى احد اقاربه في المدينة, وضل يفكر بطريقه ينقذ من خلالها القرية التي يعشقها وابنائها, ويسعى لتخليصهم مما سيصيبهم من جوع وموت محتم, بعد ذلك قام باستدانة مبلغ من المال وقرر الرجوع الى قريته.
وعند عودته جمع اهلها من الفلاحين واخبرهم بأنه سوف يقوم بأنشاء (معمل الدبس), ويشارك ببناء هذا المعمل كل اهلها بصغارهم وكبارهم دون استثناء ويستعملون ما تبقى لديهم من تمور لغرض انتاج الدبس.
لم يصدقه احد فيما اخبرهم به بعد ان شوه صورته رجل الدين, ذهب وجلس امام موقع بناء المعمل وهو مكسور الخاطر وبدا يعزف الالحان مع صوته الشجي والدمع يسيل على خده, وابكى معه كل من سمعه, حتى شاهد البناء يرتفع في المعمل من تلقاء نفسه, استمر بالغناء والبكاء حتى الصباح وجد المعمل مشيد ومكتمل البناء.
امن به بقيه الفلاحين وبدأوا العمل معه وفي كل يوم كانت تزداد اعداد العمال, حتى شملت جميع ابناء القرية من نسائها ورجالها واطفالها, وتضاعف المنتوج وتجاوز حدود حاجتهم اليومية, حتى قاموا ببيع المنتوج الفائض عن حاجتهم الى القرى المجاورة, تحسنت اثر ذلك حاله الفلاحين الاقتصادية كثيرا عندما امنوا لقمه العيش لهم ولكل عوائلهم, وانتهت بذلك مظاهر القتل والجريمة والسلب والنهب واختفى الدم من الطرقات.
بعد ذلك قام معلم المدرسة بجمع المبلغ الذي استدانة من ايراد المعمل وارجعه لقريبه, وبعد عودته من المدينة اخبر الفلاحين ان المعمل اصبح ملكا مشاعا, يعمل به الجميع وتوزع ايراداته على الكل وبالتساوي.
واصبحت قريه (قارع) مثالا يحتذى به بين جميع القرى المجاورة. عندما تعلم ابنائها وعلموا اجيالهم اللاحقة معنى العمل ومشاركه الناس لقمه العيش بعد ان اصبح الفرد للكل والكل للفرد. عادت الافراح والرقص والبسمة على كل وجوه اهل القرية كما كانت سابقا وعلى بهجه صوت والحان المعلم (ابو العود).









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا