الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تقصف طائرات -درونز- الأميركية مواقع -القاعدة- في اليمن وباكستان وأفغانستان ، ولا تقصف مواقع -القاعدة- في سوريا ؟

ميشيل حنا الحاج

2013 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - السؤال الثاني والثلاثون :
لماذا تقصف طائرات "درونز" الأميركية مواقع "القاعدة" في اليمن وباكستان وأفغانستان ، ولا تقصف مواقع "القاعدة" في سوريا ؟

طائرة "درون" هي الطائرة الأميركية بدون طيار. وتسمى " درون " نسبة لكونها طائرة ذكية تصيب أهدافها بدقة ، رغم كونها بدون طيار. ويختلط اسمها أحيانا مع تسمية " أندرويد " وهو الاسم الذي يطلق على الهواتف الذكية. فالاسم الحقيقي لها هو "درون" ، وليس " أندرويد " كما يختلط الأمر على البعض.

وبات إسم هذه الطائرة الشهيرة يتردد كثيرا في المدة الأخيرة بسبب تردد أخبار الغارات المتكررة التي نفذتها ضد قواعد "للقاعدة" في اليمن. وإذا كانت هذه الطائرة قد نفذت في المدة الأخيرة غارات متكررة على اليمن، فهي قد عملت في السابق، وما زالت تعمل بين الفينة والأخرى، في مناطق أخرى كباكستان وأفغانستان.

فطائرة " درون" قد ضربت كثيرا في مناطق باكستانية عدة محاذية للحدود الأفغانية ، وهي المناطق التي يتواجد فيها ما يسمي "بطالبان" باكستان المنتمون أيضا للقاعدة أو، في أدنى الحالات، المتحالفين مع القاعدة الساعية لطرد الولايات المتحدة من أفغانستان، ومن تلك المنطقة برمتها، نظرا لاعتراض جماعة طالبان باكستان، على التعاون المتنامي بين حكومة باكستان والولايات المتحدة الأميركية .

ولا يختلف الأمر في أفغانستان ، حيث تلاحق الولايات المتحدة منظمة القاعدة المتواجدة بكثافة في أفغانستان، كما تلاحق مقاتلي طالبان، المتحالفين تحالفا وثيقا مع منظمة القاعدة التي بات يرأسها أيمن الظواهري بعد مقتل بن لادن في غارة نفذتها الولايات المتحدة على موقع إقامته السري في باكستان. وليس هناك معلومات مؤكدة حول نوعية الطائرات التي استخدمت في قصف منزل بن لادن في باكستان. هل كانت طائرات الشبح الأميركية أم كانت طائرات "درون" بدون طيار.

فالولايات المتحدة تلاحق منظمة القاعدة في أفغانستان مستخدمة كل الوسائل التي في حوزتها ، من جنود مقاتلين يدخلون في مواجهات مباشرة مع مقاتلي "طالبان " أو مقاتلي منظمة "القاعدة"، أو باستخدام الطائرات الأميركية المتطورة، وخصوصا طائرات "درون"، لملاحقة طالبان والقاعدة في جبال تورا بورا وفي غيرها من المناطق الأفغانية الوعرة.

فالعداء الذي باتت الولايات المتحدة تكنه ضد منظمة القاعدة، ليس خفيا على أحد، خصوصا بعد عمليات القاعدة الشهيرة في نيويورك التي دمرت البرجين الشهيرين، إضافة إلى عمليات كثيرة للقاعدة ضد السفارات الأميركية في كينيا وليبيا ومناطق أخرى في العالم، وكان آخرها المخاوف من عمليات كبرى تنفذها "القاعدة" المتواجدة في اليمن، مما اضطر الولايات المتحدة لتعليق العمل لعدة أيام في تسعة عشر سفارة أميركية في منطقة الشرق الأوسط .

ونتيجة لهذا العداء الأميركي الشديد والشهير ضد القاعدة، دخلت الولايات المتحدة منذ عام 2002 في حرب ضد أفغانستان، فأرسلت جنودها إلى هناك ساعية بدون جدوى للقضاء على تلك المنظمة التي أرهبتها. وهي لم تكتف بملاحقة القاعدة في موقعها الرئيسي، أي في أفغانستان، إذ باتت تلاحقهم في كل مكان وموقع، كما باتت تشجع حلفاءها على ملاحقتهم أينما وجدوا. وقد لاحظنا مؤخرا تدخل القوات الفرنسية في مالي، التي اشتبكت في مواجهات مباشرة مع المقاتلين الماليين الإسلاميين المتشددين والمتحالفين مع منظمة القاعدة.

وإذا كان ذلك هو حال الموقف الأميركي المعادي لمنظمة القاعدة، وهو الموقف الذي يسعى بكل صراحة ووضوح وجدية، لملاحقة أعضاء منظمة القاعدة أينما كانوا، فإن المراقب المحايد، يضطر للتساؤل عن السبب الذي يمنع الولايات المتحدة من ملاحقة أعضاء منظمة القاعدة المتواجدين في سوريا، بل وفي العراق أيضا . أم ترى هناك قاعدة لطيفة لا تستحق الملاحقة، وأخرى شريرة لا بد من ملاحقتها أينما كانت، حتى لو اضطرت أميركا لتناسي سيادة الدولة المستقلة ، فتلاحقهم دون رحمة في اليمن وفي باكستان، مع أن كلتيهما دولتان مستقلتان ذاتي سيادة معترف بها دوليا .

فجماعة دولة العراق والشام الإسلامية المتواجدة في سوريا الآن، قد أعلنت صراحة وفي بيان نشر على الملأ، أنها تنتمي لمنظمة القاعدة، وهي ذات المنظمة التي تحاربها الولايات المتحدة على الصعيد الدولي كله. ومثلها جماعة النصرة التي لا تخفي أيضا تعاطفها، بل وربما انتماءها لمنظمة القاعدة. ومثلها جماعات أخرى كثر متواجدين في سوريا، وبالذات في الشمال السوري، حيث باتت المنظمات المنتمية للقاعدة، تفرض ما تعتبره في اعتقادها أحكاما شرعية يتوجب على الجميع قبولها . ولقد رأينا في التقارير التلفزيونية الإخبارية، خبرا مصورا يعرض قيام المتشددين الإسلاميين برفع يافطة على أحد البنايات في مدينة الرقة ، تعلن أن هذا هو موقع الهيئة الشرعية في الرقة، وهي الهيئة المخولة بإصدار الأحكام حسب رؤيتها الشرعية المتشددة .

ويجيء ذلك مع انتشار بعض الشائعات القوية، عن احتمال قيام الإسلاميين المناصرين للقاعدة، بإعلان إمارة إسلامية في شمال سوريا. وهم ينتظرون سقوط مدينة حلب في أيديهم، ليعلنوها عاصمة للإمارة الإسلامية في الشمال السوري. ولا يتوقع أحد أن تكون الولايات المتحدة ، جاهلة بوجود أنصار القاعدة في شمال سوريا، وجاهلة أيضا بالجرائم التي ترتكبها بوحشية تلك المنظمة ضد المدنيين الأبرياء، ولعل آخرها ما تردد في الأيام الأخيرة عن مقتل القس باولو، الذي اختطف منذ أسابيع من قبل بعض أعضاء القاعدة التابعين لجماعة النصرة. وعندما طال اختفاء القس باولو، ونزلت مظاهرات شعبية إلى الشارع تطالب دون جدوى بإطلاق سراحه ، أخذت بعض الشائعات تسري مفيدة مقتله على أيدي الخاطفين. وما أثار الامتعاض الشديد في هذا الأمر، وخصوصا إذا تأكد مقتل القس المذكور، هو أن القس باولو كان من المعارضين للنظام السوري، وكان، رغم أصله الإيطالي، ناشطا جدا في معارضته تلك ، وبالتالي فإن مرد مقتله، ليس كونه مواليا للحكومة السورية، بل لكونه مسيحيا فحسب ، وهو سلوك يرفضه الدين الإسلامي الحنيف، الذي أوصى برعاية القساوسة والرهبان والمسنين من الرجال والنساء . ولكن للمتشددين الإسلاميين وجهة نظر أخرى كما يبدو.

فطالما أن هذا هو الواقع في سوريا، وطالما أن الجماعة الإسلامية المتشددة والمشبعة بأفكار القاعدة، والساعية لا لإسقاط نظام بشار الأسد فحسب ، بل لإنشاء إمارة إسلامية لا تدين بدين الإسلام السمح فحسب، بل بمفاهيم القاعدة أيضا، فلماذا لم تتعرض لها الولايات المتحدة بعد، ولماذا لم تلاحقها أسوة بملاحقتها للقاعدة في اليمن وباكستان وأفغانستان. هل هي تلاحق أعضاء القاعدة في اليمن والباكستان وأفغانستان لأنهم "قاعديون" أشرار، ولا تلاحق أعضاء القاعدة في سوريا لأنهم من القاعدة الأبرار والأنقياء ؟ إذن هل هناك قاعدة شريرة وقاعدة ملائكية ؟ أم أن هناك قاعدة تضرب المصالح الأميركية، كما هم اعضاء القاعدة في اليمن والباكستان وأفغانستان ومالي والصومال، وأخرى أعضاء قاعدة ترعى المصالح الأميركية وتنميها، كما هو الحال في سوريا ،حيث تساهم منظمة القاعدة هناك بمقاتلة وإضعاف النظام السوري الممانع والمعارض للحل السلمي الاستسلامي في المنطقة، وهو الأمر الذي يتطابق إيجابيا مع المصالح الأميركية .

أنا لا أدعو أميركا للتدخل عسكريا في سوريا، فهذا أمر مرفوض تماما. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة كارهة فعلا للقاعدة أينما كانت ، السورية منها واليمنية والصومالية ، فلماذا لا ترسل بعض طائرات "الأندرود" لقتل بعض أمراء القاعدة السورية ، ولإضعافها ولو نسبيا ؟

قد يظن البعض أنني أدافع عن النظام السوري، وأنني واحد من رجالته، مع أن ذلك غير صحيح لأنني لست منتميا للنظام السوري أو عضوا في حزب البعث . والحقيقة الحقيقة التي أشرت إليها مرة في مقال سابق، هي أنني ممنوع من دخول سوريا منذ منتصف الشهر السادس من عام 197 1،( أي منذ أربعين عاما ونيف )، ولذا كان يفترض بي أن أكون أول المرحبين بإسقاط النظام السوري . ولكني لا أفعل ذلك، بل أدافع عن حقه في البقاء، لا حبا بالنظام السوري الذي أعترف بأنه قد ارتكب أخطاء، وبعضها أخطاء فادحة ، بل حرصا مني على نظام ممانع نحن بحاجة إليه. فإذا سقط النظام السوري، ستسقط كل عناصر الممانعة في المنطقة، إذ من سيحل محله في الوقوف في وجه الغطرسة الإسرائيلية ؟ من؟ ومن هنا أنا أدافع عن الحق ، وبالذات عن حق الشعب العربي بشكل عام في رفض الحل الاستسلامي، وعن حق الشعب الفلسطيني بشكل خاص في رفض ذلك الحل .

ولكن من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها سوريا، هي مقاطعتها المطلقة لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد توقيع إتفاقية أوسلو في عام 193 . وإذا كانت لديها عندئذ أسباب موجبة لتلك المقاطعة، فإنه لم يكن لديها أسبابا جوهرية وكبرى لاحتواء حماس بشكل مطلق، ولوضعها ثقة كبرى في حماس نكاية بحركة فتح. فهذه الثقة قد أطلقت يد حماس في حرية الحركة، فدربت رجالها في مخيم اليرموك وفي غيره من المخيمات، كما دربت أعدادا من حركة الإخوان المسلمين السوريين تحولوا إلى خلايا نائمة إنطلقت تقاتل القوات النظامية السورية منذ لحظات بدء التحرك الشعبي السوري في شهر آذار عام 2011 . فالنظام الأمني في سوريا ، كان نظاما قويا ومتماسكا، بل كان من أقوى أنظمة الأمن في العالم العربي، فما كانت شعرة ما تمر بسوريا لا تعلم بها أجهزة الأمن السورية. ومع ذلك غفل ذاك النظام عن اكتشاف وجود الخلايا النائمة التي أشعلت الحرب الأهلية في الوقت الملائم لها، وها هي تقاتل أيضا بشراسة انطلاقا من مخيم اليرموك. وقد غفل عنها، لأنه وضع ثقة كبيرة في حماس فلم يراقبها ، إذ اعتبرها حليفة وسندا له، وبالتالي لم يتوقع منها غدرا كهذا الغدر الذي تعانيه الآن سوريا من نتائجه المؤلمة .

ولكن الإهمال في مراقبة حماس، لم يرافقه تهاون في مراقبة الممنوعين من دخول سوريا للاشتباه بكونهم من جماعة فتح. وكنت أنا من بينهم. ولأزيد القارىء علما ، فأنا قد تعرضت لموت محقق في يوم من أيام عام 1976 بسبب منعي من دخول سورا. وهذه رواية مشوقة نوعا، ولكنها مأساوية أيضا. فأنا قد ذهبت للإقامة في بيروت لمقتضيات العمل ، منذ بدايات عام 1971 . ولكن الحرب الأهلية اللبنانية بدأت في عام 1975 وحولت حياتنا الجميلة في لبنان إلى مأساة كبرى . ذلك لأنني وعائلتي كنا نقطن في منطقة خطرة وحساسة . إذ كنا قريبين من خط التماس بين الطرفين المتقاتلين. فعلى يسارنا، كان حي بدارو وحي فرن الشباك وحي عين الرمانة ، وكلها أحياء مارونية تتواجد فيها القوات اللبنانية التي شكلت الجناح العسكري لحزب الكتائب الماروني المسيحي. وعلى يميننا، كان حي الشياح الذي يتقابل فيه ، في مواجهة المقاتلين الموارنة ، مقاتلو المقاومة الشعبية اللبنانية الإسلامية ، يؤازرهم مقاتلون من فتح والجبهات الفلسطينية الأخرى ، إضافة إلى وجود مخيمي صبرا وشاتيلا في ذاك الجانب أيضا. وهذا كله حول حياتنا إلى حياة بائسة. ورغم أنني كنت معتادا على المخاطر وقد عاصرتها مرار أثناء عملي الطويل في حقل الإعلام المرئي ، إلا ان أسرتي لم تكن معتادة على ذلك , ولذلك قررت وعائلتي الرحيل عن بيروت والعودة إلى الأردن الذي جئنا منه قبل سنوات.

وبصعوبة، وجدنا سيارة أجرة أقلت بناتنا الثلاثة وشقيقهم الأكبر إلى عمان ، إلى الأمان . وبدأنا نحن ، أنا وزوجتي، نعد أثاث المنزل لننقله أيضا إلى عمان بمجرد الانتهاء من إعداد الأثاث للنقل . وعندما اكتمل الإعداد، ساعدنا أحد الجيران في العثور على شاحنة أردنية وافقت على نقل أثاث المنزل إلى الأردن، ونقلنا أيضا معه .

ومع الصباح الباكر، انطلقت بنا الشاحنة وفي نيتنا التوجه إلى عمان . وفي طريقنا إلى الحدود اللبنانية السورية ، لاحظنا أن المقاتلين في مدينة شتورة ، (وهي المدينة الأخيرة قبل الوصول الى "المصنع "، المركز الحدودي اللبناني الواقع على بعد مئات الأمتار من مركز الحدود السوري ) ، كانوا يعدون مواقع دفاعية ، فيقيمون الحواجز بوضع أكياس الرمل وغيرها من الكتل الإسمنتية، وينصبون المدافع الرشاشة ومدافع الهاون في ذاك الموقع . وعندما سألنا عن السبب في إقامة المتاريس، علمنا أن القوات السورية التي قررت التدخل لحماية القوات المارونية ،كانت تتقدم إلى الأمام بغية الوصول إلى ضهر البيدر، وهو موقع مرتفع على الطريق إلى بيروت ومطل على المواقع الجبلية المقابلة التي تتواجد فيها القوات اللبنانية. ولذا كانت الميليشيا وقوات المقاومة الشعبية الرافضة لدخول القوات السورية ، تبني الحواجز والمتاريس، وتنصب انواع الأسلحة المتوفرة لديها للدفاع في مواجهة ما اعتبروه تدخلا غير مبرر في الشأن اللبناني .

وهذا الوضع المؤلم ، شجعنا على الإسراع في التوجه نحو الحدود السورية للتمكن من مغادرة لبنان على عجل ، خوفا من وقوع اشتباكات عسكرية في تلك المنطقة القريبة من المنطقة الحدودية . وقدمنا جوازات السفر للشرطة السورية اللذين استمهلونا بعض الوقت . لكن النتيجة بعد نصف ساعة من الانتظار، جاءت مخيبة للآمال. إذ أبلغتنا الشرطة أن السائق وزوجتي يستطيعان العبور إلى سوريا ، أما أنا فممنوع من الدخول .

أحبط في يدي ، فالعودة قد تعني الوقوع في فخ القتال المتوقع في "شتورة" . ومن هنا توسلت للضابط السوري أن يسمح لي بالمرور لأسباب إنسانية ، شارحا له الوضع الخطيرعلى الطريق ، مؤكدا بأنني لا أنوي البقاء في سوريا ، بل المضي قدما حتى الوصول للحدود الأردنية . ولما رفض قبول ذلك المبرر، اقترحت أن يأخذني جندي سوري مخفورا، ولا يتركني إلا لدى مدخل الحدود الأردنية .

ولعلمي بأنه ليس صاحب قرار ، فقد شجعته على أن يبعث اقتراحي هذا لرؤسائه في دمشق ، مؤكدا له على صعوبة الوضع ومخاطر الطريق في العودة إلى بيروت. وهنا تكرم ووافق على ذلك ، فدخل إلى مكتبه لتمرير ذاك الاقتراح إلى رؤسائه .

ولكن الاقتراح رض ، وأكدوا على وجوب مغادرتي موقع الحدود أيضا ، مع السماح للزوجة وللسائق بشاحنته ، من الدخول إلى سوريا . ولم يكن أمامي سوى العودة إلى بيروت ، ولكن باستخدام الطريق عبر جنوب لبنان ، والتي رغم زيادة المسافة فيها ، توصل في نهاية الأمر إلى بيروت . وبطبيعة الحال أصرت زوجتي على العودة معي تاركين للسائق أن ينطلق بالشاحنة إلى عمان . ولكن في الطريق إلى بيروت راكبين سيارة أجرة كانت فيها إضافة لنا سيدة عجوز، وقع المحظور وواجهت خطرا أكبر من الخطر الذي حاولت تجنبه .

ففي إحدى القرى اللبنانية ( أو الضيع كما يسميها اللبنانيون ) الواقعة في الجنوب اللبناني على الطريق إلى بيروت ، استوقفنا حاجز أمني أقامه مسلحون من الميليشيات الإسلامية ، وطلب المسلح أن يرى بطاقتي أي هويتي . وقدمت له جواز سفري فقرأه مرة وأخرى ، وعندها سأل إسمك "ميشيل " إنت "ميشيل " قلت نعم أنا هو . وهنا صاح مخاطبا رئيسه في الغرفة المجاورة بلهجة بسطاوية مما دل على قدومه من حي "البسطة" السني في بيروت : " أبو ستيف .. فيه عنا ميشيل " . وهنا صاح الرئيس من الغرفة المجاورة :
"ولو عمى في قلبك . شو مستني .. قوصه ". هكذا بكل بساطة ، فالقتل على الهوية كان أمرا شائعا في بيروت ، وها هو سيصبح شائعا في إحدى قرب الجنوب اللبناني .
وهنا بدأ المسلح في سحبي من السترة التي كنت ارتديها إلى خارج السيارة، دافعا بي نحو الحائط المجاور ، ورافعا الكلاشنيكوف الذي يحمله في وجهي ، ومادا يده إلى الزناد في وقت كانت فيه زوجتي تصيح به طالبة أم يتمهل ، كما كانت السيدة العجوز التي شاركتنا في السيارة،تضرب عل فخذها بعصبية قائلة "راح الرجال . راح الرجال ".

وكان ذلك موقفا لا أنساه ولن أنساه . ومع ذلك فقد عمل عقلي بسرعة كبيرة ، كعادته في تسريع عمله في حالات الخطر، بدل من الدخول في مرحلة الاضطراب والتوتر الذي يؤدي بك إلى التهلكة . فقلت للمسلح بكل هدوء : " هل تسمح لي بأن أريك ورقة قد تبدل موقفك " . " ورقة ، أي ورقة" . سأل الرجل. قلت هي في جيب السترة ، فاسمح لي بأن أخرجها وأريك إياها . ومع سماعه صوت السيدة العجوز ، ثم صوت زوجتي تطالبه بالتمهل ، وافق على أن أخرج الورقة ليراها . " لكن لا شيء آخر"، قال محذرا. وأخرجت الورقة ، وعندما قرأها بدأ يصيح قائلا لرئيسه في الغرفة المجاورة " معلمي أبو ستيف. ميشيل طلع صديق ومعاه ورقة تسهيل مهمة " ، فرد الرئيس من الداخل :
" ولا العمى في قلبك . منيح ما قتلت الزلمه . جيبه نضيفه شاي " . وبطبيعة الحال، لم أقبل ضيافة الشاي وأصريت على الانطلاق نحو بيروت وكانت الورقة التي قرأها المسلح صادرة عن مكتب الإعلام في "فتح " وتقول بأن حاملها إعلامي معروف لدينا ، وهو صديق لنا. يرجى تسهيل مهمته وعدم التعرض له ". عبارات بسيطة لكنها كانت كافية لتنقذ حياتي ، مع التأكيد بأنني لم أكن قط فتحاويا ، بل إعلامي يتعامل كإعلامي مع كل الحركات الوطنية فلسطينية كانت أو لبنانية .

وهكذا يتبين كيف كاد منعي من دخول سوريا ، يوصلني إلى دخول الآخرة
بشكل مبكر . فالدفاع عن سوريا ، ليس بالضرورة دفاعا عن النظام قدر ما هو دفاع عن مصلحة عربية لا بديل لها حتى الآن لو سقطت سوريا في الهاوية . ولهذا السبب بحد ذاته ، أنا أعجب للموقف الأميركي المتهاون مع القاعدة في سوريا . فكأن لدى الولايات المتحدة قاعدة شريرة ، وقاعدة ملائكية كتلك القاعدة المتواجدة في سوريا ، بل وكأن هناك قاعدة ضارة بالمصالح الأميركية ، فتطاردها بطائرات "الأندرود " ، وقاعدة نافعة للمصالح الأميركية ، فتتزودها بالمال والسلاح والقبلات . فهل هناك موقف آخر يفسر صمت الولايات المتحدة في مواجهة القاعدة في سوريا ، كما يفسر امتناعها عن إرسال تلك الطائرات العجيبة التي تعرف أهدافها بدقة كبيرة ومشهود لها بذلك ، بل وتستطيع أيضا تجنب الصواريخ المضادة لو تعرضت لها صواريخ أرض جو محاولة إسقاطها . فلم نسمع أن أيا منها قد أسقط في اليمن التي ربما لا تملك شبكة صواريخ مضادة ، ولكنها لم تسقط أيضا في باكستان، رغم تعدد ورود تلك الطائرات الذكية على الأراضي الباكستانية ، مع تعذر الاقتناع بعدم وجود شبكة صواريخ مضادة للطائرات في دولة كالباكستان التي تملك قنبلة نووية ، وتعاني من حالات توتر متجددة بين الفينة والأخرى مع الهند ، الدولة الكبرى والجارة الصديقة غير الودودة التي تتعرض معها العلاقة الباكستانية الهندية لتوتر متكرر على الدوام بسبب قضية كشمير، التي يتنافس عليها الطرفان منذ حصول كليهما على الاستقلال قبل سنوات وسنوات.

Michel Haj











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير