الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 18

حبيب هنا

2013 / 8 / 11
الادب والفن


- 18 -
لقد أصابتك يا شيخنا شهرتك في مقتل . سبقتك إلى كل مكان وأنت مختبئ في مكانك. أصبحت هاجس العدو، وغدا يرصدك بكل الوسائل بغية توجيه الطعنة التي لا تعرف من أي الاتجاهات ستصيبك. بات صعباً عليك التحرك وأنت تجر خلفك شهرة أضافت ثقلاً مضاعفاً على كاهليك. في العمل السري بالكاد يستطيع المرء التحرك عندما يكون مغموراً. وأنت لقد أفلحت بما لا يوصف، وببراعة نادرة، ولكن بعد شهرتك بت هدفاً قابلاً للتحقيق كل لحظة في وقت كان بالإمكان تحاشي هذا الوضع لو بقيت على ما أنت عليه من حذر وغموض وبعيد عن الشهرة التي قد تكون على نحو ما استهوتك بعد أن أصبحت الآمر الناهي . وهذه المعضلة ليست مشكلتك وحدك . إنها مشكلة الجميع عندما يأخذهم الاعتداد بالنفس إلى مصاف اليقين متجاهلين أن للشهرة ثمن باهظ دفعته بالكامل كما كل الذين سبقوك في هذا الدرب. قد تكون امتزت عنهم بوصول الذروة التي ليس بعدها طموح، فقررت الاعتزال كلاعب محترف وأنت في قمة مجدك، وبالتالي فضلت وضع حد لهذا الصعود بالطريقة التي لم يسبقك أحد إليها، وصنعت من نفسك تمثالاً في قلوب محبيك، ومثلاً أعلى يحاكي الأساطير، فغدوت اسماً لصاروخ دشن مرحلة جديدة يحتفى بها كل عام.
فأنت لم تعد بيننا حتى نجاملك، الجميع يعرف بنجاحك، حتى العدو، لذا أصبحت من حيث لا تدري، ملكاً للجميع، ولكن وحدي، ربما، أعارضهم، لأنك قتلت نفسك عندما أصبحت ملكاً للجميع، وهذا لا يجوز لك . لأنه ببساطة، منحت العدو من حيث لا تدري أيضاً قدراً كافياً من اللذة والسعادة باصطيادك على هذا النحو، كإنسان بسيط لم يتضلع كفاية في فنون العمل السري في وقت أثبتت أنك أقدر منه طيلة سنوات أسر جنديهم دون قدرتهم على الوصول إليه .
لماذا فعلت هذا بنا ؟
أهو القدر يحاول مجدداً امتحاننا، أم أن الشهرة أغوتك فكنت سبباً في قتلنا على هذا النحو البشع من حيث لا تحسب ؟
ربما كنت ناجحاً وذكياً إلى حدود الشهرة، ولكنك لم تكن على دراية كافية بالعلوم العسكرية الأكاديمية، التي تقول باختصار: عندما يهاجم العدو علينا التراجع كي ندفعه للتوغل أكثر، أو أن نرد عليه بهجوم آخر من حيث لا يحتسب . هذه القاعدة العسكرية عمل العدو وفقها تماماً. كنت مفاوضاً صعباً لدرجة الهجوم، وكان على العدو عدم تغافل العلوم العسكرية فتراجع لبرهة من الزمن، إلى أن تم إتمام صفقة التبادل، ثم أخذ يعد العدة لهجوم لم تتوقعه بهذه القوة والشراسة فكنت ضحية كعالم فيزياء غفل لحظة عن إجراء التجارب في معمله فانفجر فوق رأسه وقتل من حوله دون معرفة الأسباب .
آه.. كم كنت بحاجة إلى مناورة عسكرية جانبية تبعد عنك الأنظار وتقينا فجيعة فقدانك ونحن في أمس الحاجة إليك !
صحيح أن الانسحاب أصعب دروس المناورات وأكثرها خطورة، غير أن تحاشي الصدام المباشر ومشاغلة العدو يعد من أبرع فنون التكتيك وتخفيف حدة الخسائر وانتهاز الفرصة المناسبة لهجوم مضاد إن أمكن، ولكن عدم تمكنك من العلوم العسكرية بما فيه الكفاية قلص أمامك مساحة التحرك، وحرمك من متعة مشاهدة الصواريخ وهي تطارد فلول العدو من الجنوب إلى الشمال .
لا أستطيع أن أقول لك كان عليك دراسة كل العلوم، أو أن يكون بجوارك مستشارون لهذا الغرض، باعتبار الأوان قد فات، ولكني أقول لمن حل محلك، عليك بالإضافة إلى الحذر والابتعاد عن الشهرة، الاضطلاع على مختلف العلوم، وأن تأخذ درسا من كل ما كتب ويكتب، من النصائح التي قد تفيدك وهي بالتأكيد لن تضرك، وأن تشكل فريقاً متكاملاً من المستشارين العالمين بكل الأمور حتى تكون أكثر حيطة ودراية وتضلعاً في المواجهة المقبلة .
ثم عليك أن تعمل وفق قاعدة أنك لم تختر عدوك برضى ومحبة في استمرار الصراع إلى ما لا نهاية، بل هو الذي اختارك من دون كل المناطق الجغرافية ليس فقط لأنك الأضعف، بل أيضاً لأن الادعاء بأحقية هذه الأرض قابلة للتصديق وبالتالي يستطيع من خلالها حشد التأييد فضلاً عن تجميع اليهود في هذه البقعة تحت راية الشعارات الدينية والثوابت التاريخية التي عكف على تزويرها منذ اللحظة الأولى التي فكر فيها باختيارك منافساً لصراع طويل لم تختره إلاّ بالقدر الذي ينبغي عليك فيه أن تكون نداً ليس سهلاً مهما طال الزمن، وحتى يدرك هو والجميع بأن اللعبة لا تنتهي عند حد فرض الشروط علينا كطرف ضعيف، و إنما تبدأ من هنا، وفي التوقيت الذي ينبغي علينا تحديده لتجدد الصراع حتى الظفر بالحرية والعدالة وإحقاق الحق وعودة أصحاب الأرض إلى أرضهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع