الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الاختلاف في المجتمع السلطوي

عبداللطيف أسرار

2013 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الاختلاف من قوانين الكون السرمدية التي تعد قيمة جوهرية حبلى بالدلالات والمعاني التي تكفل التعايش جنبا إلى جنب بين مكونات المجتمع ,وهي على درجات الرقي الإنساني في التعامل مع فنون الحياة وقيمتها ,وإضفاء معنى للوجود, وهي ميزة تطبع روح التعامل بين أبناء البشر ,في اختلاف طبائعهم ومعتقداتهم بغية الحسم في عمومية الحقائق ولو كانت نسبية إلى إن تتحول إلى صراع مرير مع الذات قبل أن يكون صراعا مع الغير .
ففي المجتمعات السلطوية ,نجد انعدام هذه الخاصية ولو كانت مكسبا طبيعيا ,من خلال طمس روح الاختلاف في المجتمع ,وهي مسألة تعرف تعقيدا على مستوى تصور مفهوم الاختلاف ,إلى إشكالية تدبيره وتصريفه,وهو أمر يجد مبرره في العديد من السلوكيات التي يتم به تصريف الخطابات السياسية والدينية ,حيث الحقائق على إطلاقها ,في محاولة محو الغير ومحو روح الإبداع وأنماط التفكير العقلي ,وهو ما لا تجد له مبررا في هذه المجتمعات إلا بانعدام القيم المثلى للتعايش داخل المجتمع الواحد ,وذلك يتجلى من خلال التربية على القيم المزيفة قيم المواطنة السالبة لجوهر المواطنة الحقة , والتي تكن الولاء للخطاب الأحادي الذي ترسمه تربية الدولة و المجتمع من قبيل التصرف في أدنى ملكات الإنسان من قبل الغير أقوالا وأفعالا ,إلى التطاول على الغير رغبة في فرض نمط موحد على كل الناس ,وهو ما يناقض قيم الاختلاف التي تنبني على مبادئ احترام الغير كذات مبدعة ومفكرة حرة ,إلى مبادئ الحوار العقلي والعقلاني ,وهو نفسه ما نجده دائما في المجتمع السلطوي على مستوى الخطاب السياسي الذي يفرض على الجماهير قسرا وكرها . ,وذلك بفرض نظام معين مسلط على رقاب الناس ,كما كان نظام البعث,ونظام المخزن المركزي الحالي بالمغرب و الذي لا يزال محتفظا بنفس التوجه في إدارة الاختلاف بالعنف بكل تجلياته ,وهو التوجه العام في هذه المجتمعات السلطوية لتدبير الاختلاف وادارته .
وأيا كان الأمر حتى على المستوى الخطاب الديني يبقى الاختلاف بمنأى عن العقل الذي يعيش ترسبات امتلاك الحقيقة حتى في حوارات الأديان التي تسعى إلى التقريب بين الديانات وردم الهوة, يظل الإيمان بالاختلاف بعيدا عن المغزى الحقيقي له من تعدد الآراء وتقديم التنازلات للمنطق وفسح مجال احترام اختلاف أراء الآخرين , حيث يبقى الإشكال الجوهري في الخطاب الديني اتسامه بالتعدد والتشعب إلى درجة الخلاف بدل الاختلاف ,فكثيرا من الحوارات باءت بالفشل نتيجة الانطلاق من المطلق والاستعاضة عن النسبي ,وهو ما يتبين بجلاء في صراع المذاهب من داخلها إلى صراعها من داخل القطر الواحد مع مذاهب و ديانات على النقيض ,ترمز إلى ديمومة الوجود الدائم للخلاف بين هذه الأقطاب والتشكيلات المتنوعة من الخطابات , مما شكل عائقا أمام تقدم الخطاب الديني الذي يحوي عوامل التخلف المتلاصقة به جراء الفهم الخاطئ لفلسفته وفلسفة الإنسان الذي ولد حرا غير مقيد بعامل من هاته العوامل .
,ولتجاوز أزمة الخطاب الديني ككل, مسلمين ومسحيين يهودا وبوذيين سنيين وشيعيين.. فلابد من إعمال عامل احترام الرأي والرأي الآخر المضاد , وتقديم العقل على الأساطير والأوهام , والتخلي عن ادعاء الحقيقة وامتلاكها والانطلاق من النسبي لا المطلق والاحتكام إلى العقل والاعتراف بوجود الغير واحترام معتقداته الفكرية والعقائدية أرضية أم سماوية كانت لا لشيء إلا للوصول إلى مجتمع يؤمن بالاختلاف ويديره من أجل حاجة الحقائق التي تظل دائما نسبية لان حقيقة الأمس هي خطأ اليوم , والحقيقة خطأ مصحح كما يقول الفيلسوف "Gaston Bachelard " وهي عموما إشكالات يعيشها الواقع الديني المعاصر كلما زاد فيها الحوار تقربا زادت الهوة اتساعا لا لشيء إلا لمعتقدات خاطئة ومنطلقات لا تتأسس على أرضية العقلانية والبرهان .
فلا غرو إذن أن مفهوم الاختلاف وكغيره من المفاهيم في المجتمعات المتخلفة يعيش أزمة مفهوم حتى على مستوى التصور الإنساني والتمثلاث التقليدية حول الكون والكائن وحوارات السماء والأرض التي طبعت باختلاط الرؤى بما هو قائم من معتقدات سابقة عن هذا الحوار , و بفضل عوامل الموروث التاريخي والتراكمات من التقاليد والعادات والذي بسط فكر السلطة الأحادية في المجتمع وذلك من منطلق الادعاءات المطلقة بالحقائق حينما يدعي رجال الدين المعرفة الدينية ويقومون باحتكارها كفكرة لا تقبل النقاش ولا الجدال ,وكما يفعل الساسة السياسيون الذين يرون في مشروعهم خلاصا للمجتمع ورفاها من العيش ورغدا كريما على مقاسهم وتصورهم ,والملوك الذين ليسوا عرضة للنقاش لأنهم مقدسون ملائكة معصومون من أي خطأ وخطيئة, ودساتيرهم التي لا يأتيها الباطل قران منزل لا يصح إلغائه وتبديله ولو لم توافق إرادة الجماهير بل هي ضد الإرادة الحرة للاختيار الشعبي بلا ريب ,كما هو الحال في النظام السياسي المخزني المغربي الذين يحكم البلاد والعباد بقبضة من حديد ,ولا يجعل للمشاريع والآراء التي تخالفه منفذا ولا مخرجا ,تلكم إحدى السمات التي يصادر فيها الرأي المخالف في مجتمع يعيش في المستنقعات ولا يعي المفهوم الحقيقي للحياة ,إلا من فكرة الخلاص للغير .
و للإعلام نصيب وافر على مستوى مصادرة الرأي والحريات السياسية و الثقافية والدينية كحرية المعتقد التي ينظر إليها بجانب أحادي وبمفهوم مطلق لا تحترم فيه إرادة الغير ,بل للدولة كامل الصلاحية في التدخل في شؤون الغير بسبب اختلاف بسيط أرادت أن تبسط فيه المعتقد الإيديولوجي الذي تؤمن به ,وكما يعمل الإعلام الرسمي جاهدا على تشويه صورة الآخر وهو الذي يتولى تصريف الخطابات لعلية القوم الذي يقبضون السيوف خوفا من اختلاف العوام على عروشهم وهو على خط أحادي يقوم على تنقيل صورة الحاكم على أنه هو الملهم والعبقري هو البديل لكل البدائل .
فالإعلام هنا , وفي المجتمعات السلطوية التي يدور الإشكال المركزي فيها حول الحكم أي بعبارة أبين مجتمعات اللاديمقراطية , تعيش تضليلا على مستوى مفهوم الاختلاف والرأي أي مجتمعات لم تجد صياغة التوافقات والتنازلات من اجل احترام القيم الإنسانية والإرادة الحرة في تبني المشروع الذي يبقى عليه التوافق النسبي والذي يضمن التعايش السلمي بين الأفراد والجماعات .
فحتى على المستوى التربوي يظل الرأي المخالف منبوذا في البيت والمدرسة والأسرة ..الكل يدعي بصواب رأيه وخطأ رأي غيره صواب الشيخ وخطأ المريد .. في عملية تخلخل التوازنات منذ البداية ,وهي ثقافة تربت عليها الشعوب المتخلفة , ينمطون الحياة في كلامها ومغزاها حتى افقدوها المعنى ,يرمون بالحجر من اختلف معهم ,ومن لم يسر على هديهم ,ومنها من يصل حد التعصب والتكفير ,لأنك لست على مذهبه ولا على ملته وهديه ,هكذا يريدون أن يكون الانسان سلعة تحركها الأيادي على سكة واحدة وملة موحدة ,لا لشيء لان الاختلاف إبداع في آخر المطاف يبرز فيها الإنسان تميزه العقلي والروحي والجسدي في تنوع طريقة اللباس والتفكير والعلاقات الحميمية والعاطفية وغيرها.. مما يجعل الإنسان يعيش الرقي فيما هو يختاره ويتخذه نهجا ومنهجا .
لا جرو أنها عوامل ترسخ على جميع الأصعدة لعقدة الانتقال نحو مجتمع الديمقراطية مجتمع تحترم فيه حقوق الإنسان والحريات الجماعية والفردية ,ويكون أساسه التربية على قيم المواطنة وعلى مبادئ الديمقراطية و احترام الغير ,لان الأنظمة المستبدة هي صورة مجتمع مصغر ومشروع جنين يكبر في وعي وعقل كل واحد ينتمي روحه وعقله إليه , فلا مناص من توسيع المدخل الثقافي وتشخيص الوضعية على مقاس ما هو كائن لإيجاد صيغ ما يجب أن يكون وذلك حول تجديد آليات الاشتغال من داخل وعي الجماهير و من أجل إتاحة الاختيارات المناسبة لمشروع نهضوي لا يؤمن بقدسية الأشخاص ,ولا بالرأي الذي لا يقبل النقاش ,من أجل أفق هدم البنيان الذي يتأسس على أحادية الخطاب والتصور المشوه للديمقراطية الذي يناقض المشروع المجتمعي الذي نسعى إليه جميعا عبر إدارة مكونات القوى المجتمعية الديمقراطية أفرادا ومنظمات و التي تعمل على نشذان الحرية والعدالة والديمقراطية فعلا لا شعارا خارج إطار ما هو قائم من سياسات النظام السياسي (système politique) القائم بهاته المجتمعات .
وهو كذلك نفس المعنى في إشكالية تدبير الخلاف والاختلاف بين الديانات بجعل مفتاح التنازلات أساسا للحوار, والمنطلق النسبي جوهر رأب الصدع ,من أجل السلم الديني والاجتماعي والتعايش المجتمعي في احترام البعض للبعض ,لا تذويب ولا إقصاء بل تعايش كأسمى حل تسعى إليه الإنسانية جمعاء.
إن الاختلاف حقا أرضية تبرز كلما كانت الحاجة إلى تجاوز التعصب والاتجاه نحو الانغلاق ,لترسم معالم طريق واضحة ,وإطار يضم الجميع رغم اختلاف عقائدهم الدينية والسياسية واختلاف نظرتهم إلى الحياة ,هي نواميس أزلية تجعلنا نتوافق ونتحد ضد الاستبداد وضد القدسية التي تسري في عروق الذين نختلف معهم علنا نجد فجوة لاقتلاع الحصون وهدم البنيان وتصحيح المسار متى تحقق شرط الوعي بجوهر الاختلاف الذي ذاته نختلف عليه .

اسرار عبداللطيف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر