الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتقاطع السياسي مع الإجتماعي

حبيب صالح

2005 / 5 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كما ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وكما ليس بالشعر والشعارات يخوض شعب مسيرة حياته,وكما أن الشعر لغة الوجدان الذي تتسع مفرداته لكل صيغ البيان المفعمة بالصور الزاهية والألحان الدافقة,بما لا تفيض بكنوزه مفردات أخرى,وكما أن الشعارات تختزل رؤى وعقائد وتلخص مبادئ و مذاهب…فإن كل ذلك لم يغير في أغراض الشعر، ولم يسهم في تجسيد الشعارات!فالشعر الجاهلي الذي ضج وزهى بالفخار و الفروسية,لم يعصم العرب من ارتهان سيوفهم وقتل خيولهم!والشعر المعاصر الذي امتلأ بصور النضال ومآثر الشعوب ووشائج العروبة,حيث غنى بردى والنيل والفراتين,ومر بميسلون وأنشد بغداد والفيحاء مسترجعاً أغراض الشعر الغابرة ومآثره الحاضرة.. وهكذا لم تفلح "ثورات وثورات" في أن تجسد الشعر علاقة بشرية أو أن تصيغ منه دستوراً للحياة!كذلك كل الشعارات التي اختزلت أحلام أمتنا المفعمة بالآمال,المتجذرة في أعماق الكيان الممتدة إلى كل الآفاق لم تفلح في تطور حالة إسرائيل إلى الحالة التي يصمد فيها جدار التكامل العربي !وراحت كل النظم والقيادات والثروات تتهافت للدفاع عن آليات الإغتصاب والحالة الصهيونية التي يتكبل بها النضال العربي اليوم!
وبين هذه المسائل وتلك,ظل بناء الكادر البشري,بناء الإنسان بالذات,البناء الحضاري,البناء المعاصر,البناء القائم على الاعتراف بالآخر والإيمان به,وقبوله شريكاً..ظل هذا البناء الأمل المرتجى الذي خارت دونه العزائم وضلت عن سبيلها الخطط والمناهج! بناء الإنسان هو ألفباء الدخول إلى خضم الإشكالية البنيوية التي تسمرت أمام اقتحام أسوارها عزائم الرجال ,وأحجم عن ولوجها أصحاب الشعارات العصماء، وفرسان الكلام وقوالو الخطب الرنانة,وأصحاب اليافطات المصنوعة من قوس قزح !كيف نبني إنساناً يزاوج إشكالية السلفية مع المعاصرة ولا يتيه بين المنعطفات ؟كيف نبني إنساناً يقبل الآخر السياسي والآخر الديني,و الآخر الحضاري ولا تقطر من قلبه شهوة الاتتقام وغريزة امتصاص الدماء ؟! كيف نبني الإنسان في أعماق الإنسان، فلا يتحول إلى لص ينقض على المال العام وأحلام الوطن، وتتأجج نار الملك في ضميره، فتأخذ عليه عقله ولبه؟ كيف نبني الإنسان في داخل الإنسان فيواري سوأة أخيه,ولا يسفح رفيقة نضاله ؟كيف نبني الإنسان فنفرغ عقله وفكره مما امتلأ من مستنقعات الفكر و"أكاديميات" الشوارع ,والعلوم الصفراء؟!.كيف نبني الإنسان فنحرره من عقدة أوديب فلا يأتي أمه التي ولدته؟ومن عقدة الكترا,فلا تحلم عذراء بوالدها؟.كيف نبني الإيمان فنجنب المؤمنين الشطط والتكفبر وهم يفسرون آي الذكر الحكيم ؟كيف نبني الإنسان فيمتهن الحرفة,ويصير بناء للحجر وراعياً للشجر ومربياً للبشر؟!فنجعل منه مهندسا ًيهندس عقله قبل كتلة البناء,وراعياً صالحاً يسقي النشأ خالص القيم الأبوية قبل القيم التربوية؟!كيف نصنع الإنسان داخل الإنسان فيصبح القاضي ممثل العدالة الوطنية بين الناس ليحكم بالعدل، فيقطع يد السارق من دون سيف,ويساوي الناس بالحق من دون أن يمتشق سلاح القربى والعشيرة.دون أن تمتد يده إلى جيوب الآخرين ؟!لنتعلم أن المال ليس هو الثروة فحسب,بل أن الزمن والعمر ثروتان قوميتان أيضاً!.كيف نخطو الخطوة الأولى باتجاه كل ذلك؟!…الأولى…فحسب!!
أنا أردت أن أقول :هيا إلى العودة إلى قانون "من أين لك هذا"، من أين لك كل هذه المزارع والدواجن والزواحف الماخرة عباب البر والبحر والجو التي جمعت أثمانها من دماء الناس!! بينما يلقى القبض على فلاح طبقاً لقانون الطوارئ لأنه احتطب ليوقد ناراً بدل النفط الذي لا حول له ولا طول للتنعم به !المال العام ليس فقط ما يدخل وما يخرج من خزينة الدولة, بل يشمل العمولات والرشاوى والماشية والبساتين و الأراضي الوقف والأموال المنقولة ,واستغلال العمالة العامة للغايات الخاصة,فلنحاسب عليها جميعاً!
أنا أقول،لماذا نرسل أبناءنا إلى الخدمة العامة لنراهم بعد ذلك يخدمون في بيوت الخليلات ومزارع قصب السكر وغابات الكيوي والأفوكادو وإشادة وتزويق الحصون على تلال الوطن،وتلك التي تطل على شطآن فينيقيا وأكواخ مخيمات التهجير!
وأنا أقول كيف يمكن لقاضي،يشهد جميع من امتثلوا أمامه أن يده تتسلل كالحقنة تنغرز لإمتصاص الثروات،وفجأة تراه قد كوفأ بتعدد الإختصاصات وأصبح قاضياًفي جميع المحاكم!
نقول،هل عيننا ساهرة على كل سفاراتنا في الحارج التي أصبحت بورصات تعمل في المرافئ الجوية والبحرية!أقول ونقول،هل سمعنا وقشعنا بتجارة الرقيق الأبيض،أكثر التجارات إزدهاراًفي عالم اليوم!أقول ونقول،هل نترك أزمة التكفير على عنانها ونتغاضى عن أزمة صامتة يمارسها دعاة العزل والانعزال فيتقيأون الفتاوى الفتنة,ووصفات التيه والانكفاء مما يختلط فيه الدعوة ألى الصحوة والارتقاء إلى الوحدة, بما يدعو إلى الفرز والمواجهة!فيتبارى الناس فيما يظهر مذاهبهم من طقوس ولباس وسلوك؟ كيف نقيم مجامع للحوار بين الأديان والمذاهب,فنرتقي بها ونراقبها فتعطينا الطابع الوطني والطابع التوحيدي الذي ينأى بنا عن النفاق من جهة, ويضمن لنا سلامة النتائج!فلنجمع أصحاب الرأي والاجتهاد,والاختصاص بين علماني ومتدين,بين طبيب وشيخ وكاهن,بين فيلسوف وأديب ومتصوف,بين سيدة وآنسة من كل الأجيال مع رجال وشباب من كل الأعمار…وليحاور الجميع ضد الفرز والإقصاء والتكفير,حوار الكلمة الواحدة,وحوار المنطق الواحد,وحوار الوطن الواحد !حواراً مشرعاً لا تحكمه عقد الخوف أو الرفض!.
بصراحة: لنعتمد مفاهيم جديدة في صنع ملفات الناس والعاملين في الدولة:لنكتب في خلاصة سجلهم العدلي صفاتهم الأخلاقية إلى جانب صفاتهم الجرمية,ولنكتب في حقل الأحكام:لص حالي,أو سابق,أو نكتب انتهازي رخيص,أو انتهازي تائب, ونكتب طائفي قذر، أو طائفي مستقيل,أو قومي موحد أو عشائري سابق أووطني مثقف.أ,نكتب مواطن شريف؟!أومنتج أو مصلح أو منضبط أو عقائدي…ثم نضع الأحكام العدلية!…لنعتمد ثورة في القوانين تعيد صياغة وتعديل كل القوانين التي لم تعد قادرة على الإحاطة بمفاعيل الحياة البشرية وسلوكياتها وردود أفعالها،ولندخل في قوانينناصيغاً جديدة للمحاسبة لم يكن القانون يطالها من قبل،كالعنجهية والغرور والتنطح والتصابي والإدعاء والتشوف والنفاقة والكذب اليومي،فنعتبرها جميعاًجرائم مباشرة ضد المجتمع! لنعتمد ثورة في المفاهيم فنعيد إنتاج ثقافة الديمقراطية، فنعزز جذورها المطلبية في النفوس والمناهج المدرسية وفي علاقة الحاكم بالمحكوم، وعلاقة الرئيس بالمرؤوس، لنعتمد صيغاًفي مواجهة البيروقراطية فلا نتيح لموظف أن يبتز مواطناً تحت شعار تطبيق القانون، حتى يقوم الضحية"بالواجب"!..لنعتمد ثقافة تسقط كل الحالات العرفية،سارية المفعول منذ بداية الستينات،فلا يصفع عسكري مدنياً، فيلقى القبض على المدني، ولانزجر الصغير لحساب الكبير، ولا نبقي لذي السلطة سلطة على الآخرين يمليها مزاجه أو رتبته أو انتماؤه الحزبي أو طراز سيارته أو حجم ثروته، ولا نجامل جاهلاً لانتفاخ بطنه أو كبر سنه، ولا نسمح للمتنطحين والأدعياء أن يمارسوا الوصاية! لنبدع قانوناًيعدل النفوس قبل النصوص، ونجري لكل العاملين في الدولة وخصوصاً المتعاملين مع الهيئات والإدارات، لنجر لهم دورات في مبادئ العلاقات العامة ونعتبرها شرطاً من شروط الكراسي الصغيرة، والكراسي المرصعة. وليتعلمها الوزراء والمدراء والقضاة قبل جميع المستويات والمواقع، وما أحوجنا إليها، وما أحوج الناس إلى ذلك!!لنطور ثقافة الذوق العام والملك العام فلا يعتبر أحد إمرأة تسير في الطريق تثيره فيطلق العبارات البلهاء،أو يقذف أحدهم ببقاياه في الشوارع،أو يعتبر أن الأملاك العامة تملكها جهة غائبة فيعتدي عليها!.
بكل صراحة،فلنقطع بالحوار المشرع والمفتوح بدون إخراج أو سيناريو مكتوب، وحوار القلوب، حوار المختلفين،حوار متعددي الثقافة،متعددي المذاهب،ولنطرح كل الإرهاصات وكل المواضيع التحتية،كل المواضيع التي يختلف فيها الناس فتبقى في مكنوناتهم فيتهامسون في مجالسهم الطائفية أو المهنية أو العشائرية أو غيرها…لنطرح كل ما هو مختلف فيه وكل ما تعدد فيه الإجتهاد…فنقطع على تجار الأديان وتجار الشعارات،وتجار البضائع الفاسدة،والمواقف الرمادية والحكايا الصفراء…فلنسقط حزم الضوء والأشعة ونعرض كل شيئ لنور العقل…وسلطة القانون التي لاتستطيع العمل إلابالقرائن الحسية، وتقف عاجزة عند بواطن الأمور،ومكنونات الصدور، فنخرج ذلك ونعيد إنتاجه ثقافة وطنية قومية، ثقافة للعصر، وثقافة للحياة، بعد أن كانت ثقافة للإرتهان والتفخيخ، ثقافة لبيع المبادئ والمساومة على بيع القيم،ثقافة للتزوير والتضليل، الثقافة التي استهلكت منا أجيالاً أو أحزاباً وثورات وحروباً وشهداء أريقت فيها كل مخصصات التنمية وكل الدماء التي ضختها الثورات والأديان في عروق أجيالنا، ووزعتها الجامعات والأحزاب،وأسفرت عنها الحروب والمواجهات…وعجز كل ذلك في أن يتحول إلى نتاج نعيد فيه خلق الإنسان الكامن فينا غاية كل شيئ والوسيلة في صنع كل شيئ!لتلغى إلى الأبد التعدديات إلا ما بني منها على أسس وطنية وعلمية وإنسانية!!
ونكرس قيم الإنتاج والانتماء والمسؤولية والحرية,ولنعترف بالآخر! ونتبادل معه الحب ولا نضيع بين ما يجب تغييره دوماً,وما يجب الحفاظ عليه ابداً!
ذلك هو الثابت و المتحول وهو السياسي والإجتماعي في حياة شعب ومستقبل جيل!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح