الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزمي بشارة وخريف البطريرك

نزار حسن

2005 / 5 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نشرت صحيفة "الخليج" الإماراتية مقالة مطولة للنائب الفلسطيني في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة، بعنوان "أمريكا وسوريا من بين أمور أخرى". وخلاصة المقال هي البرهنة على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لديها بالفعل سياسة محددة تجاه سوريا، وليس كما يزعم بعض الباحثين والكتّاب الأمريكيين، من أمثال فلنت ليفيريت وسيمور هيرش. وهذه السياسة، أو على الأقل سياسة إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، هي تطبيق شبه حرفي لآراء واجتهادات تيّار "المحافظين الجدد"، كما تمثّل في ورقتهم الشهيرة التي حملت اسم "بداية جديدة : استراتيجية جديدة لضمان أمن الدولة" الموقعة من قبل ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وودافيد وورمز، والتي قُدّمت إلى رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في أعقاب انتخابه لرئاسة الحكومة صيف 1997.
وقد لا يختلف المرء كثيراً مع هذا التصوّر، لا سيما وأنّ معظم سياسات البيت الأبيض الحالية لا تعتمد على أفكار المحافظين الجدد فقط، وإنما أيضاً ينفذها مباشرة رجال من المحافظين الجدد، بدءاً من نائب الرئيس ديك تشيني، مروراً بوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وليس انتهاء بوزير الدفاع دونالد رمسفيلد. ما ينبغي للمرء، خصوصاً إذا كان سورياً، أن يختلف فيه بشدة مع عزمي بشارة هو العنصر الرئيس الثاني في مقالته، أي ذاك الذي يقول إن الإنسحاب العسكري السوري من لبنان لم يضعف سوريا بل زادها قوّة! يقول بشارة: "تكون سوريا قد تخلصت بانسحابها من لبنان من نقطة ضعف وليس من نقطة قوة. وسوف يصبح لزاماً عليها الآن أن تتمم قرارها الحكيم بالبحث عن مصادر القوة الداخلية واعتمادها، هذا إضافة طبعا لعدم الانكفاء عن لبنان وعدم السماح بتحويل لبنان الى منصة انطلاق الى دمشق عبر الصراع مع المقاومة اللبنانية وما تمثله"...
ولكن ما معنى هذه العبارة الغامضة: "وسوف يصبح لزاماً عليها الآن أن تتمم قرارها الحكيم بالبحث عن مصادر القوة الداخلية واعتمادها"؟ أليس من حقّ القارىء أن يفهم من هذه الجملة أنّ على السلطة الحاكمة في سوريا واجب تقوية البلاد عن طريق الإنفتاح على الشعب، والقيام بإصلاحات داخلية ملموسة، سياسية واقتصادية واجتماعية ديمقراطية، وتحصين الجبهة الداخلية عن طريق تقوية الشعب وتحريره من مظاهر الإستبداد، وقطع دابر النهب والفساد؟ الجواب الطبيعي هو: نعم... هكذا ينبغي ان يكون القصد وراء العبارة الغامضة. لكنّ بشارة لا يكتب كلمة واحدة، ونقصد القول حرفياً: لا توجد كلمة واحدة، تفيد معنى انفتاح السلطة على الشعب. والواقع ان العكس هو الذي يلوح بعدئذ بين السطور!
وكان من الممكن منح بشارة فضيلة الشكّ، أو اعتبار هذا النقص (الفادح تماماً) مجرّد سهو أو هنة في التحليل، لولا أنّ للدكتور أكثر من سابقة صريحة ليس في التزام الصمت المطبق تجاه مباذل النظام الإستبدادي فقط، بل في الدفاع عن النظام وعن حافظ الأسد وبشار الأسد بالذات. أكثر من هذا، للدكتور سابقة واحدة على الأقلّ، تتضمن السخرية من المطالب الديمقراطية التي ترفعها قوى المعارضة السورية، وتسخيفها والتعريض بها! وبمرارة شديدة يذكر الكثيرون، ليس من السوريين فقط بل أبناء فلسطين أيضاً، تلك الحلقة من برنامج "حور العمر" على قناة LBC اللبنانية قبل سنوات قليلة، حين انخرط بشارة في وصلة سخرية من مثقفي سوريا المعارضين الذين لا يعرفون معنى الديمقراطية، ولا يقدّرون طبيعة النظام الذي يعيشون في كنفه، ولا يفقهون شيئاً من معاني المجتمع المدني (الذي وضع فيه الدكتور كتاباً ضخماً، يمزج النزوعات القوموية القروسطية بأسوأ ما انتج إرنست غلنر من علم اجتماع استشراقي...)، ولهذا تراهم يتخيّلون "ربيع دمشق" ويطلقون المنتديات ويصدرون بياناتهم "الطفولية"!...
وكان مفزعاً أن يصدر هذا الكلام المقذع من بروفيسور ومثقف و"مناضل" يزعم اعتناق الديمقراطية قولاً وممارسة، ولكن كان محزناً بصفة خاصة أن يصدر هذا الإنضواء في صفوف الإستبداد العربي من فلسطيني عاش مأساة النكبة وانتهاك الحقوق المدنية، والذي يحدث أنه عضو منتخب في الكنيست الإسرائيلي... بفضل الديمقراطية الإسرائيلية!
لقد تعامى من قبل عن "ربيع دمشق"، فهل يتعامى اليوم عن خريف البطريرك السوري؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر