الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقويض أسس الدولة 3: في خصائص السلطة!

أحمد سعيد قاضي

2013 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


فخصائص السلطة في أنها مركزية عليا، وسياسية، مدنية ومحتكرة للعقوبات، لماذا؟
فالدولة هدفها بشكل نهائي هو حماية الثلة الحاكمة المالكة وقمع كل محاولة لكسر حالة الرفاه والأمن والأمان التي يعيش في ظلها هؤلاء المستثمِرين. لذلك فهي مركزية عليا لكي تستطيع حمايتهم ولكي يستطيع هؤلاء الأقلية من التحكم فيها وتوجيهها لمصالحهم. فعندما وصلت الرأسمالية إلى مرحلة رأسمالية الدولة أصبح قلة من الملاك يسيطرون على الاستثمار والاقتصاد في الدولة بشركاتهم ومصانعهم وبنوكهم وبالتالي سيطروا على الدولة. وعزز من العلائقية الجدلية بين الدولة والثلة البرجوازية هو المذهب الاقتصادي الكينزي بعد الكساد العظيم عام 1929، بحيث برز دور جديد للدولة في سبيل ليس فقط حفظ نفوذ وسيطرة الطبقة المالكة البرجوازية فحسب، بل لدفع وضمان استمرار الآلة الرأسمالية.
فقد يبدو للوهلة الأولى من خطاب الليبراليون الجدد والدعوة لعولمة الأسواق بل ما بدأ فعلياً، أن دور الدولة انتهى وحان عصر الدولة الواحدة لكن للدولة القومية مكانة ضرورية بل هي تكوّن حجر الزاوية في النظام الرأسمالي ويبقى لها دورها رغم عولمة السوق.
فالدولة تحمي الأسواق الداخلية بالتشريعات والقوانين وتحافظ على احتكار الأسواق المحلية للشركات، وتقوم بدور القامع للعدو المخيف الداخلي وهو الحركة العاملة، وثالثاً، تقوم بحماية النظام الرأسمالي والحفاظ عليه بقوتها العسكرية التي تغزو بها وتوسع، الشركات العابرة للقارات، بها سوقها وتوفر احتياجاتها من الثروات الطبيعية. وتقوم الدولة بدور فعال في حماية هذا النظام بالدور الذي طرحه كينز من تخطيط الاستثمار وتوزيع الدخول وضخ الأموال في حال الأزمات.

لذلك فالدولة دورها محفوظ رغم خطة التحرير الاقتصادي الكامل بين الدول وتحرير التجارة العالمية والتي بدورها تصب في مصلحة الطبقة البرجوازية العليا في العالم على حساب الشعوب وبرجوازياتها المتخلفة أيضاً. فالهدف تحرير تجاري كامل لتسهيل حركة رأس المال ولكن ليس الهدف هو تحرير البشر من العبودية لرأس المال أو تحطيم الحواجز المادية والوهمية التي تفصل السكان الأرضيين عن بعضهم البعض وتقسمهم وتحطم إنسانيتهم.

الخاصية الثانية للسلطة هي أنها سياسية ليست نابعة من سيطرة الدولة على الاقتصاد! من الواضح في التاريخ الحديث ووصول الرأسمالية إلى مرحلة الإمبريالية أن الدولة والاقتصاد متلاصقان أو وجهان لعملة واحدة وذلك لسيطرة الأقلية المالكة على السياسة والدولة لأقصى الحدود، والحروب الإمبريالية من الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من الحروب أكبر دليل على ذلك.
لكن المقصود بأن الدولة سياسية هو أنه في بداية انبثاق الشيطان الرأسمالي من رحم النظام الإقطاعي وسيطرة الإقطاعيين على كل مقاليد السياسة والحكم والقانون، وسيطرة البرجوازيون الصغار أو الطبقة البرجوازية التي بدأت بالخروج إلى الوجود على كل مقومات الاقتصاد في تناقض تاريخي، كانت الدولة الإقطاعية بقوانينها ونظمها وسياساتها وتشريعاتها تشكل عبئاً وتقف حجر عثرة في تطور النظام الوليد والطبقة البرجوازية. فقد كان هنالك تناقض تام في أن الطبقة المسيطرة اقتصادياً لا تسيطر سياسياً.
لذلك كان يجب في البداية أي بعد الثورة الفرنسية البرجوازية، إقرار نظام يعطي الحرية الكاملة للبرجوازيين من حركة التجارة والصناعة والتبادل التجاري وحرية سيطرتهم على العمال. وهذا النظام كان يفترض حرية برجوازية كاملة وتدخل محدود جداً، أو عدم التدخل من جانب الدولة نهائياً فكانت الدولة سياسية.
لكن كما وضحنا أن العالم الذي نعيش في ظله اليوم هناك ارتباط وثيق وصلب بين البرجوازيين والدولة.
فروبرت مكنمار الرأسمالي الكبير كان وزير الدفاع في إدارة الرئيسين الأمريكيين كينيدي وبن جونسون وساهم بشكل كبير في دعم الحرب على فيتنام، ومن ثم أصبح رئيس البنك الدولي!
وديك تشيني الذي ترأس مجلي إدارة شركة هالبيرتون النفطية الأمريكية وبالمقابل نصب وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة في الفترة بين 1989-1993. وأصبح عضو في مجلس النواب الأمريكي ونائب للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وغيرها من المناصب السياسية.
وجورج بوش الأب الذي كان يملك حصة في شركة الفاكهة المتحدة ورئيس الولايات المتحدة سابقاً. هذه بعض الأمثلة التي تثبت عدم صحة سياسية الدولة الحديثة ويكشف عن ماهية الصراع الحقيقي في العالم ومن هم الصناع الحقيقيون للقرار في العالم وهو ما سأكتب عنه لاحقاً مقالة كاملة.
فكذبة سياسية الدولة الحديثة خدعة لا تنطلي إلا على السذج والسطحيين.

والجانب الثاني الحقيقي شكلياً من سياسية الدولة وهو أن الدولة لا تحرم المواطن من ممتلكاته أو احتياجاته كطريقة للعقاب. نعم لا تحرم الدولة البرجوازية السكان من ممتلكاتهم أو احتياجاتهم قوة سلطة الدولة وهو ما يتبجج به البرجوازيون على أن دولتهم مختلفة تماماً عن الدولة الإقطاعية المستعبدة للشعوب.

لكن في حقيقة الأمر أن الدولة البرجوازية ليست بحاجة لأن تحرم الشعب من ممتلكاته قوة السلطة فطبيعة النظام الرأسمالي شديد المنافسة يجرد الشعوب من ممتلكاتها من الأرض أو الملكيات الصغيرة التي تعتاش عليها، بقوة الاقتصاد وآليات السوق الحر وميكنة الإنتاج.
وهو ما يجبر أصحاب الملكيات الصغير على التخلي عما يملكون أو بيعه للبرجوازيين الكبار والعمل عندهم في أسوأ الظروف لكي يستطيعوا الاستمرار في الحياة.
وبالتالي فاستعباد البشر ما زال موجوداً كما كان طوال التاريخ ولكن بشكل مختلف. فكما قلنا النظام الرأسمالي يجبر الفرد نفسه على العمل تحت يد البرجوازيين متخلياً عن ملكياته الصغيرة مما يعني غياب الحرية الحقيقية. لأن ذوي الملكيات الصغيرة والتجار الصغار والحرفيين يتحطمون أمام الشركات الكبيرة والمصانع الضخمة والشركات متعددة الجنسيات وبالتالي يضطرون لترك عملهم القديم الذي كانوا أصحابه للعمل مضطرين تحت أيدي البرجوازيين الكبار من أجل توفير سبل عيشهم.

الخاصية الثالثة للسلطة هي في أنها مدنية.
السلطة المدنية تفترض أنها ليست دينية مما يعني علمانية السلطة، والشق الثاني في أنها ليست عسكرية.
لم ينطلق البرجوازيون في طرح علمانية دولتهم من منطلق حبهم للشعوب التي كانت مضطهدة أشد الاضطهاد من السلطة الدينية الكنسية ولكن لأن التحالف الديني الكنسي الممثل برجال الدين مع النبلاء كان قوياً وصلباً بحيث لا يمكن تحطيمه بدون إبعاد السلطة الدينية ذات المصالح في النظام القديم عن السلطة. وذلك في خضم صراع البرجوازية الناشئة مع الدولة الإقطاعية التي تشكل السلطة الدينية أحد ركائزها الأساسية.

أم السبب الثاني فهو في أن البرجوازيين ليس من مصلحتهم التدخل في أخلاق الشعوب ودياناتها بقدر ما يهمهم بتر أية محاولة لضرب أسس النظام البرجوازي بالقانون الذي أسسوه. فماذا تستفيد الطبقة البرجوازية إذا ما قامت بمراقبة احترام الشعوب للدين ومدى تطبيق لأخلاق هذه الديانات؟ لا شي، لكن لو كان سيطرة الدولة على الدين يضيف المزيد من المال إلى الطبقة الحاكمة لما فصلت الدين عن الدولة.

هذا يعني أن فصل الدين عن الدولة يعطي هامشاً من الحرية للشعوب وبالتالي التقليل من إمكانية حدوث الثورة أولاً، وثانياً كما قلنا ليس في مصلحة البرجوازيين التحكم في عقائد الناس وأفكارهم وأيديولويجياتهم بقوة السلطة لأن حرية العقيدة أو الفكر لا تمس النظام الرأسمالي بأذى بشكل مباشر.
ولا يجب أن ننسى بأن الآلة الإعلامية البرجوازية تتحكم في أفكار الناس وآرائهم بدون سلطة دينية متشابكة مع سلطة الدولة تضغط الشعوب وتعصرها. لذلك فإن البرجوازيين يتحكمون في آراء الناس ومعتقداتهم بدون أية مظاهر سيطرة قد تثير الاضطرابات، أي سيطرة بشكل أذكى من سيطرة الكنيسة أو أية سلطة دينية دكتاتورية وذلك عن طريق تغييب الوعي الطبقي على الأقل. وتتحالف الطبقة البرجوازية مع السلطات الدينية في مختلف دول العالم تحالفاً غير معلن على أن يبقى البرجوازيون يملكون اليد العليا في تحريك الرموز الدينية.

والشق الثاني لمدنية الدولة هو في كونها ليست عسكرية. فقد شكلت الأجهزة العسكرية للدولة لحماية الشركات العابرة للقارات ورجالاتها من العدو الداخلي، أي العمال والعدو الخارجي، أي القوى الإمبريالية الأخرى في ظل تنافسها على فتح الأسواق الجديدة. وتستخدم الجيوش أيضاً في حالة استعصاء رضوخ أي دولة من الدول للقوى الإمبريالية حيث تتدخل الجيوش تحت حجة الديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الحجج الواهية. وتقوم الحروب الإمبريالية بحجة الدفاع عن المصالح الوطنية التي تعني في مكنونها حماية مصالح الشركات والأقلية البرجوازية.
فبعد هذا التحديد لدور العسكر يجب منع العسكر من الوصول إلى السلطة لأنهم غالباً ما يكوّنون الطبقة الوسطى والجهاز البيروقراطي الذي بسيطرته على الحكم، كما حدث في العالم العربي، تقيد الحريات التي تصب في مصلحة البرجوازية وتحكم بالعنف الذي يضر بالمصلحة البرجوازية، ولو أنهم يقومون بهذه التصرفات عن غير دراية بالضرر الذي يلحقونه بأسيادهم لذلك وجب تحييدهم.
وبتحييد العسكر أيضاً بعيداً عن السياسة تبقى المؤسسة العسكرية قوية صلبة بما فيه الكفاية لحماية الطبقة البرجوازية وتنفيذ أوامرها، على العكس من تدخل العسكر في السياسة بحيث يؤدي إلى إضعافهم وهذا خطير جداً على الطبقة البرجوازية التي تعتمد على العسكر بشكل كبير في تحقيق أهدافها.

الخاصية الرابعة للسلطة في أنها تحتكر توقيع العقوبات على المواطنين. تفرض بذلك الدولة البرجوازية النظام كما تدعي لأن الدولة المركزية وحدها هي التي توقع العقوبات على المخترقين للقوانين. التنظيم شيء جيد ونقطة إيجابية ولكن المعضلة تكمن فيمن يوقع العقوبات أولاً، وعلى من توقع هذه العقوبات ثانياً. فالعقوبات تقع على المساكين والفقراء والمظلومين وينجو منها الفاسدون المفسدون الظالمون السارقون. والدولة التي تقوم بهذه العقوبات هي نحاول تقويض أسسه فكيف ندعم ما تقوم به؟

العنصر الرابع والأخير من عناصر الدولة هو النظام الاجتماعي. وهناك نوعان من النظام الاجتماعي. حجر الزاوية في النظام الاجتماعي هو النظام الاقتصادي ومجموعة من الأفكار والقيم السائدة. تنقسم المجتمعات بشكل عام إلى قسمين: نظام اجتماعي ذو ملكية فردية، ونظام اجتماعي ذو ملكية جماعية (اشتراكية).
كل الأنظمة الاجتماعية الحالية في العالم أنظمة اجتماعية ذو ملكية فردية.
ولكنها تختلف اختلافاً نسبياً فيما بينها فمنها من يميل إلى اليسار أي إلى الملكية الجماعية ولكن ليس بشكل عميق فنظام الملكية الاشتراكية المطلق لم يطبق إلا في بداية نشوء المجتمعات البشرية.
فقد روج البرجوازيون لنظام اجتماعي ليبرالي يسمح لهم بحرية استغلال العمال واستلاب حياة الفقراء بدون أي معيقات. نظام يروج للحرية الفردية على حساب المجتمع القومي الذي هن أنفسهم صنعوه والمجتمع الإنساني برمته. نظام يقدس الحرية الفردية والملكية الخاصة لأن الملكية الخاصة والحرية الفردية هما أساس النظام الرأسمالي الاستغلالي. والنتيجة هي المنظار المادي القائم على المصلحة الذي يضطر الكل على انتهاجه ضد بني البشر الآخرين في ظل نظام الفساد والإفساد.

في نهاية المطاف، لقد أردت بهذه السلسلة القصيرة أن تكون الشرارة التي تلهب العقول وتفتح المسامات المغلقة للتفكير في دور الدولة الحقيقي وتقصي جوهرها. وهناك الكثير الذي لم نطرحه عن الدولة ونظامها ولكن وضع القراء على أول الطريق باتجاه البحث عن حقيقة الدولة هو هدفنا.

لا يعني كشف واقع الدولة وطبيعة دورها السلبي أن يقوم كل شخص بالحركات الفردية ضد دولته فإن هذه الأعمال الفردية تضر أكثر مما تنفع وتسد الطرق اكثر مما تفتح. فالصراع ضد الدولة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع ضد النظام الرأسمالي أو الإمبريالية بكليتها، لذلك فالصراع يتطلب أن يكون هناك تنظيم ثوري يقود صراع الطبقة العاملة المحلية وينسق مع الحركات الثورية الأخرى في باقي أنحاء العالم ليكون الصراع عالمي. فالأممية حجر الزاوية في الصراع ضد الدولة والنظام الرأسمالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم