الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟

ميشيل حنا الحاج

2013 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - السؤال التاسع والعشرون:متى يدرك القادة العرب أن "المغول" قادمون؟

في منتصف القرن الثالث عشر ميلادي، وفي عهد المراحل الأخيرة من الخلافة العباسية، هرولت إلى هذه المنطقة من العالم، جحافل من المقاتلين اللذين جاءوا إلينا من البعيد، من أقاصي قارة آسيا، من بلاد المغول، فعاثوا في البلاد فسادا، وأحرقوا الكتب المتواجدة في مكتبة بغداد التي كانت مكتبة عظيمة تضم العديد من المراجع العلمية والأدبية والدينية، وألقوا ما تبقى منها في نهر دجلة، في وقت قتلوا فيه العديد من سكان بغداد الآمنين ، والقوا بجثثهم في النهر، بحيث أن لون المياه في نهر دجلة، قد تحول إلى اللون الأحمر لغزارة دماء أولئك القتلى اللذين ملأت جثثهم ذاك النهر، فعكرت لون مياهه الصافية عادة، وصبغتها باللون الأحمر القاني. وكان من أبرز قادة تلك الهجمة البربرية "هولاكو" الذي سجل اسمه في التاريخ، إلى جانب اسم تيمور لانك وجنكيز خان ( من البربر ) باعتبارهم من الغزاة العظام، تماما كمن سبفهم من الغزاة الرومان، ومن لحقهم من الغزاة الصليبيين .

ولم يكن في تلك المرحلة من الزمان، أمم متحدة، أو مجلس أمن. كما لم تعرف عندئذ شرائع حقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم العدالة، وحق حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، إضافة إلى حق حماية الأسرى التي باتت الآن مقننة في اتفاقيات جنيف لحماية أسرى الحروب.

ولكن رغم وجود كل تلك القواعد والاتفاقيات والمعاهدات والمجالس الدولية في وقتنا الحاضر، فإن موجة جديدة من المغوليين، أومن يشبههم، قد بدأت - كما يبدو - تعيث فسادا وقتلا في بعض البلاد العربية، بدءا من سوريا كخطوة أولى، يليها الزحف المرجح نحو باقي الدول العربية، بمجرد انتهائهم من تحرير سوريا من سطوة من يعتبرونهم كفارا . إذ أنهم يعتبرون أنفسهم استمرارا لموجة الفتوحات الإسلامية التي تحققت في القرن السابع الميلادي ، القرن الأول للتاريخ الهجري الإسلامي ، الذي سعى لنشر دعوة الإسلام التي نادى بها ذاك الرجل العظيم، أكثر رجال العرب قاطبة ذكاء وحكمة وعبقرية، أي النبي محمد ، آخر المرسلين، والذي بات يؤمن بدعوته الكبرى، ملياري مسلم موزعون في أقطار العالم .

كل ما في الأمر أن هؤلاء الدعاة الجدد، الحاملين في اعتقادهم لراية النبي العظيم، يتجاهلون كل دعواته الإنسانية، رغم عدم وجود ميثاق حقوق الإنسان عندئذ، المنادية باحترام الأسرى ، وحماية المسنين من رجال ونساء وسكان آمنين، إضافة إلى إشارته للقساوسة مطالبا بعدم التعرض لهم بالأذى. إذ أن أولئك "المغول " الجدد، باتوا يخطفون رجال الدين القساوسة، فقد اختطفوا حتى الآن، ومنذ أكثر من مائة يوم ، مطرانين كانا يعبران آمنين من الحدود التركية في طريقهم إلى حلب. واختفت آثارهم وأخبارهم بعد ذلك، ولم يسمع بأمرهم أحد، مما قد يرجح احتمال مقتلهم على يد أولئك المغول القادمين المدعين بحمل لواء الإسلام العظيم، والمتناسين لدعوة الرسول الكريم المطالبة بحماية القساوسة ورجال الدين.

وما وقع لهذين المطرانين ، حصل أيضا للقس " باولو " الذي اختطف في منطقة الرقة قبل أسابيع ، واختفت أخباره تماما ، مما استدعى البعض لأن يرجح بأنه قد قتل، بل رجح البعض أنه قد قتل بقطع رأسه بأسلوب بشع، علما أن هذا القس كان من المعارضين للنظام السوري، وكان يقف في صفوف المعارضة التي باسمها قام بعض رجال المعارضة الموصوفين بالمغولية ،لإتباعهم أسلوب المغول في حربهم تلك، باختطاف ذاك القس البائس ، وربما بقطع رأسه أيضا .

ولكن الأمر لم يتوقف لدى مخالفة أوامر الرسول باحترام القساوسة، إذ تعداه أيضا، لعدم احترام تعليماته بعدم التعرض للشيوخ والمسنين والسكان الآمنين. فالأنباء تترى عن قيامهم بقتل العديد من الأسر الكردية غير المسلحة والآمنة في منازلها ، بدعاوى الانتقام من المقاتلين الأكراد في شمال سوريا ، الساعون لإبقاء السيطرة في مناطقهم للأكراد، وللحيلولة دون توغل " المغوليون " الجدد من حزب النصرة ودولة العراق وسوريا الإسلامية، وغيرها من التيارات الأصولية ، في مناطقهم التي يسعون للحفاظ على هويتها الكردية ، رغم انتماء هؤلاء الأكراد للدين الحنيف، لكن بمفاهيمه السمحة التي نادى بها الرسول العظيم .

وعلى هذا المنوال أيضا، تعامل أولئك مع العلويين القاطنين في القرى الواقعة في شمال سوريا، والتي احتلوها في محاولتهم الزحف نحو شاطىء البحر الأبيض المتوسط في الجانب السوري، وبغية الوصول أيضا إلى القرداحة، مسقط رأس الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومركز تلك المحافظة. ففي تلك القرى العلوية، رددت الأنباء قيامهم بقتل العديد من العائلات العلوية، فلم يوفروا مسنا أو امرأة، بل قتلوا الكثيرين بدم بارد ، وتحدثت التقارير عن قطع رؤؤس بعضهم، متشبهين بأسلوب أسلافهم من قدامى المغول .

ولكن المغول الجدد، لم يتوقفوا عند هذا الحد من تجاهل المفاهيم الإنسانية والقانونية والدولية المعتمدة، إذ لجأوا أيضا إلى أعمال كثيرة تنطق بوحشيتها. فها هو أحد المقاتلين منهم ، يأكل بوحشية قلب وأعضاء جندي سوري تم أسره. وهو يفعل ذلك متباهيا أمام كاميرا التلفزين . وآخر منهم قام بإطلاق الرصاص بدم بارد على صبي في الرابعة عشرة من عمره، لمجرد أن الصبي قد تفوه بعبارة اعتبرها ذاك المقاتل البطل ، كفرا وتجديفا . فوقع الصبي قتيلا أمام والديه اللذين فوجئا تماما بما حدث.

وهناك وقائع أخرى كثيرة لا مجال لسردها جميعا رغبة في عدم الإطالة . لكن المؤكد أن أعمالا وحشية كثيرة ترتكب من قبل هؤلاء اللذين يعتبرون أنفسهم حماة ودعاة للإسلام، ومن أجل حمايته يتصرفون بتلك الطريقة الغريبة والوحشية التي تعيد للذاكرة أعمال المغول في القرن الثالث عشر. وقد لا يكون مدعاة للدهشة ، إذا انتشر أولئك في مساحات أكبر من سوريا ، أن نشاهد عما قريب نهر الفرات الذي يسير مترنحا ومتعرجا في بعض المناطق السورية، قد تخضب هو أيضا بالدماء البريئة ، وبالجثث العائمة على مياهه ، فتبدل بالتالي لونه إلى الأحمر، أسوة بما حدث لنهر دجلة الذي تخضب بدماء سكان بغداد من العباسيين وغيرهم، إثر غزو المغول لبغداد في القرن الثالث عشر .

والأمر الأكثر إيلاما لبعض المراقبين المحايدين، أن أحدا لم يدرك بعد مخاطر ما يحدث على صعيد سوريا، والمخاوف من امتداده إلى دول أخرى قد تكون من بينها الدول الممولة والمسلحة لتلك الجماعات. فمضيها في تسليح تلك الجماعات، إنما يدل على جهلهم بما قد يقدمون عليه في المستقبل إذا حققوا الانتصار الذي يرنون إليه في سوريا . فطموح هؤلاء لغزو المنطقة برمتها، ليس له حدود. ولقد رأينا أن القاعدة التي تقدم لهم التدريب والتسليح في بعض الحالات عندما يتوقف التمويل والتسليح من الدول الداعمة، قد بدأت في أفغانستان ، فهل توقفت بعد ذلك لدى أفغانستان، أم أنها قد تمددت وتوسعت بحيث وصلت إلى دول لم يكن في الحسيان إمكانية وصولهم إليها. فهم متواجدون الآن في المغرب العربي، وفي مالي حيث قبائل الأزواد المتعاطفين معهم ، وفي نيجيريا ، وعلى حدود تونس والجزائر، وفي جبال الشعابين، إضافة إلى انتشارهم في سوريا بكثافة ، وفي اليمن القريبة في حدودها من السعودية ومن عمان . وقد أصبح انتشارها الكثيف في اليمن مدعاة قلق حقيقي للولايات المتحدة التي باتت تعتبر اليمن القاعدة الأكبر للقاعدة بعد القاعدة المتواجدة في أفغانستان . وقد بلغ بها الفزع من انتشارها في اليمن، حد إرسالها باستمرار طائرات "الدرون " التي تطير بدون طيار، إلى لحج وحضرموت ومأرب ، وهي المناطق التي يعتقد الأميركيون بأنها تضم العدد الأكبر من مقاتلي القاعدة في اليمن. وهي ترسل أمواج الطائرات هذه بغية قتل مزيد من أعضاء القاعدة اليمنية، علما بأن المعلقين اليمنيين اللذين ظهروا في حوارات سياسية على قناة "بي بي سي " عربي في الثامن والتاسع من آب 2013 ، أكدوا أن معظم القتلى هم من رجال القبائل المدنيين اللذين يحملون السلاح بشكل تلقائي حسب اعتياد رجال القبائل اليمنية ، دون أن يكون لهم انتماء للقاعدة . صحيح بعضا من قيادات القاعدة، لكن نجاحاتهم تلك لا تقاس بكم المدنيين اللذين يقتلون دون مبرر .

ولكن وجود القاعدة المتنامي في اليمن، والتي يعتبر المقاتلون "الهولاكيون " المتواجدون في سوريا إمتدادا لها، لا يشكل خطرا على الولايات المتحدة فحسب، والتي تحتفظ بعدد من سفنها الحربية في خليج عدن اليمني تحسبا لكل طارىء ، بل يشكل أيضا خطرا على سلطنة عمان القريبة جدا من تلك المناطق، والتي شهدت في السبعينات ثورة ماركسية استمرت عدة سنوات، ولم تتمكن عمان من القضاء عليها إلا بعد الاستعانة بقوات إيرانية بعثها الشاه إلى عمان ، للمساعدة في القضاء على تلك الثورة. وقد تكون بذور تلك الثورة العمانية ، ما تزال موجودة لدى بعض العمانيين اللذين قد يرحبون في وقت لاحق، بمساعدة من منظمة القاعدة اليمنية بغية مد لهيب القاعدة إلى عمان أيضا .

والخطر ذاته قد يمتد إلى السعودية ، التي شهدت في الماضي تفجيرات دمرت بعض المباني التي يقطنها الأميركيون العاملون في السعودية، كما اكتشفت للتو، أي قبل أيام قليلة جدا - حسب تصريحات سعودية رسمية – خلية ضمت رجلين كانا يخططان لعمليات انتحارية، والتحقيق جار معهما خشية وجود خلايا أخرى نائمة، وهو أمر قد لا يكون مستبعدا .

والغريب في الموضوع ، أن المملكة السعودية التي شجعت مؤخرا على انتخاب أحمد الجربا ، المعتدل نسبيا ، رئيسا للمجلس الوطني السوري، ورغم أنها قد قدمت مزيدا من الأسلحة للمعارضة السورية ، إلا أن المراقبين قد رجحوا، بناء على تسريبات من السعودية ، أنها لم تكن كميات كبيرة، وأنها لم تكن أسلحة متطورة، ولن ترسل إلا للمعارضة المعتدلة ، فالهدف منها ، كما قيل ، هو مجرد تعزيز موقف المعارضة عسكريا،بغية إقناعهم بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي كانت المعارضة ترفض المشاركة فيه إذا لم يتعزز موقفها العسكري في الجبهة السورية .

ولكن التطورات التي تلت بعد إرسال تلك الأسلحة، رجحت عكس ذلك. فالقتال قد احتدم بشدة في الجبهات السورية، وقامت المعارضة المتشددة المنتمية بعلاقات وثيقة مع القاعدة والتي تنهج المنهج الهولاكي إياه ، بفتح جبهة جديدة، لا في مناطق الأكراد فحسب، وبالذات في جبل الأكراد، بل في المناطق التي تضم غالبية علوية أيضا، فتقدمت نحو عدة قرى علوية، فيما سمي بعملية عائشة البكار، واحتلت خمس قرى منها، وبدأت تحاول الزحف نحو شاطىء البحر الأبيض المتوسط بغية إيجاد خط إمدادات جديد لها عبر البحر، مع عدم الاعتماد بعد نجاحها في ذلك، إذا نجحت في تحقيق هدفها ذاك، على الإمدادات القادمة عن طريق تركيا والمراقبة مراقبة جيدة، من حيث كم السلاح ونوعه. وهم إذا نجحوا في ذلك، سوف يجهضون المخطط الأميركي السعودي القطري، الذي ظن بأنه سيكون قادرا على تحجيم تلك المعارضة ذات التصرفات الهمجية أحيانا ، والتي اعتقدوا أن بوسعهم استخدامها كورقة ضاغطة، ولكن إلى حين إسقاط النظام السياسي في سوريا ، ثم يتخلون عنها ويرمونها في مزبلة النسيان، عن طريق وقف الإمدادات المالية والتسليحية لها .

فالخطوة الأخيرة التي أقدم عليها مناصرو القاعدة في المعارضة السورية والتي تسلك مسلكا مغوليا ، قد أثبتت بأنها أبعد أفقا في التفكير والتخطيط من مخططات الدول المعارضة لسوريا. إذ أنه إدراكا منها لما يخططه الآخرون لها باستخدامها كورقة ضاغطة ولكن غير قادرة على الانتصار والحسم ، بدأت تسعى لفتح طريق تساعدها على التحرر من الاعتماد على تلك الدول التي أوحت لها بأنها متحالفة معها تحالفا وثيقا، في وقت كانت تسعى فيه لاستخدامها كورقة تكتيكية، لا ورقة إستراتيجية دائمة وثابتة الخطى والمنهج . وإذا نجح أولئك في خطتهم تلك، سوف تسقط من أيديهم، أيدي أولئك المخططون في الدول الثلاث سابقة الذكر، تلك الورقة التي لعبوها بدون تفكير عميق، والساعية لإسقاط النظام السوري، نظام الممانعة، مع تخطيطهم للتخلص من تلك المنظمات المتشددة في وقت لاحق . فيكونوا بذلك قد ضربوا عصفورين بحجر واحد. أي التخلص من النظام السوري، والتخلص من المعارضة المتطرفة. لكن المحصلة النهائية، إذا نجح المتشددون، ستكون فعلا إسقاط النظام السوري، مع الحلول مكانه في إدارة البلاد على طريقتهم الخاصة، وهي أسلوب الممانعة الأكثر تشددا من النظام السوري ، والساعي أيضا للانتشار في دول الجوار كالأردن والسعودية مثلا، إذا ما استقر الأمر لهم .

ويبدو لبعض المراقبين، أن هذا النهج في التخطيط، هو نهج أميركي عودنا على الدوام أن يأخذ بعين الاعتبار النتيجة التي يراها مباشرة لمخططهم، دون أن يتوقعوا أثارا أخرى قد تقوض مساعيهم وتعود عليهم بالوبال . فهم قد نهجوا هذا المنهج في أفغانستان عندما استعانوا برجال القبائل الأفغانية لمقاتلة السوفيات، فانقلب أولئك عليهم وشكلوا منظمة القاعدة بعد خروج السوفيات. وهم قد نهجوا هذا المنهج في إيران أيضا، فاستعانوا بالخميني وبالإسلاميين من آيات الله والملالي، للقضاء على التيار اليساري الذي كان مرشحا للسيطرة على إيران بعد رحيل الشاه، ولمشاغلة السوفيات بافتعال معارك على الحدود الإيرانية السوفياتية. لكن الإسلاميين الإيرانيين لم يقاتلوا السوفيات، وإذا كانوا قد قضوا فعلا على التحركات اليسارية في إيران، فهم قد حلوا محل التيار اليساري في تهديد الولايات المتحدة . فهذا النهج قصير النظر لدى الولايات المتحدة، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات حتى الصغير منها، أي لا يأخذ بعين الاعتبار مسار الإستراتيجية في نهاية مطافها ، فينتهي به الأمر على الدوام إلى الخسارة خسارة كبرى، هو الذي وضع تصورا قاصرا لمجريات الأمور في سوريا ، وباتت الآن الدول المتحالفة معه واقعة في مأزق لا تحسد عليه .

والواقع أنني أعجب كثيرا لموقف الدول العربية ، وخصوصا السعودية ، من الاحتفاظ بتحالفها مع أميركا بشأن هذا المخطط الضار بها وبالدول العربية في نهاية المطاف. صحيح أنها ترغب في إيجاد حلول للقضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية في المنطقة . وهي ربما اعتقدت عن حسن نية، بأن إسقاط النظام في سوريا سوف ينهي عملية الممانعة للحل التي تحمل سوريا لواءها . ولكن هل هم على ثقة بأن إسقاط النظام السوري، سوف يقود فعلا إلى السلام في المنطقة على أساس الدولتين، باعتباره خطوة حقيقية، كما يتوقعون، نحو تحقيق ذاك السلام . الكثير من المراقبين لا يتوقعون ذلك أبدا . لأن الدولة الممانعة فعلا للسلام هي إسرائيل وليست سوريا. وها قد رأينا أن مفاوضات السلام التي بدأت قبل أيام في واشنطن عادت تواجه ذات المعضلة التي أخرت على مدى سنوات، استئناف عملية السلام، وهي معضلة الاستيطان الإسرائيلي حيث أعلنت الحكومة الإسرايلية للتو موافقتها على الشروع بمستوطنات جديدة، إضافة إلى الموافقة على قرار بزيادة المعونات المالية لبعض المستوطنات التي سبق بناؤها في السنوات السابقة . وهي تعول الآن على قيام السلطة الوطنية الفلسطينية برفض استئناف المحادثات التي من المقرر أن تستأنف بعد أيام قليلة. ومع أنه بات من المرجح ألا يقع الفلسطينيون مرة أخرى في ذلك الفخ، وأن يوافقوا بالتالي على استئناف المفاوضات، ما لم أكن مخطئا في هذا الاستنتاج، إزاء رغبة محمود عباس في تحقيق أمنيته بالدولة المستقلة التي سيكون رئيسا لها .

فالرئيس عباس يتطلع بشوق إلى الوصول لحل الدولتين، ومثله الرئيس أوباما الذي يريد الإقتداء بسلفيه من الرؤساء الديمقراطيين: كارتر الذي حقق اتفاق كامب ديفيد، وكلينتون الذي حقق اتفاق أوسلو، وهو لذلك يبذل الجهد الجهيد من أجل تحقيق اتفاق الدولتين. ولكن هل تريد إسرائيل ذلك حقا ؟

فاليهود اللذين ظلوا على مدى ألفي عام يحلمون بالعودة إلى إسرائيل ، بلد السمن والعسل والمن والسلوى، كما ظلوا على مدى الألفي عام تلك، يرفعون الأنخاب في أعيادهم الدينية هاتفين " العام القادم في أورشليم " أي في القدس، هل سيتخلون الآن عن حلمهم ذاك ، ويرتضون بمجرد جزء من أراضي السمن والعسل، كما يتخلون عن حلمهم في الهيكل، بموافقتهم على منح القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية والتي تضم المسجد الأقصى، والذي يعتبر الإسرائيليون أن " الهيكل" يقع تحته ؟ أليس هذا هو الطعم الذي قدمه "أوباما" للفلسطينيين، لتشجيعهم على استئناف مفاوضات السلام الذي ظلت قضية المستوطنات الإسرائيلية المفتعلة عائقا في طريقه، وهو طعم قدمه لهم، لا لسبب إلا اللحاق بركب سلفيه كارتر وكلينتون في السير على دربهم في تحقيق إتفاقية أخرى مزعومة للسلام .

والواقع أن بعض المراقبين يرجحون احتمال تحقق السلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولكنه لن يكون سلاما بين إسرائيل والفلسطينيين ، بل قد يكون سلاما بين إسرائيل وسوريا فحسب، إذا نجح المخطط الأميركي في إسقاط الرئيس الأسد، وحل محله حكومة معتدلة غير ممانعة، ترضى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. هذا إذا لم تحل محل حكومة الأسد ، حكومة أكثر تشددا، كأن تكون حكومة تشكلها المعارضة المتشددة السائرة في ركب منظمة القاعدة، والتي باتت مرجحة للانتصار عبر استخدامها ذاك الأسلوب المتشدد والسائر على هدى المغوليين. أما الفلسطينيون، فلقضيتهم شأن آخر، إذ ستصر إسرائيل على وجود إسرائيل يهودية نقية، بدون عرب عام 1948 ، وربما بدون عرب الضفة الغربية اللذين قد تسعى في النهاية إلى ضمهم إليها، وهو الحل الذي فكر فيه بعض رؤساء وزارات إسرائيل، ولكن توقفوا أمام خطورة منح الفلسطيننين الهوية اليهودية . فبات الحل الآن على ما يبدو هو الضم ولكن بدون منحهم الجنسية الإسرائيلية حفاظا على نقاء الدولة العبرية، بحيث تجد لهم صفة ما ترضي المجتمع الدولي، وقد يكون من بين حلولها، كاحتمال – مجرد احتمال في الوقت الحاضر – يتركهم بدون جنسية ، أسوة بالسابقة المعتمدة في الكويت بالنسبة ل "بدون " الكويت.

أما بالنسبة للهجمة المغولية في سوريا وكيفية التعامل معها ، فإن الواجب الإنساني يقتضي المجتمع الدولي، أن يسعى لوقف هذه الأعمال الوحشية التي تطال المسيحيين، والعلويين والأكراد. فإذا كانت الدنيا قد قامت ولم تقعد بسبب اغتيال رفيق الحريري ، رئيس وزراء لبنان الأسبق ، فسمي محققون دوليون للتحقيق في ذلك الاغتيال ، كما شكلت المحاكم الدولية لمقاضاة الفاعلين مع أن الضحية كان رجلا واحدا، ألا يقتضي الأمر مباشرة تحقيق دولي في أعمال المغوليين الجدد، اللذين قطعوا الرؤوس، وقتلوا الأسرى، واعتدوا على السكان الآمنين من شيوخ ونساء، ولاحقوا المسيحيين منهم فاختطفوا مطارنة وقساوسة ، وربما قتلوهم فعلا، كما أخذوا رهائن من الأكراد، بل ومن اللبنانيين أيضا حيث إختطفوا تسعة منهم أثناء قدومهم من تركيا، وهو الأمر الذي تفاعل مؤخرا باختطاف مقابل لطيار تركي ومساعده ، وغير ذلك من الأعمال الهمجية كتناول قلب جندي سوري أمام العيان كطعام شهي لذاك المقاتل من حزب النصرة، إضافة إلى قتل صبي بدم بارد أمام ذويه. فذلك كله لا يقتضي مجرد تحقيق دولي ومحاكم دولية، بل يتطلب تدخلا دوليا، ولكن ليس أميركيا، بل تدخل دولي من الجنود أصحاب القبعات الزرق، بغية وضع حد لهذه المجازر التي قد لا تنتهي قريبا، بل قد تزداد شراسة إذا ما حققت القاعدة ورجالها الوصول إلى الشواطىء السورية ، فأمنوا لأنفسهم خط إمدادات قد لا ينقطع إلا بتحقيق النصر للمغوليين الجدد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - nardindiblyQJ
nardindibly ( 2013 / 9 / 12 - 05:47 )
According to court records, on May 13, 2011, Blake drove the victim to a secluded field behind the Pena Housing Area on the Mescalero Reservation and sexually assaulted her. Blake admitted leaving the resort with the victim and later driving her to the secluded field, where he sexually assaulted her against her will and by use of force. Attorneys Jessica Crdenas Jarvis and Richard C. Attorneys Las Cruces Branch Office. Immigration and Customs Enforcement (ICE) announced the results of -Operation Dark Night,- into a sex trafficking ring in Florida, http://www.cherfanclub.com Georgia and North Carolina and South michael kors outlet Carolina.More details are forthcoming. Jan. 7 on KCOS TV in El Paso and KRWG TV in michael kors outlet online Las Cruces-Reportero,- a moving portrait of endangered journalists in the Tijuana, Mexico, area will air tonight on PBS stations. The Point of View (POV) special highlights the work of reporters and photographers of the legendary newspaper -Zeta- in the border city of Tijuana. It focuses most of all on Sergio Haro, a longtime journalist, who along with others on the Zeta staff, decided michael kors outlet store (and still decide) to report on the corruption and violence perpetrated by powerful organized crime interests in that michael kors outlet online region. Jesus Blancornelas, cofounder of Zeta, which is unrelated gourmetkitchentogo.com to the drug cartel by the same name, died from an illness several years after surviving a horrific shooting attack. Cofounder Hector Felix Miranda, was assassinatedin 1988. The film by Bernardo Ruiz is riveting and disturbing at once. Interviews of the weekly newspaper staff demonstrate reporters, editors and photographers who are firstrate journalists who serve a community ravaged by brutal michael kors outlet drug dealers, crooked politicians and corrupt police. Their journalism aims to inform and expose. Every weekly edition of Zeta, in the tradition of Mexico Proceso magazine, names names, and presents detailed accounts of the allegations against a sordid cast of news makers. Photographs are often included in this barefaced publication, which in most places, may invite retaliation. The film offers an intimate portrayal of Haro life and work, and the tenacity that he and his coworkers bring to their work each day in a city and country where justice is rare. Viewers learn, among other things, that Zeta staff seeks to maintain an operation that is truly independent, and as free of conflicts of interests as possible. The paper also -print-s its editions in the United States to prevent sabotage and censorship. Avid readers seek the paper http://gourmetkitchentogo.com each week because they respect its content. They also know that the staff is known for its integrity, a hallmark of cofounders Blancornelas and Felix Miranda. In effect, Zeta and its staff set the standard for news publications anywhere in the world, including the United States. Its staff decided michael kors outlet long ago that this is what they do, and the difficult challenges they face each day, including the threat of death, michael kors outlet will deter them from their jobs. The film does an excellent job of portraying that not everything in Mexico is corrupt and that not everyone is corruptible. Kudos to PBS for bringing this important story to television audiences. The film was coproduced by Quiet michael kors outlet online Pictures, LLC and Independent michael kors outlet online Television Service-;- it was underwritten in part by the Corporation for Public Broadcasting. POV spokeswoman Amanda Nguyen said the special will air tonight (Jan. More than 50 journalists have been killed in Mexico since 2008. Despite the government creating a special prosecutor to investigate the deaths, most of the murders remain unsolved. In the state of Chihuahua, michael kors outlet which includes Juarez, more than a dozen journalists have been killed´-or-disappeared under suspicious circumstances since the 1990s.Once here, the women allegedly were threatened and forced to commit prostitution at numerous locations in Savannah and throughout the Southeastern United States. Officials said MendezHernandez alleged told a Mexican woman that she would be sent back to her home country unless she serviced 25 clients a day. Customs and Border Protection (CBP)-;- CBP Air gourmetkitchentogo.com and Marine Operations-;- the Internal michael kors outlet Revenue Service Criminal Investigations-;- the SavannahChatham Metropolitan Police Department-;- the Chatham michael kors outlet store County Sheriff Office-;- the Garden City Police Department-;- and, the ChathamSavannah Counter Narcotics Team. Attorney michael kors outlet store Tania D. Groover and E. Greg Gilluly Jr. are prosecuting the case on behalf of the United States.-ICE investigates a wide array of crimes, but the trafficking of women and girls for prostitution is among the most sinister,- said ICE -dir-ector John Morton said in a statement. -Few crimes so damage their victims and undermine basic human decency. indictment, Joaquin -Flaco- MendezHernandez, allegedly conspired with others to transport people across state lines to engage in prostitution.Blake will serve a fiveyear term of supervised release after he completes his prison cherfanclub.com sentence, and will be required to register as a sex offender. Attorney Kenneth J. Gonzales and DuWayne W. Honahni, Sr., Special Agent in Charge of District IV of BIAs Office of Justice Services.MendezHernandez also michael kors outlet online allegedly conspired with others to entice women from Mexico, Nicaragua and elsewhere to travel to the United States with false promises of the -American dream.-Blake was arrested on August 10, 2011, based on a criminal complaint alleging that he raped a Mescalero Apache woman on May 13, 2011, on the michael kors outlet store Mescalero Apache Reservation. He has been in federal custody since his arrest. On Nov. 16, 2011, Blake was indicted and charged with aggravated sexual abuse.January 2013This blog is an ongoing discussion of news and events related to the border. Depending on which dictionary you follow, border is defined as outer part´-or-edge (MerriamWebster),´-or-a line between two countries (Oxford).

اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير