الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في بناء عش

فاتن واصل

2013 / 8 / 15
الادب والفن


منذ عشرة أيام جاءت تزور موقعها الأثير الآمن الذى تملكه منذ عدة سنوات وتأتي اليه مرات معدودة طوال العام، حيث تعودت ان تتفقده لتقف على حاله فربما يحتاج لبعض الإصلاحات أو الترميم قبل أن تضع فيه أغلى ما لديها.. ترتدي معطفها البني المطعم بريشات رمادية كالمعتاد ، تفاجأت بوجود طعام معد مسبقا فتذوقته بفرح وظهر الارتياح على وجهها وشعرت بأمان اكثر فالمكان لم يكن مجهزا بالطعام من قبل ولكن اليوم بات كاملا متكاملا ، أى أنه أصبح يتوفر فيه المأوى والمأكل .
كانت تذهب وتجيئ عدة مرات أثناء اليوم تضع أحمالها وتقف بجوارها برهة ثم تقوم بإعادة وضعها ورصها بإتقان وبعد تفكير كأمهر مهندس، والتأكد انها فى المكان الصحيح ، وتلتقط بعضا من الطعام ثم تذهب مرة أخرى.. كنت أراقبها من بعيد دون إزعاج ، ودون أن تدرك هى أنى أراها فربما لو احست بمراقبتي لها فلن تضع أيا من أشيائها الثمينة هنا، كنت أرصد زياراتها عدة مرات أثناء اليوم ثم مرة أو مرتين قرب الغروب وتختفي ليلا ولا تأتي أبدا حتى فجر اليوم التالى.
فى ذاك اليوم كنت أطل من خلف زجاج الشرفة وتأكدت أن أشيائها التى وضعتها فى آخر زيارة لها لم تزد عن اليوم السابق، صار لها يومين لا تحضر وكأن المكان لم يعد يروق لها أو ان مذاق الطعام لم يعد بنفس اللذة السابقة ، أو كأنها فجأة استشعرت خطرا ما.
لا اعرف لماذا أحسست أن الجيران الجدد الذين سكنوا فى حينا الهادئ منذ ما يقرب من الستة أسابيع هم من تسببوا فى نفورها وعدم عودتها، فقد كانوا مزعجين للغاية وفى منتهى القذارة.
إلى أن جاء اليوم الذى رحلوا فيه بعد أن أحرقوا خيامهم التى بنوها أسفل العمارات واستخدموا المتفجرات بمنتهى الضراوة والغباء فلم يرهبوها هى فقط وإنما أثاروا الرعب فى قلوب صديقاتها اللاتي كن يسكن بالقرب منا يصوصن ويمرحن كل يوم ما بين طلوع الشمس والى قبل غروبها.
يمامتي الحبيبة ، تعالي .. إطمئني فقد رحلوا ، العش مرتب كما تركتيه تماما فى آخر زيارة فلم ينل منه الرصاص الذى أطلقوه عند رحيلهم ، والزرع فى حوض الزهور المجاور ينتظر لتأتي فتنقريه وتتغذين، ريشاتك البنية والرمادية التى سقطت من معطفك فى آخر زياراتك ، ترقد فى الحوض الذى بنيتي فيه جزء من عشك السعيد الدافئ لاستقبال بيضاتك الغالية، تعالي صغيرتي فلقد رحل الكائن المشوه الذى سكن الحي لفترة فأتى على الأخضر واليابس، وأعدك بأن الأمور ستعود لما كانت عليه من جمال وسحر وهدوء، وستزهر الورود فى الشجر ، تعالي فلم يعد هناك مكانا لضغينة أو مؤامرة أو غدر، فالحب كان كامنا لحين إنحسار الغمة، فتعالي ستجدين قلوبا مفعمة بالسلام ، وإقامتهم القصيرة لم تنل من الوئام والحب شيئا.
حين أطل على الحديقة فأشاهد آثارهم المدمرة ، بقايا شراشف لوثها التراب، بطاطين مهترئة ، حقائب بلاستيكية ، نعال وأحذية متسخة مقلوبة ومنها الكثير الممزق.. مواسير خضراء اللون كانوا يستخدمونها كعصي لضرب من يتعرض لهم أو يعارضهم، خوزات للرأس وقطع ملابس من كل نوع قذرة ومبعثرة فى كل إتجاه.
جف العشب الأخضر المخملي الذى كانت تملأ رائحته الشارع بعد أن يرويه حارس العقار بسبب طول الرقاد فوقه ودهسه بالأقدام الخشنة ، حزنت الشجيرات وتوقفت الرائحة العطرة التى كانت تحملها النسائم الليلية من أنفاس نبات مسك الليل، تلك الشجيرات الصغيرة التي كانت تواري عبقها الحريري مع قساوة ضوء الشمس ثم تتسلل بعد غروبها كعاشقة.. أوصدت نوافذها وحبست عطرها وعزفت عن بث عبيرها وكأنها تدرك أن إنبعاث العطر محرم عند كارهي الجمال والحياة .
حين أنصت للصمت والهدوء الذى عم المكان بعد رحيلهم وأتذكر اللغو وأحاديث الخرف التى كانت تصدع رؤوسنا طيلة الشهر ونصف الماضية شاملة شهر رمضان ، الشهر الذى كانت تتنافس فيه مساجد الحي وتتبارى فى جمال أصوات المؤذنين، وإذا بهؤلاء الأوباش لا يتوقفون عن بث صراخهم ونعيقهم فى الميكروفونات ويتنافسون على ارتفاع الصوت فيها لدرجة يصبح معها من المستحيل تفسير حتى ما يزعقون به. أحالوا حياتنا إلى جحيم فهرب اليمام والحمام والعصافير من الغابة التى تتوسط المنطقة السكنية والتى كانوا يستخدمونها كمرحاض كبير يتبولون ويتبرزون ويستحمون بها دون أي خجل ، حتى الغربان التى كانت تتجمع فى الصباح لتنافس جامعي القمامة وتخطف ما يتساقط منهم ، لم نعد نراها رغم إنتشار قمامتهم فى كل مكان. شيئ ما أحدثته هذه الجماعة ينفر حتى الطير، من الجائز ان يكون الكراهية التى تمتلئ بها قلوبهم أو إنعدام الرحمة والانسانية من عقولهم.
كيف أستعيد اليمامة مرة أخرى ؟ وهل يا ترى بعد ما سمعته من أصوات طلقات الرصاص وقنابل المولوتوف ستعود مرة اخرى لتكمل بناء عشها وتضع بيضها فى حوض الزهور المعلق فى مسند الشرفة ؟ لا أظن فالحروب دائما طاردة..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإخوان يطبقون سياسة الأرض المحروقة
ليندا كبرييل ( 2013 / 8 / 16 - 00:17 )
سبقني الكثيرون إلى وصف ما يقوم به الإخوان بأنها تطبيق للاستراتيجية العسكرية المعروفة في الحروب عندما يُحرَق أي شيء قد يستفيد منه العدو قبل الانسحاب
حتى الطيور هاجرت لأنها لم تعد تجد الغصن الأخضر تقف عليه
لم يتبقّ لكم إلا الذباب والحشرات القارصة التي تقف على القمامة المخلفة وراءهم
هذا ما جنيتموه منهم
من كان يتصور أنهم سيحتمون بالمدنيين؟
ويسندون ظهورهم بالأطفال والنساء؟
ويحتلون أرضا لكل الناس لتكون معسكرا لهم ينطلقون منه غازيين عقول البشر وراحتهم
حتى في غزوهم هذا ما دلّوا على ثقافة نستند إليها لنسكت عنهم قليلا، أبرزوا أقذر ما في جعبتهم عندما حوّلوا منطقة حضارية إلى مزبلة ومراحيض يتعايشون فيها مع الذباب والحشرات الأخرى
العشب وسينبت
الأشجار وستزهر
وأنتِ ستعودين لمراقبة السيدة الماهرة المثقفة بفرح
من يستطيع أن يخنق الحياة في أعماق القلب؟ قلب الإنسان وقلب الأرض
فالذي لم يحسبوا حسابه أن الثورة على التخلف لا يمكن أن تبقى خامدة في الصدور
يدنا بيدهم ما داموا يتطلعون معنا نحو الشمس ويدنا على يدهم سَوْقاً إلى بيت خالاتهم ليتربّوا ويتعلموا السير بتهذيب
هنيئاً للشعب المصري وعيه مع احترامي


2 - الاستاذة المحترمة ليندا كابرييل
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 16 - 10:43 )
كما تفضلتي ((ويسندون ظهورهم بالأطفال والنساء؟ )) وهذا ما يدهشني ويستدعي الى ذهني سلوكيات اليمامة التى تظل تدور حول المكان الذى ستضع فيه بيضها، وتدرس آلاف الاحتمالات وتراقب لعدة أيام قبل الوضع ثم تصنع العش بمنتهى الاتقان وتحضر المناسب من الأعشاب حتى تجعله مريحا دافئا فى حال غيابها، كل هذا وأرى بعد ذلك على شاشات التليفزيون نساء يخرجن من الاعتصام حاملين أطفالا رضعا ورجال يسحبون أطفالا فى عمر السادسة وحتى الرابعة عشر ، لدرجة ان الضابط قبـّل رأس أحد الأولاد ووجه اللوم لأبيه عديم المسئولية وقال : مستغني عنه ؟ فى ناس مش لاقية ظفره..! فى إشارة الى أن البعض لا يستطيع الانجاب أماهو فيضحي بولده ويرميه فى النار. هذه المظاهر القاسية والتى تخلو من الانسانية أضيف إليها اليوم حرق الكنائس والطابق الثالث بمبني كلية الهندسة ومحافظة الجيزة وهي مباني أثرية وإشعال النار فى محطات المياه والوقود.. اليست هذه مظاهر كراهية وحقد على الوطن ؟ ومن اجل من ؟ رجل معتوه ومنصب اغتصبوه بالتزوير والتهديد.. عموما لم يعد لهم مكان فى مصر وللاسف الأيام القادمة لا تنبئ بالخير. شكرا لمرورك أستاذة ليندا وإضافتك.


3 - اصلاح مصر بحاجة الى كثيرين من الحكماء من أمثالك
سيلوس العراقي ( 2013 / 8 / 16 - 13:38 )
الكاتبة المبدعة
السيدة فاتن
قصة معبرة جدا عن العبث الذي يفعله المعتوهون
سيكون اعمار ما خربوه عملا شاقا يتطلب جهود وتضحيات المصريين العقلاء
تُذكرني قصتك الرائعة بحكمة للاحبة اليهود التي يقول
uno sciocco può-;- rovinare quello che mille saggi non possono risolvere

ان مايخربه معتوه (أحمق) واحد
الف حكيم (عاقل) لا يمكنهم اصلاحه

اعادة اصلاح ما خربه الحمقى من اتباع اخوان الهمجية
سيحتاج الى جهود كل العقلاء لاصلاحه
ولا يمكن لأحد من العقلاء المصريين أن ينكفيء وينسحب أو يتخلى عن مسؤولياته
لتعود مصر الى صحتها
سيكون كذلك (مثلما نتمنى ونثق بملايين العقلاء) وبجهود أمثالك الحكماء المتنورين
تقبلي تقديري


4 - الاستاذ الكاتب المحترم سيلوس العراقي
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 16 - 14:12 )
أتفق معك مائة بالمائة ، وخاصة مع القول اليهودي الحاذق فاليوم تشهد مصر على أيديهم جنونا حقيقيا وصل بهم لأن يطلقوا النيران على الناس فى الشرفات ويجرون هنا وهناك ويغرقون الكبارى بالزيت حتى يتسببوا فى حوادث كارثية ويجرون فوق الكباري ثم يذهبون لأحد اهم ميادين القاهرة ويفترشون الأرض وينصبون خيامهم ثم يذهب بعضهم لحرق كنيسة هنا وقسم شرطة هناك .. جنون بمعنى الكلمة وكراهية، وأعتقد ان هذا الموقف يقربنا من نهايتهم فى مصر ومن ثم فى كل بلد تحتضنهم واكيد ستشتعل بينهم وبين المصريين وليس الشرطة والجيش فقط بل والشعب المصرى كله اشتباكات مجنونة يروح ضحيتها الآلاف، هذا الثمن الباهظ لابد ان يُدفـَع بالاضافة لعمل الحكماء، لأن فى ظني الحكمة وحدها لا تكفي لأن الجنون لابد ان يقابل بالجنون لردعه، ثم بعدها إيداعهم فى الأماكن التى تليق بهم ونتفرغ بعدها للبناء والاعمار.. شرفت بمرورك والتعليق والاضافة القيمة.

اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم