الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد النظام وتجلياته في معالجة القضية السورية

عفيف رحمة
باحث

2013 / 8 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بعد ما يقارب 900 يوم من العنف المتبادل الممنهج على القتل والتدمير، وأمام إستعصاء جميع المحاولات الأمنية والعسكرية للخروج من أزمتنا الوطنية، بات من واجبنا إجراء مراجعة لتشخيصنا المدرسي للحالة السورية التي تجاوزت بعنفها وشراستها ودمويتها كل ما عرضه التاريخ من حروب وثورات وإنتفاضات شعبية، أو ممارسات قمعية واستبدادية لنظم سياسية لفظتها الحداثة والحضارة.
هذه المراجعة تستلزم التراجع خطوة نحو الوراء ليتسع قوص مشاهدة الأحداث اليومية، كضرورة مادية لفهم أوسع للبنية الفكرية والسياسية للقوى الداخلية والأطراف الخارجية الفاعلة في الأزمة.
لقد أظهرت مسارات الأحداث المتتالية عجز السلطة عن حماية الوطن والدولة والمجتمع والإنسان، سلطة لم يكن متوقعاً منها أن تتخلى يوماً عن وظيفتها ومهامها الوطنية والدستورية بذرائع التكتيك والستراتيجية، فالمتتبع لتطور العنف وانتشاره وتنقل رقعته العسكرية بشكل متناوب من محافظة إلى أخرى وغياب السلطة عن مساحات جغرافية شاسعة من سوريا يكشف لنا وببساطة شديدة الخلل البنيوي للسلطة وعجزها الفكري والمعرفي الذي هيمن على أدائها السياسي منذ بدء الأحداث حتى الآن.
خلل تجلى في المفردات والمقولات الإعلامية والسياسية التي استخدمت وترددت ولا تزال تردد على مسامعنا، مفردات ومقولات أظهرت عدم فهم رموز السلطة ونخبها لموضوعية الأحداث الجارية وارتباط هذه الأحداث بنظام الإستبداد الذي أسست له الدول الإستعمارية منذ الإنقلاب العسكري الأول مع بدايات الإستقلال.
لم تثبت سلطة هذا النظام فشلها في إدارة الدولة ومعالجة أزمتها الوطنية فحسب بل وأظهرت عدم قدرتها على حماية الأمن الوطني الإجتماعي الإقتصادي الغذائي والسكاني، حيث الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة...، فقد السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية وخضوعها لإنحرافات التسلح والعنف والقتل والذبح وللتهجير والخطف والتشريد...، والحضور المتنقل للحركات الأصولية والجهادية الغازية مع كل ما ترتكبه من مجازر بحق المدنيين الآمنين...
ظواهر لا تقل خطورة في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الدولة، حيث يعيش السكان في مناخ دائم من العنف والزعر والفقر والبطالة وكل ما يرافقه من نقص في أساسيات الحياة وشح في المواد الغذائية وإنهيار للقوة الشرائية واستنزاف للمدخرات الأسرية... وفقد لكل مقومات التعليم....

تتشكل قاعدة حكم سلطة نظام 1973 من نحو 400 ألف عسكري (الجيش العربي السوري)، والحجم المتضخم من القوى الأمنية بإختصاصاتها المختلفة إضافة للكتلة الضخمة من حزبيي السلطة وشرازم الأحزاب الحليفة، ومن المتطوعين في "الجيش الوطني" الذي تشكل بعد بدء الأحداث من قوى غير نظامية تجاوز تعدادها 50 ألفاً، قاعدة حكم تجاوز عنصرها البشري ال 6 مليون مواطن، أظهرت الأحداث أنهم لم يسخروا لبناء الوطن وحمايته بل للدفاع عن النظام ورموزه.
يمكن إستقراء طاقة قاعدة الحكم هذه من الترتيب العالمي لحجم القوة العسكرية النظامية (الجيش العربي السوري) حيث تشكل ما نسبته 1.87% من عدد السكان و 3.15% من حجم القوة البشرية المؤهلة للعمل و 7.4% من حجم القوة العاملة، ليأتي ترتيبها ضمن 214 دولة وماكرو دولة، الثامنة وفق معيار عدد السكان، والرابعة وفق معيار القوة البشرية، والثالثة مباشرة بعد العراق وكوريا الشعبية وفق معيار حجم القوة العاملة.
أما تكلفه قاعدة الحكم، وما تستنزفه من خزينة الدولة ومن الثروة القومية، فيمكن قراءته من مجمل ما ينفق على القوة العسكرية النظامية (الجيش العربي السوري) حيث بلغت ميزانية القوات المسلحة نحو 98 مليار ليرة سورية سنوياً حسب النفقات التقديرية الواردة في الموازنة الموحدة لعام 2010 (109 مليار حسب معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام)، ميزانية تشكل نحو تريليون ليرة سورية من النفقات على الجيش النظامي و 1،5 ترليون ليرة سورية على كامل قاعدة الحكم (جيش+أمن+حزب+جبهة وطنية تقدمية) منذ عام 2000 حتى يومنا، هذا الإنفاق على الجيش النظامي يعادل 3.95% من إجمالي الناتج المحلي متخطياً بذلك معدل الإنفاق في كل من روسيا وكوريا الجنوبية ومصر وباكستان.
في مواجهة هذا الخلل، بين الإمكانيات البشرية والمادية المسخرة لحماية الدولة والنظام من ناحية والحالة المأساوية التي وصل إليها الشعب السوري من ناحية أخرى، سعى الإعلام السياسي والحزبي للسلطة للهيمنة على الوعي الشعبي بتقديم تفاسيره التضليلية معتمداً على الإستثمار الرخيص للاحداث أو المبالغة في المعطيات،
منذ بدء الازمة تسلح النظام بوهم عداء العالم لسوريا المقاومة ورفع شعار مجابهة الحرب الكونية، ليتبعها بث أخبار عن قدوم عشرات الألوف من المجاهدين تباعاً من أكثر من 90 دولة، حتى وصل بالبعض أن قدر حجم هذه الجموع المسلحة غير السورية بمئات الألوف والبعض الآخر بالملايين، بينما تقاطعت مختلف مراكز الدراسات والبحوث العسكرية على أن عدد الجهاديين القادمين إلى سوريا تراوح بين 7 ألاف إلى 15 ألف مقاتل، حيث حصة الأوروبيين لم تتجاوز حسب أحسن التقديرات ستمائة متطوع، أما التقديرات الصحفية (الأكثر تهاوناً) لعدد الجهاديين القادمين إلى سوريا فلم تتجاوز 50 ألف مقاتل إضافة ل60 إلى 120 ألف عنصر في الجيش الحر.

وجود مجموعات مسلحة جهادية أصولية سلفية... حقيقية واقعة أصبحت من البديهيات لا مبرر للجدل فيها، لكن في المبالغة "غاية في نفس يعقوب" حيث إستفاد منها النظام كما المجموعات المسلحة غير السورية، أما النظام فأراد منها تبرير فساد مؤسساته وتقاعسه في حماية الشعب والأراضي السورية، في حين أرادت الحركات الجهادية تعظيم قوتها ودور حضورها العسكري، لعبة تكاملية بين الطرفين ساعدت النظام كما الحركات الجهادية في بث الرعب الرخيص في نفوس المواطنين العزل والدفع بهم للهرب أو الهجرة والنزوح خارج سوريا بدلاً من أن تعمل السلطة على رفع معنوياتهم للمقاومة والتشبث بالأراض والمسكن، دور كان يفترض أخلاقياً أن يلعبه حزبييو السلطة قبل غيرهم لأنهم من احتكر العمل السياسي والدعائي خلال أربعة عقود، ولأنهم يشكلون جزء من مؤسسات الدولة ولانهم الأكثر انتشاراً من الناحية التنظيمية، لكن كل يغني على ليلاه وقاعدة الحكم بمكوناتها تغني الدفاع عن نخب السلطة ورموزها ولا هدف غير ذلك!
لقد تغلغل فساد السلطة والنظام في بنية الدولة وانعكس على أداء قاعدة الحكم (الأمن، الجيش، الحزب، الجبهة)، حيث ترجم هذا الفساد بالأزمات الإقتصادية والإجتماعية والمدنية وبحجم الخسائر البشرية وبالإستعصاء الأمني والسياسي وعدم القدرة على تحقيق الحسم العسكري الذي وعد به الإعلام الرسمي.
لقد أظهرت الأحداث أن تشدد متشددو النظام ليس إلا تعبيراً عن عجزهم الثقافي والمعرفي، وكرد فعل على هذا العجز سعوا دون هوادة لإلغاء القوى الوطنية ودورها من المشهد السياسي وعملوا على تسخيف قيمة الحوار الوطني وشككوا بأهميته وكأنهم يدفعون الجميع عمداً نحو حمل السلاح، خيار سياسي يفسر تأييدهم المستميت للحل العسكري الذي استمر لأكثر من عام بعقلية الحذاء العسكري الذي نصبوه مؤخراً رمزاً لمنهجهم المقاوم للتغيير.

في بدء الأحداث وفي كل مناسبة سياسية أو دبلوماسية تغنت السلطة بممانعتها وضع القضية الوطنية في بازار الكبار، وتباكت من محاولات الدوائر الإستعمارية الدفع بالقضية السورية نحو التدويل، وبدل إنفتاحها نحو التيارات الوطنية والقوى الشعبية، المنظمة وغير المنظمة، زادت من محاصرتها وعدائها لهذه القوى الطامحة بالتغيير السلمي والديمقراطي، ظناً منها بأنها ستتمكن من فرض إرادتها الإستبدادبة بالطرق والوسائل العنفية التي اعتادت عليها خلال عقود أربعة، في حين كان بمقدورها أن تحمي الداخل الوطني بالتخلي عن نرجسيتها المفضوحة والممجوجة وإقرارها بفساد أجهزتها وبعجزها البنيوي وعدم قدرتها منفردة إخراج البلاد من الأزمة الوطنية دون قواه الشعبية والوطنية.
لقد سقط قناع شرعيتها المكتسبة بفعل التقادم وفعل الأمر الواقع، فبعد كل هذا القتل والتشريد والتدمير، وبعد كل إدعاءاتها مقاومة وممانعة تدويل الأزمة السورية، ها هي تسترخي اليوم على وسادة التوافق الدولي بكامل إرادتها، سعياً لإيجاد حل بواسطة الكبار الذين يديرون العالم، بمعايير التوافق على توزيع ثروات العالم بين اقوياء العالم.
إن تجاهل السلطة المتعمد للقوى الديمقراطية والشعبية في سوريا، الراغبة بالتغيير السلمي والديمقراطي، وسعي السلطة المستمر والحثيث للتعامل مع هذه القوى كقوى منسية، يزيد من غلواء الجماعات الجهادية الغازية وتمترس مناصري النظام بآن معاً، ويعمق غربة المواطن السوري عن وطنه، ويزيد من نزوة المجموعات المسلحة الداخلية والخارجية ومن رغبتهم إسقاط النظام بالوسائل والأدوات العسكرية، كيف لا والساحة الوطنية ممنوع عنها فعل القوى الوطنية الداعية للتغيير السلمي.

أمام هذه المحصلة الماساوية التي لا تشرف أي سوري، وأمام الدماء البريئة التي تراق يومياً دون اي مبالاة من السلطة بحجة مكافحة الإرهاب، أصبح الإقرار بالعجز ضرورة وهي خطوة لازمة لكنها غير كافية لمعالجة القضية السورية التي تستلزم الوفاء بالتزامات التحولات الدستورية التي حاولت سلطة النظام التهرب منها مدة السنوات الثلاث الماضية بممارسات تسويقية وتسويفية فقدت نتيجة التكرار المبتذل فعلها التخديري.
لقد آن الأوان لتنازل السلطة عن تعنتها وغلوائها، وآن الأوان لجلوسها في دمشق لا في جنيف مع جميع القوى الوطنية دون إستثناء حول طاولة مستديرة لإنجاز حوار مسؤول وجاد من أجل مستقبل سوريا، تناقش فيه الإستحقاقات الوطنية والدستورية من أجل التغيير السلمي والديمقراطي بثقل القوى الوطنية الناشطة في سوريا بدلاً من المفاوضات في الخارج بثقل القوى الدولية.
خطوة مسؤولة وجادة للوصول إلى مشروع وطني يحقق المصلحة الوطنية الكبرى لجميع أبناء سوريا، ويعيد الثقة والأمل بمستقبل وطني جامع مؤسس على الحرية والكرامة والإستقلال الوطني بعيداً عن الأقوياء ومصالح الأقوياء في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. - الغاء القوانين المقيدة للحريات ... آولوية -


.. أليكسي فاسيلييف يشرح علاقة الاتحاد السوفييتي مع الدول العربي




.. تضامناً مع غزة.. اشتباكات بين الشرطة الألمانية وطلاب متظاهري


.. طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ




.. Peace Treaties - To Your Left: Palestine | معاهدات السلام -