الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألحرية ألفكرية -أم الحريات-

صليبا جبرا طويل

2013 / 8 / 15
حقوق الانسان


الثورات العربية قامت بهدف التغير، وإحداث نقلة نوعية في كافة
مناحي الحياة، ولرفع المظالم والمعاناة التي يعيشها الإنسان
العربي . مستحيلا هو التغير في ظل حجر العقول وسجنها،
وفرض الإقامة الجبرية عليها وقولبتها. الرافعة الأساسية لأي
تغير يتطلع لنهضة الشعوب وتقدمها لن يأتي إلا بإطلاق
الحرية الفكرية " أم الحريات".


بداية، العنوان ليس للاستهلاك. لأنه يحتاج إلى عقول متفتحة كي تهضمه. لسنا بحاجة لمن يردد ويكرر أن الفكر الإنساني محدود. فلو كان محدودا لما تقدم العلم وظهرت الاختراعات ونبغ العلماء في ميادين شتى.وما تقدمت البشرية منذ تكوين الحياة وبدايتها على الأرض عبر العصور التاريخية والجغرافية المخلفة. فكل منا حر في مقاصده وأفكاره فمن بني أسوارا حول فكره كمن دفن فكره في حفرة الجهل والجمود. الجمود سمة المشلول فكريا، والحركة سمة من يرغب في التغير والتقدم. لكل زمان عقول ورجال. كل ثانية تمر تصبح تاريخا من الماضي. عقارب الساعة لن تدور إلا إلى الأمام. ليس هناك مكان في رحلة العقل نحو مستقبل واعد متطور لمتردد، لجبان، لجاهل، أو لمتشكك في قدرات الإنسان العقلية وطاقته الفكرية.

الحرية الفكرية ثورة على التقليد ودعوة للتجديد . هي المهد الذي ينطلق منه الإبداع، والخيال الفكري عند الإنسان. والمحور الرئيس الذي تدور من حوله جميع العمليات الفكرية النابعة من كل مذهب ، وفلسفة ، وعقيدة. فالفكر ظاهرة يتمتع بها الإنسان دون غيره من الحيوان. البعض عمدا يظن أو يفسر أن معنى الحرية الفكرية هي أن نجمح بأفكارنا ونخرج عن مجتمعاتنا. مغالطة مقصودة هدفها قتل العقل ووأده . تقبل الحرية الفكرية يعني أن نطلق العنان لأفكارنا، لا لندعها تجمح.أن نضعها في مسارها الصحيح، لا أن نسيرها بما يلبي رغبات وتطلعات المشككين فيها بقصد التحكم، والسيطرة على عقل الإنسان وفكره والاستحواذ عليه وتوجيهه.

نهضة الشعوب وتطورها لن يتحققا ما لم تطلق الحريات وفي مقدمتها الحرية الفكرية التي تمثل العنوان الرئيس لمجمل الحريات الاخري لأنها تنبع من إرادة الإنسان ورؤيته للحقائق التي تدور في مجتمعه. من العناصر الرئيسية في تراجع مجتمعاتنا العربية هو مصادرة هذه الحريات وقمعها .
المواطنين العرب بحاجة للتحرير من القيود المفروضة عليهم التي تكبحهم، وتمنعهم،وتعيقهم من الإبداع ،والتغير ،والتطور . كعرب وبكل صراحة نعيش في دوامة أزمة ، ونقائض، وفوض فكرية وفلسفية عارمة وصعبة تحتاج لحلول منطقية. هناك من يريد الاستبداد بالعقول وحريتها. ومن يريد إطلاقها بلا حدود. ومن يريد أن يقيدها ويحجمها على مقاس أعده لها كي تكون شكلية لا قيمة لها.، كل طرف يحاول جاهدا إبراز ملاح مشروعه في هذا السباق ليتوافق مع مشروعه السياسي وفكره ، وعقيدته . بالتالي لن نتوصل لحلول لأننا نفرض أرائنا ونرى فيها الكمال والقداسة ونضيع الزمن، والأيام والسنيين، بدل جسر الهوة بين المدارس الفكرية والفلسفية المختلفة ونسير بوتيرة سريعة كي نلحق بالركب الحضاري أسوة بشعوب الأرض. كي نبي لأجيالنا مستقبل واعد رائع.

أم الحريات تمثل احد أمرين إما كابوسا وإما أحلاما سعيدة. إما انغلاق وإما انفتاحا. إما تخلفا وإما تطورا. بالتالي تشكل رعبا يخيف اى سلطة أو نظام أو مؤسسة دينية أو فكرية. في الحرية الفكرية يكون العقل منفتحا حرا ومستقلا يعمل على تفسير وتحليل الواقع المعلوم من اجل الوصول إلى المجهول ويستنبط الحلول ويطرحها بما يلاءم طبيعة العصر . قد تؤدي هذه العمليات الفكرية إلى تحدى النظام والسلطة والمجتمع القائم ، ويزعزع استقراره... النتيجة لجوء السلطات إلى القمع والاغتيال والتصفية الجسدية. الحرية الفكرية مجالاتها واسعة وتعبيراتها متعددة تظهر في الفن مثل الرسم المسرح والموسيقى السينما. والإعلام من صحافة وجرائد ومجلات وفضائيات ووسائل مسموعة. وكتب الأدب، الرواية القصة الشعر.... ولا ننسى ضرورة و دور علم النفس والفلسفة في تعبيرات وتفسيرات الفكر الإنساني وسلوكه وعلاقتها بالحرية الفكرية.

الحرية الفكرية محظور عليها الدخول في الغيبيات والعادات والتقاليد ، فهي تعد مناطق محرمة يمنع إبداء الرأي فيها أو تفسيرها أو انتقادها أو تصويبها . مجتمعة ترتبط بعضها ببعض بروابط تاريخية جذورها تمتد إلى الماضي البعيد وتتنوع بخواص وتعدد الأجناس والشعوب التي شكلت وطنا . لهذا لا يمكن القول عن أوطاننا أنها أوطان متجانسة. بالتالي ما زالت الحرية الفكرية طرقها صعبة مليئة بالعثرات والمصائد ومحفوفة بالمخاطر. وان كانت في ظن البعض هي شر فلنعترف أنها شر لا بد منه وهي اقل ضرار من كبت وإسكات العقل الذي هو المحور الرئيس في نمو المجتمعات وتطورها، فلا يعقل أن نعيش الحاضر بعقلية الماضي. فلا بد أن نفسر الماضي ونترجمه بلغة العصر كي يبقى ويستمر ويعيش. جوهره يمتلك القدرة على ملائمة العصر والتطور... وذاتنا على نقيض من ذلك. فان لم نستطيع إحداث التغير نكون قد حكمنا على ماضينا بالموت والزوال...فليس هناك امة ترغب في الانتحار والاضمحلال والاندثار. فمن يرغب في خوض غمارها عليه توخي الحذر، وعدم تأجيج صراعات ، أو خلق فتن.عليه أن يكون موضوعيا. فهو كمن يسير على نصل السيف أن زحلقة رجله تأذى.

تعدد الأفكار والاتجاهات يقودنا إلى التنافر في حالة انعدام التحليل العلمي الموضوعي وتداخل العواطف. المطلوب هنا أن لا نتصلب لرأي خاطئ أو نتحيز لفكر عقيم . علينا أن نستمع لصوت المنطق والحق. كي نستأصل وبحذر شديد الأفكار الهدامة المانعة للحرية الفكرية وصوت العقل. ليس بالعنف بل بالحوار البناء.

الحوار والتوافق هما سيدا كل نقيض.وما لم نسير بدربهما سنظل نعيش في زمن غير زمننا وحاضر غير حاضرنا لا يتلاءم وروح العصر الذي نعيشه. ضرورة إخراج العقل من وحدته وعزلته ومن الأسوار الحديدية المفروضة عليه. إنها حتمية تاريخية . لنكن منفتحين لكل ما يدعى أخر ويشاركنا الكوكب لان الفكر المنغلق المتحجر خطر على حامله وعلى الآخرين وعلى مستقبل البشرية.

تقبلنا لمفهوم الحرية الفكرية يعنى أن نتقبل النقد البناء. وان نزيل برقع عزلتنا ونظهر عوراتنا ونقائصنا الفكرية . فالفكر الواعي المتطور يدعو دوما ودونما اى تردد إلى زوال التقليد المتهرئ. ومن الضروري أيضا نفض الغبار عن الأفكار الايجابية المدفونة في بطن التاريخ كي نتوصل وبكل صدق وأمانة وبعد مقارنات صادقة حرة بلا ضوابط أو شروط إلى بلورة فكر واضح وسليم يجعل من الحاضر أغنية يشدوا بها أطفال المستقبل ليلحقوا بالركب الحضاري ويبنوا عالما أفضل.

وعينا وإدراكنا يجب إن يقودانا إلى عدم قمع الأفكار الجريئة السليمة وإجهاضها. لان ذلك جريمة بحق الإنسانية. استشهد بما قاله كونفوشيوس الفيلسوف الصيني(551 ق.م – 479 ق.م) : " قبل البحث عن المعرفة تعلم كيف تفكر ". واردد ما قاله بوذا(563 ق.م – 483 ق.م) لأتباعه: " تحلوا بحرية الفكر".


خلاصة القول إن المطلب الاجتماعي في زمننا الحاضر الأكثر إلحاحا هو الإسراع في أطلاق الفكر الحر – أم الحريات - من عقاله . عن طريق التربية الصحيحة السليمة، والشجاعة والنية الصادقة كي نتمكن من أزالت الشوائب التي تغلف بصيرتنا وتعمينا عن رؤية الحقائق والواقع لان معظم ما يملى علينا يحتاج إلى تنقيح وتهذيب وتمحيص. كذلك علينا أن لا ننخدع ونقيس الحقيقة بمقياس الكذب، والخداع، والرياء. وان لا نقيس الواقع بمقاييس الجهل والتبعية العمياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية