الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤوس تلتقي الفؤوس قريبا

رضا كارم
باحث

2013 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تونس إلى الإفلاس و الإضرابات و الاعتصامات سبب مباشر حسب رأي حكومة الانقلاب على المسار الثوري.يظلّ يسرد حكاية نجاح منقطع النظير، حتى إذا حان موعد السقوط الأخير، يشرع في رمي "المنظمات الاجتماعية" بالتسييس؟؟؟
لأوّل مرة في تونس ، يصدر بيان عن اتحاد الصناعة ، لا يساند رئيسا أو يناشده، بل ينقد وضعا معينا و يحدّده بالاسم.لو قدّر لهؤلاء الخونة مواصلة حكم تونس ، سينشئون "اتحاد صناعة و تجارة" بديل.
تتحدّث ذيولهم عن ضرورة البدء من الصفر، في تدليل عن حقيقة الصراع الذي يريدون . صراع ضد البورجوازية المرتبطة بدولة بورقيبة -بن علي، تأسيسا لرأس مال مختلف، أو مصاصي دماء اصغر سنا و أقدر على تصوير مقاطع من طقوسهم الدينية. لا يريدون غير تركيز سلطتهم عبر ضرب السلطة القديمة.لذلك تستند المعركة الى عاملي الجهوية و الحزبية:
1-المعركة الجهوية يقودونها ضد السواحلية، و هذا يفسر عودة حامد القروي مستشار الجبالي السابق.
2-المعركة ضد أحزاب نداء تونس و "الجبهة الدستورية" بما ممثلة للواجهة الجهوية،
و من ذلك أيضا الخلاف بين الجبالي و الغنوشي في أحد وجوهه.
إن السلطة الحالية المنقلبة على مسار 17ديسمبر،تعيد رسم نفس الخطة النوفمبرية القائمة على عقلية الإنقاذ من الإفلاس سابقا،و إنقاذ الإسلام حاليا.لذلك لا يهم هؤلاء تلك المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن حسابات "رسمية" ، و المؤكدة على عمق الأزمة و قرب تحولها الى "كارثة اجتماعية" .
لا تسعى هذه السلطة إذن لغير تركيز ،معركة الستينات حول "المدرسة الدينية" و دور "الزيتونة" في التربية، و موقع الدين في الواقع العيني.
في مصر و ليبيا لا تركيز على غيرهذا، رغم اختلاف الأوضاع. ضرورة تحويل الدين ،و القراءة الإخوانية بالتحديد ، إلى إديولوجيا السلطة و مشروع الأمر العام الجديد.
فيكون كل اعتراض على قرارات السلطة، اعتراضا على أوامر ما ورائية إلاهية، أي الكفر و الخروج عن "الملّة". و هو تقريبا ما يحصل في إيران المتفاعلة بحماس مع صعود العسكر في مصر و نهاية سنة من استشراء التقسيمات المذهبية و العرقية و الدينية في مصر.
لقد أثبتت حركة الإسلام السياسي في تونس، أن مشروعها للحكم، يبدأ بتثوير الثقافة القائمة، من خلال تبديل كامل المشهد المهترئ اصلا، من مسرح و سينما و شعر و نثر يرفض محاصرة المرأة و يشرّع فنيا لتحريرها بالكامل ، الى فنّ إخواني يُسقط عالما فاسدا بحقّ، لصناعة عالم أشدّ فسادا بغطاء ديني معوّم .
لقد استغلت وزارة ثقافة حمادي الجبالي مهرجان قرطاج السينمائي المتخلف بطبعه، فنيا و تقنيا و تنظيميا، فقدّمت عمل شوقي الماجري حول حماس المقاومة، كعمل اساسي رغم عرض الفيلم في القاعات قبل موعد المهرجان.
الفيلم بروبغندا سورية لدعم سياسات بشار الأسد "الممانع" ، قبل أن تتحول حماس الى خنجر في خاصرته . و بالمقابل ، تربّصت العيون بفيلم للسينمائي النوري بوزيد، قبل أن تطرأ"مؤامرة تقنية" تلغي العرض ، المنتقد للتحجب القسري ، و السفور القسري باهمية اقلّ...
العبدلية و تحويل عرض تشكيلي الى محرقة و سجن فنانين 7سنوات كاملة.
السلفيون و تحويلهم الى بوليس ثقافي يحاكم كل عمل فنّي لا ينضبط للقيم الجديدة التي استحدثتها سلطة الخوانجية في تونس.
أولئك السلفيون الذين تحولوا الى سوريا و مالي و منها الى الشعانبي ، كما يقال.
و قد تحول الإسلام بالفعل، من مبنى ثقافي مستبطن و مسيطر على الواقع اليومي ضمن اشكال و رموز تسرّبت بعد قرون طويلة الى تجربة الإنسان، إلى قواعد و اصول و التزامات مفروضة بالشدّة و الترهيب .
و قد فهمت حركة النهضة أنها لن تحكم دون سيطرة إسلام وهابي أو مالكي أو حتى شيعي، و تحريك حوارات داخل الدين و جعل تلك الحوارات أساس "العمران" و تطور الحكم و تكريسه بمرور الزمن.
إنها بالفعل خيارات النهضة الحقيقية، فالاقتصاد نجح أو سقط ، و المجتمع تعاون أو تقاتل، و الأحزاب انخرطت و عارضت، لا قيمة لها بالمرّة. الأهمّ ، التحكّم بخيارات الشعب ، و جرّه من جوع البطن و عري الجسم ،الى "إشباع الروح" و تغطية الجسم باللحية المقدسة.
لكن النهضة لا يتوقّف مشروعها عند سيادة الدين كما تراه على التاريخ. إنها مجرّد البداية الضروريّة لتنفيذ الخطّة كاملة. النهضة تسعى الى السيطرة على الاقتصاد، و ضخّ رأس مال إسلامي بدءا بالمصارف وصولا إلى التجارة و السياحة و الفلاحة.
قريبا تغزونا صناعة المسك و العود و العنبر و السواك. القميص و الجلباب و ربما عودة السفساري و الجبة . وحدها مراكز التسوق "الراقية" ستزدحم أروقتها بالعطور الفرنسية و الأجبان الهولندية ، التي يستوردها رأس مال متخونج بالضرورة ، و يشتريها بورجوازين متخونجون في أغلبهم أيضا...
أما الفقراء و أغلبهم الغالب من غير المتأخونين، سيكتفون ببعض العطر المهرّب من الجزائر ، و بدل تهريب البنزين سيزدهر تهريب الخمور و السجائر .
و سيكون المهربون بدورهم خوانجية ، يسهرون على حراسة الحدود و تأمين التقارير حول "العلمانيين " الفجرة ، و يحسبون ركعات اليساري السابق ، المتأخون حديثا و الذي سيمضي سنوات من المراقبة الإدارية بعد إمضائه وثيقة اعتذار و توبة نصوح مراقبة.
سيبدؤون بالتخويف من أزمة إسلام يقع تحت طائلة خطر محدق، قبل أن يمركزوا سيطرة كاملة على الاقتصاد الرسمي و الموازي.
إنهم وجه مختلف من وجوه الفساد و الاستبداد و السيطرة . ليسوا اقلّ من خونة يتزينون بالدين و يستغلون ذاكرة مضطربة لشعب اللامبالاة و الصمت.
و ليس الحدث المصريّ ، غير تأكيد صارم على الصراع ضد البورجوازية القديمة.
لقد قبل العسكر كل شيء، إلّا الاقتراب من مناطق سيطرته و بقائه كقوة مهيمنة.
فكانت صدمة الإعلان الدستوري و سدّ أثيوبيا ، دافعين مركزيين للانقلاب العسكري المتخفّي برداء "ثورة 30يونيو" .
و وجه المعركة في تونس، يتحدد في الصراع بين بورجوازية تقليدية ، و بورجوازية تسعى الى القيام على أنقاض الطرابلسية بدءا بلطفي زيتون و البحيري و بن سالم و الجزيري و خاصة الغنوشي .
إنها معركة يظلّ خلالها المهمش مهمشا، و لا امل فيها لساكنة الدواخل ، و ضواحي الإقصاء و التبعيّة الاقتصادية المريرة.
لذلك ليست معركة تركيز إسلام إخواني بعينه، بهادفة "إلى إعلاء كلمة الدين"، أبدا، إنها كانت و تظلّ معركة سيطرة على الواقع و استثراء على حساب المصفّقين و المعارضين على حدّ السّواء. و قد يكون علينا انتظار الكثير من الجوع و الشرّ قبل تجذّر المسار الثوري مجدّدا ، و افتكاك السيادة و الإدارة مباشرة.
تجذّر المسار الثوري، و عودة الغيلان الاجتماعي أكثر ما يطلبه راس المال التقليدي في تونس. إنه ينتظر تلك الاحتجاجات ليسودها و يعاود التموقع بقوّة الثورة لافتكاك السلطة و الهيمنة من الإخوان و إجبارهم على قبول واقع جديد ، يكون لهم فيه نصيب قليل ، أو العودة الى السجون و المنافي ، و إيجاد المبرّرات الأمنية و الأخلاقية و السياسية لفعل مماثل، كما وجده العسكر في مصر مثلا.
لذلك ركّز الباجي على منح الجبهة الشعبية مقعدها كمحرّك أساسي "للثورة" ، و تتالت صور اجتماعاته بالناطق الرسمي باسمها،
و في مقرّها تحديدا، لمزيد إبراز دورها كفاعل اساسيّ لا غنى عنه. و ذلك في انتظار التبدّلات القادمة.
و ربّما تكون النهضة فهمت أن المعركة ضد القوة التقليدية المنظّمة، و التي "غسلت " الكثير من أدران الزمن النوفمبري، ليست مضمونة بالمرّة، و لذلك تعاود الالتزام بمواقف تسمّى إعلاميا "حدّية" ، حتى يبقى للجبهة الشعبية دور، و يتراجع المهيمن التجمّعي .
يدلّ على ذلك مرور "اعتصام الرحيل" من التركيز على باردو و المجلس التدليسي، إلى ما سمّوه" حملة "ارحل" في القرى و المدن الداخليّة، أي ربما رجوع الجبهة الشعبية إلى واجهة القرار و استعادة "القيادة" داخل جبهة الإنقاذ، ربّما.
و يستمرّ تبادل الادوار و اقتسام المشهد الإعلامي اللاشعبيّ، في غياب كامل للجماهير، و صمت مطبق من الاتحاد العام التونسي للشغل المكتفي بالوساطات الفارغة من كل قيمة، و المنحاز أبدا الى السلطة القائمة و إلى ضرورات الأمر الواقع.
و الشعب يواصل يومياته مع بعض الاضطراب و التوتر غير المناسبين لحجم الكارث المقبلة، و لن يتحرّك قبل احتراق جيوبه بالكامل و انتهاء مناوراته و تبريراته و عمليات الصمت الممنهجة و الرديئة.
"اخطى راسي " ستنتهي ضربا للرؤوس و قطعا لها، قريبا ، قريبا جدا، و ستندم كل الرؤوس المتخفية طيلة عمرها البائس، هذا إن وجدت وقتا للندم قبل أحكام الفصل عن الجسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة