الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عدنان العوادي
سعيد عدنان
كاتب
(Saeed Adnan)
2013 / 8 / 11
الادب والفن

عدنان العوادي
سعيد من كانت سنين عمره مضيئة حافلة بما يزيد معنى الحياة جمالا وبهجة وسموا ، وسعيد من إذا التفت إلى ما وراءه رآه نقيا طاهرا لا ينكر منه أمرا ، ولا يود أن له به غيره ، وإذ ترجع معه بالسنين إلى مطلعها تجد أن الذي أنت عنده كالذي كان من قبل كما يشبه الماءُ الماءَ صفاء وعذوبة ! وقل من انسجمت أيامه وائتلفت على تقلب الأحوال ، وغُيَر الزمان في بلد ما أكثر ما يصبح الناس فيه على غير ما أمسوا عليه .
لكنه كان يصبح ويمسي على نهج واضح متلئب ظاهره كباطنه ثقة بنفسه التي لاتني تسلك به سبل الرشاد . إنه عدنان العوادي الذي أحب العربية ناشئا حتى اكتملت لديه حرفا أنيقا ، وبيانا مشرقا لا يخطئ اللفظ فيه موضعه ، ومن وراء ذلك فكر نافذ قد تكاملت عناصره وتنزلت فيه الأشياء منازلها من دون زيادة أو نقصان .
أحب العربية في قديمها الأصيل ، وأحبها في جديدها المبتكر ، ولم يقف به قديم دون جديد أو جديد دون قديم ، وكم كان يسيرا عليه أن يهتدي إلى اللباب فيهما ، وأن ينفي ما سواه . أحب العربية في شعرها ، ورواه ، وقد ينشد بعضه لأمر ما فيزيد في معناه معنى نافضا عنه غبار الزمن متسعا في دلالته ، وقد تقرأ الشعر في مظانه ، وقد تحفظه ، ولكنك إذا سمعته ينشده بدا لك من خفي معناه وبعيد مغزاه ما لم يبد من قبل ! وله من حلاوة الصوت وفصاحة النطق ما يرتقي بالشعر ويمد من آفاقه .
ولا يكتب ، إذا كتب ، إلا في ميدان جديد لم تستنزفه الأقلام ؛ كان ذلك يوم كتب (( الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي )) ولم يكن الشعر الصوفي يومئذ قد تناوله الدارسون بالنظر والبحث . وكان ذلك أيضا حين كتب (( لغة الشعر الحديث في العراق )) إذ لم تكن الأقلام قد وجدت طريقها إلى (( لغة الشعر )) .
وكان ما عالج به الشعر الصوفي شيئا جديدا ؛ إذ وضعه في سياقه من المجتمع وسياسته وأحكم الصلة بين الفكر والواقع الذي أدّى إليه ، فليست التجربة الصوفية والشعر القائم عليها بمنفصلين عما يحيط بهما في أبعاده كلها ذلك أن التصوف في جانب منه رغبة اجتماعية في إكمال النقص وإصلاح الفساد وتجاوز الواقع . ونفذ ، مع ذلك كله ، إلى أسرار النهج الصوفي جامعا بين مهارة الدرس وتذوق التجربة .
وكذلك كان لما نظر في (( لغة الشعر )) إذ هي عنده ليست ألفاظا مجردة بل هي صورة فكر موصول بأوثق صلة بواقع مجتمع ، والجزء لا يدرك الإدراك الصحيح مالم يوضع في إطاره المتكامل . وهكذا وضع التجربة الصوفية في إطارها من حركة المجتمع ، وجعل لغة الشعر حيث ينبغي لها من سياقة الفكر في مساره الاجتماعي .
حب الحقيقة وتطلبها سجية أصيلة فيه تجري مع الدم في مجاريه ، وقد أتى بها من بيت أبيه ، وأعلن ذلك إذ كتب في صدر الصفحة الأولى من (( لغة الشعر ...)) يهدي الكتاب قائلا : (( إلى أبوي اللذين ألهماني حب الحقيقة .))
يحب الحقيقة ويعلنها – إذا اتضحت لديه في شأن ما – على أتمها من دون خشية أو مداراة ، ولم أره – على طول الصحبة – يقول بخلاف ما يعتقد رغبا أو رهبا ، أو يوارب بما يجعل الكلام ملتبسا ، بل يقول الحق جاهرا به في المقام الذي يعز فيه الهمس !
ألهمه بيته حب الحقيقة فصار طبعا فيه يأتيه طواعية من دون أية مجاهدة ، وينبثق منه وينسجم معه حب الخير يصنعه ولا يرجو جوازيه ، ويلقى به القريب والبعيد ، ويحب الناس غير زاهد بمن رغب فيه ، ويألم شديد الألم إذ يصيب إنسانا أذى ، ويألم إذ يتردى امرؤ في مهوى دجل أونفاق !! ويزدري المصانع المداهن الذي يتخذ العوج مسلكا .
لم يستخفه مغنم ، ولم يدن به مطمع من زخرف ، وبقي التقي النقي ...
سيرة عطرة يتفاوح المسك من أطرافها ، فضلها يتجلى في كل عمل ، ويتضح في كل شأن .
مارس الإدارة في التعليم الثانوي ، في مطلع حياته ، وجرى فيها على الصدق والإخلاص ، وإنزال الأمور منازلها في ما يحقق الهدف التربوي ، وفي الطليعة من ذلك رعاية الإنسان - بما هو إنسان – والارتقاء به ، وبقي حتى إذا طرأ على المسار التربوي ما انحرف به عن غايته نأى بنفسه منصرفا إلى التدريس وبسط المعرفة وإشاعة حب الحقيقة .
ومارسها – حين خرج البلد مما ران عليه – في التعليم العالي ، في مفصل راق منها ، فكان على نهحه صدقا وإخلاصا ، وقل أن تكاملت الإدارة المثقفة الراقية عند أحد كما تكاملت لديه .
ملتقى فضائل بعضها يؤازر بعضا يلتقي فيها الفكر الواضح بالإدارة الراقية التي مغزاها الإنسان في صون كرامته والارتقاء به .
وله في معاناة الفكر منحى لا يتخلف ، وسبيل لا يزل عنها ، أنه لا يصرفه ظاهر عن باطن ، ولا يكتفي بأول بادرة ، ولا ينسيه عنصر العناصر الأخرى ، ولعل الغائب لديه أشد حضورا ، حتى تكتمل وجوه الأمر وتتضح أركانه كلها ، وتجتمع أقطار الفكر عنده على نحو أصيل وكأنه كان ماثلا للشاعر القديم وهو يقول :
الألمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا
وتشهد له ببعض ذلك جلسات مناقشة رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه !
وهو على ذلك كله قليل الكلام ، كثير الصمت ، غير أنه يبلغ بالصمت ما لايبلغه آخرون بالكلام !
وكل مافيه منسجم مؤتلف يجري على لحن لا نشوز فيه ، إنه المروءة وقد تمثلت في رجل !
تحية له وهو يبلغ السبعين من عمره المجيد...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ليه أم كلثوم كانت بتلبس نضارة سوداء دايمًا؟.. معلومات هتبهرك

.. سر مناديل أم كلثوم .. وحكاية دستة المناديل

.. عمرو دياب يحتل التريند بعد طرح ألبومه الجديد -ابتدينا-

.. الفنانة زينة تطلب 100 ألف جنيه تعويضا بعد هجوم كلب شرس على أ

.. أم كلثوم من الميلاد إلى الأسطورة.. إيه حكاية الكتاب ده؟
