الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الفوضى البنّاءة الى البناء الفوضويّ

شفيق طارقي

2013 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


شفيق طارقي :
" و أمّا الزّبد فيذهب جفاء " ، من الفوضى البنّاءة إلى البناء الفوضويّ:
ليس الواقع في البلاد العربيّة بمنفصل عمّا يحاك في الإدارة الأمريكيّة بما ظهر من وسائلها و الّذي خفي عن الأنظار، و ما هو بالمعزول عمّا يرتسم نظريّا و يتحوّل بعد اختباره و تقليبه على أكثر من وجه إلى حيّز التّطبيق ، فالأفكار عندهم عكس ما هو دارج عندنا متنطّعة عن قوالبها ، مفعّلة بما يتطلّبه الأمر من ضرورات ليكون قدرها التّجسيد ، وفقا لقوانين ، و انتظاما مع مسلك نهاه و محصّل أمره المصلحة بالمختلف من أبعادها ، لا سيّما منها الاقتصاديّ ، فلم يعد الخوض في السّياسة بما هي خيارات نظريّة من أولويّاتهم لأنّ الخيارات الّتي مازلنا فيها بين أخذ كثيرا ما لا يستتبعه عطاء ، و مازلنا فيها على لجاج مكين لا يختصّ به العامّة وحدهم و إنّما هو سار في الخاصّة من المشتغلين بالسّياسة أو الباحثين في أمرها بحث العارف يروم الحقيقة و مازال الجمع على ما بينهم من بينونات لم يؤمنوا بعد بنسبيّتها فكلّ حزب بما لديهم فرحون يخال ما ملكت يمينه كلّ الحقّ بل أبعد ، و يمضي في مفاخرة القوم به بما أوتي غير منتبه إلى ما في الاختلاف من فتحات للّقيا ، و ما به ينماز من سبل للتّكامل لو أحكم بين مكوّناتها الوصل و نبذ التّطاحن و الجعجعة لكان الظّفر بالمنى و أدركت الغايات .
من المفاهيم الّتي نشأت فجرت بين الألسن و مسحت ممّا حبّر صفحات فاطّردت و تواترت بعد الحادي عشر من سبتمبر، مركّب نعتيّ يقوم على تنافر دلاليّ بين طرفيه ، صادم لآفاق الانتظار كأنّك به أوّل تماسّك معه إلى النّقد الأدبيّ أميل و بالفلسفة في لبوسها ما بعد الحداثيّ أعلق منه بالسّياسة الدّوليّة و بعلاقاتها ، ممّا يكشف أنّ حلقات وصل قائمة بين النّظريّ و العمليّ و أنّ العالم الغربيّ بجبروته التّقنيّ و رأسماليّته الفاحشة ، و بمكيافيلّيّته المعلنة أو المندسّة في الأعطاف ، منصت في الآن نفسه لصوت العقل يتدبّر الأمر ضمن علاقات عضويّة تشدّ أواصر الثّقافيّ إلى القرارات القوميّة ، معلّقة مصيرها بما تصدح به الأذهان ، في الوقت الّذي يزداد فيه البون اتّساعا بين المثقّف و السّلطة في البلاد العربيّة فبينهما برزخ لا يبغيان و لا يلتقيان " إلّا وداعا عند مفترق الحديث " . لقد جاءت الفوضى البنّاءة نتاجا لواقع عالميّ و تأسّست على العدوّ المفترض و ما يجب أن يعدّ له من عدّة ، تأسّست على خطر ممكن و غير متعيّن في الآن نفسه ، إنّه مفهوم منبن على التّصوّر و ما يتطلّبه من خطط وقائيّة ، و عليه فقد مثّل الاستباق ـ هذا المصطلح السّرديّ ـ عنصرا فعّالا به يحقّق المفهوم ديناميّته ، و يمثل واقعا ، بل مبرّرا للحرب دفعا لما كان أعظم ، لتكون الفوضى وفقا للمنظور الأمريكيّ سبيلا للبناء و يتمّ بموجبها تفكيك المعطيات و إعادة تركيبها ، و هي بذلك ضرب من ضروب السّيطرة على التّاريخ ليكون أمريكيّ الهوى.
و لئن تعلّق المفهوم بإدارة بوش و بالمحافظين الجدد ، فقد وجب التّنبيه أنّ تعاقب الإدارات على البيت الأبيض لا يقضي بما يتوهّم من محو و إعادة كتابة ، و من اجتثاث و إعادة تجذير، فالمفاهيم و ما تتّخذه من أشكال لإجرائها لا يبطل مفعولها بما تفرزه الصّناديق من خيارات لأنّ المصلحة الأمريكيّة تظلّ واحدة و إن تباينت الألوان و تعدّدت المسالك ، وعليه فإنّ الإضافة مع ما يتطلّبه الأمر من تعديل و تكييف ، مسائل جارية على كلّ سابق في علاقته باللّاحق ، و بهذا تتميّز الدّيمقراطيّات الغربيّة إجمالا و الأمريكيّة على جهة الخصوص . و لا شكّ أنّ المنطقة العربيّة و خاصّة منها الشّرق أوسطيّة هي أكثر المناطق قابليّة لإجراء المفهوم فهي الأخصب بمتراكمها التّاريخيّ و بالنّاهض فيها من أحوال و ببناها على كلّ الأصعدة تحتيّا و فوقيّا ، و لئن كان الأمر في ولاية بوش مرتهنا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر واقع في مسار الحرب على الإرهاب ، فإنّنا نحسب أنّ الفصل الثّاني من النّظريّة يجد مجالا لتحقّقه بعد ما أفرزه الرّبيع العربيّ من مستجدّات ، تدفعنا إلى قلب المركّب ليكون مثلما تشهد الوقائع ضربا من" البناء الفوضويّ" ، فالتّركيب الّذي نجم عن الفصل الأوّل خلفا للتّفكيك يشهد بدوره إعادة تفكيك من أجل تركيبة جديدة كان من تجلّيّاتها صعود الإسلاميّين إلى سدّة الحكم و تحوّلهم من منطقة الغياب إلى الحضور، و من الزّنازين و العمل الدّعويّ إلى القصور، من المفعوليّة التّاريخيّة إلى فاعليّة موهومة تسندها شرعيّة الصّناديق ، و تعضدها ديمقراطيّة مخترقة بالطّائفيّة و متوتّرة بالجاثم في المشترك الجمعيّ من ارث دينيّ لا يؤمن بالدّيمقراطيّة و يعدّها بدعة و لكنّ سدنته في آن يتّخذون منها معبرا لتحقيق غاياتهم ، و حجّة للاستماتة فيما احتلّوه من مواقع . إنّه البناء الفوضويّ لديمقراطيّة ضاع جوهرها الفرد فلم تبق سوى الأعراض ، لديمقراطيّة عدوّة شرعا و صديقة شرعيّا ، وهي مفارقة لعمري من المضحكات المبكيات و لكنّها واجدة في طريقها إلى الفوضى الهدّامة ما به يكون البناء المنتظم فالّذي يسقط دائما من الحسابات الدّقيقة و لا يمكن للتّصوّر أن يحيط به خبرا هو ذلك المتحرّك بشوق طبيعيّ على حدّ عبارة أبي حيّان هو ذلك الّذي لا يسكن البتّة و لا يخضع البتّة للنّظريّ فيراوغه و يدعوه إلى معاودة النّظر في متعلّقاته يدعوه إلى البحث عن بدائل ، و نقصد الحراك الشّعبيّ بما هو تمرّد و بما هو رفض و بما هو غيرة على الأوطان و عشق " من النّوع الّذي لا يتكرّر كثيرا " ، و الرّأي عندنا أنّ ذلك هو ما حصل في مصر فهوت به الفوضى و ما رامته من بناء يوافق خالقيها ، و هوى به البناء الفوضويّ الّذي سعى الإسلاميون إلى وضع لبناته الأولى ... ليكون النّظام المبنيّ على أسس مدنيّة ، و ليكون البناء المنتظم بشوق شعبيّ طافح بحبّ مصر و سيطفح بحبّ تونس و بحبّ كلّ ذرّة من البلاد العربيّة . فليست النّظريّات أيّا كانت وجاهتها و تماسكها الدّاخليّ هي المفكّكة لواقع الأمّة ، إنّما التّفكيك و إعادة التّركيب للشّعوب وحدها ، و بإرادة الأحرار وحدها تبطل الفوضى البنّاءة ، و ما استتبعها من بناء فوضويّ على جثث الشّهداء و جماجمهم أفرزه الإخوان لافتقارهم إلى أبجديّات العمل السّياسيّ و سيرهم في الأمر خبط عشواء ، بإرادة الأحرار يكون البناء صرحا في آفاق المدنيّة الرّحب . قدر الزّبد أن يذهب جفاء ، فمتى سيعرفون أنّهم الزّبد ؟ و لا ماكث في الأرض العربيّة إلّا الشّعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تقر قانونا يسمح لسجنائها بالقتال في صفوف قواتها الم


.. دول الاتحاد الأوروبي تتفق على استخدام أرباح أصول روسيا المجم




.. باريس سان جيرمان.. 3 أسباب أدت للفشل الأوروبي منها كيليان مب


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقاشات في إسرائيل بشأن بدائل إدارة مع




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: المهمة لم تكتمل في الشمال والصيف ربم