الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنجان قهوة

فاتن واصل

2013 / 8 / 18
الادب والفن


الصباح .. كنت أقف فى الشرفة حين مر، طويل القامة بانحناءة خفيفة فى أعلى ظهره ـ فى الحقيقة أطول من الصورة التى اعتدنا عليهاـ أنفه طويل شعره وشاربه أشيبين بالكامل ، على وجهه ابتسامة وله طلة مهيبة بعيون واسعة لها حدة عيون الصقر و إن كانت الابتسامة تضفي على ملامحه طيبة رغم هيبته، يرتدي قميصا أبيض اللون واسع بنصف كم ، وبنطلونا رماديا وساعة يد بأستيك جلد أسود، يتحرك بهدوء بين لفيف من الناس- يتركون إنطباعا بانهم- قصار القامة، يدورون حوله ويتزاحمون ليحتموا- من وهج شمس الصباح - في ظله الضخم ، رفع عينه نحو الشرفة ، إستبد بي وجل للوهلة الأولى وخوف لكني بادلته الابتسامة بمثلها وبجرأة لم اعهدها فى نفسي سألته :
- إلى أين ؟
فرد بود :
- رايح أقعد ع القهوة
دعوته لكي يحتسي فنجانا من القهوة لدينا .. ضحك ورد بصوت هادئ لكنه حاسم :
- وحتعرفي تعمليها ؟
وكأني سقطت فى هوة سحيقة انحبس صوتي لحظة أن فكرت أن هناك إحتمال لقبوله الدعوة وفى أن هذا قد يكون إختبارا حقيقيا لي وقلت بصوت مرتعش :
- حضرتك شرفنا وجرَّب .
صعد الثلاث درجات فى السلم التى تفصل شرفة الكابينة الصغيرة التى نسكنها -كل سنة للتصييف - عن الشارع الذى يعج بالناس الراغبين في الصعود معه لكن بإشارة منه أبقاهم فى إنتظاره، جلس بارتياح على الكرسي الأسيوطي العتيق والذى تآكلت أخشابه وكلحت ألوان وسائده من كثرة تعرضه للشمس، لكن لم يفقد أصالته التى تزداد مع القدم، أسند ساعده على مساند الكرسي ونظر الى يمينه ويساره بحثا عن طفاية ،ثم أطفأ السيجارة التى كانت بين أصابعه ونظر للأفق والابتسامة لا تفارقه .
قبل ان أدخل الى المطبخ لصنع القهوة لمحت مسحة الحزن الشهيرة التى نعرفها جميعا تكلل الابتسامة الهادئة.. سألته بأدب وأنا احاول ان أستجمع ثبات ساقاي المرتعشتان:
- قهوة حضرتك ايه .
رد ببساطة :
- سادة
كنت فى منتهى الارتباك ولا اعرف سببا فالرجل يتصرف بتواضع وبساطة شخص عادي لا يليقان بتاريخه، وهذا لا يشعرني إلا بمزيد من الاضطراب ، أسرعت الى المطبخ الصغير محدود المساحة ثم نظرت حولي أبحث عن البن و " كنكة " القهوة والملاعق ..!! وكأني ذهبت لمطبخ فى بيت غير بيتنا ، لا أعرف طريق أى شئ، ثم بعد دقائق مرت دهرا من التوهان والدوران حول نفسي وجدت ما أبحث عنه فى مكانه..!!
كما لو كنت أمر فى إختبار صعب، أستعيد طريقة صنع القهوة فى ذهني مرات ومرات، أقوم بتحضير الصينية وأختار فنجان ، أنظر له بإمعان وأديره فى يدي خوفا من خدش أو شرخ ، أغسله عدة مرات، أشعل البوتاجاز ثم أطفئه وحين أبدأ فى إعداد القهوة أكتشف اني نسيت نوع القهوة التى طلبها ..!!
- هل قال عالريحة ؟ أم سكر زيادة !! لأ لأ قال سادة .. لأ عالريحة .. أخرج أسأله تاني ؟ عيب يعني معقول رئيس جمهورية يطلب طلب وأنا لا أركز فى طلبه وأجري كالحمقاء دون ان أقوم بنقش طلبه فى عقلي وقلبي !! ما هذا الغباء .
والآن إذا خرجت وسألته عن قهوته مرة أخرى سيظن أني أستهتر بالشرف الذى منحني إياه أو قد يضيق ويقرر ان يمضي دون ان يشرب القهوة ويندم أنه منحني ثقته.
ماذا أفعل ؟ هل أعد كل انواع القهوة واخرج له بها كالبلهاء ليختار ؟ وكيف سيرضى بعد ذلك ان يتذوقها.. اكيد سيظن أني مجنونة أو غير مقدرة للمسئولية.
أعددت فنجانا على الريحة ولا أعرف لماذا خمنت ذلك ولكن حين صببته فى الفنجان ، كان الوجه مخترقا بدائرة سوداء ..!! الوجه غير مكتمل .. هل سأقدم قهوة بدون وجه .. سيقول أننا لم نتعلم الاتقان لأبسط الأعمال.
شعرت بضيق تنفس ومادت بي الأرض ومن شدة الخجل شعرت أن أطرافي تتجمد ولا أقوى على تحريكها لعمل القهوة او حتى الخروج لسؤاله .. قررت أن أعد ثلاثة أنواع من القهوة حتى لو إستغرقت وقتا اطول من المتوقع، خرجت حاملة الصينية لكن راعني ما وجدت عند خروجي، السيسي يجلس على الكرسي الأسيوطي بدلا منه مرتديا زيه العسكري وفى إنتظار القهوة.
فتحت عيني مفزوعة على صوت زوجي يوقظني قائلا :
- مالك !!
سألت وانا بين النوم واليقظة:
- تفتكر لسة عندنا بن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حلم جميل عزيزتي فاتن واصل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2013 / 8 / 18 - 06:43 )
ما كنا نتجرّأ( ولو في الحلم) أن ندعو إلى فنجان قهوة رئيس من الرؤساء العرب أو حتى أحد أعوانهم
لذا أرى أن جرأتك في الحلم على دعوة الرئيس ثم حلول السيسي مكانه دليل على تلاشي عامل الخوف والرهبة
هذا تفسيري الأول
أما اللخبطة التي اعترتك فنسيت طلب الضيف فما هي إلا لكونك محتارة في كيفية إكرام الرجل، فكان الحل الأوفق أن تكرميه فوق طلبه وهو يستحق، فما قام به من أجلكم سيكتبه التاريخ بأحرف من نور رأيت بعضه في حلمك
احتاطي بشراء القهوة، فليس ببعيد أن يتحقق الحلم
كيف ترين تفسيري ؟؟
مع التحية والرجاء أن تتابعي حضورك العزيز


2 - نعم .. احتاطي بشراء القهوه
حامد حمودي عباس ( 2013 / 8 / 18 - 08:36 )
سرد جميل لحلم اجمل .. احلى ما فيه خاتمته البالغة الاتقان .. تقبلي اعجابي الفائق بما تكتبين ، مع تمنياتي لمصر بالنصر على اعدائها لتشربوا قهوة الصباح مع رئيس لا يعرف للظلم من سبيل


3 - الاستاذه فاتن واصل المحترمه
جان نصار ( 2013 / 8 / 18 - 09:59 )
اعتقد اننا معظم حياتنا نقضيه في الاحلام لكن ما يجري على ارض مصر الحبيبه هو كابوس ارجو ان نصحوا منه بأقل الخسائر وتعو مصر الى واجهة الامه العربيه صاحبت اعرق واقدم واعظم خضاره في التاريخ.الاحلام هي جزء من الحقيقه ارجو ان تتحقق احلامك واحلام كل المعذبين في الارض لاننا نستحق حياة افضل.
تحياتي ومودتي واحلام سعيده يمكن ان تتحقق


4 - الاستاذة المحترمة ليندا كابرييل
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 18 - 10:13 )
لم أعتد تفسير الأحلام ولكن هناك ما يؤرقني ألا وهي تلك الدائرة السوداء التى اخترقت (( وش القهوة )) ماذا تظنينها هل هي فعلا عدم إتقان ؟ أم أنها إختراق لدرجة الافساد ؟ أم عدم نحقق ما كان فى ذهن الزعيم بل ربما تم اختراقه، الأحلام = تحقيق رغبة مكبوتة فهل تظنين اني أتمنى بعقلي الباطن ان يحل السيسي فى مكانة عبد الناصر ؟ وهل نحن فى حاجة فى هذه المرحلة السياسية الراهنة التى تغيرت وتبدلت وتاثرت باللانهائي من العوامل والتطورات لأن نكون ما كناه من أكثر من ستين سنة ؟ أليس هذا معناه أننا مازلنا محلك سر ذهنيا وسياسيا ونضجا ؟ شخصيا أرغب فى أن أرى مصر ضمن صفوف العالم المتقدم مستقلة اقتصاديا ونسبة الأمية فيها = صفر والفقر اختفى ولم يعد هناك من يتحكم فينا سياسيا ....... واعلم انه حلم بعيد المنال .. فهل لديكِ تفسير لهذا الحلم .. سعدت بتعليقك وتفسيرك وهنا إضافة جديدة لمهاراتك الرائعة فى الكتابة.


5 - الاستاذة المحترمة ليندا كابرييل
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 18 - 10:13 )
لم أعتد تفسير الأحلام ولكن هناك ما يؤرقني ألا وهي تلك الدائرة السوداء التى اخترقت (( وش القهوة )) ماذا تظنينها هل هي فعلا عدم إتقان ؟ أم أنها إختراق لدرجة الافساد ؟ أم عدم نحقق ما كان فى ذهن الزعيم بل ربما تم اختراقه، الأحلام = تحقيق رغبة مكبوتة فهل تظنين اني أتمنى بعقلي الباطن ان يحل السيسي فى مكانة عبد الناصر ؟ وهل نحن فى حاجة فى هذه المرحلة السياسية الراهنة التى تغيرت وتبدلت وتاثرت باللانهائي من العوامل والتطورات لأن نكون ما كناه من أكثر من ستين سنة ؟ أليس هذا معناه أننا مازلنا محلك سر ذهنيا وسياسيا ونضجا ؟ شخصيا أرغب فى أن أرى مصر ضمن صفوف العالم المتقدم مستقلة اقتصاديا ونسبة الأمية فيها = صفر والفقر اختفى ولم يعد هناك من يتحكم فينا سياسيا ....... واعلم انه حلم بعيد المنال .. فهل لديكِ تفسير لهذا الحلم .. سعدت بتعليقك وتفسيرك وهنا إضافة جديدة لمهاراتك الرائعة فى الكتابة.


6 - الاستاذ المحترم حامد حمودى عباس
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 18 - 10:52 )
مرورك أسعدني، وان احظى بتقدير فنان فى قامتك لهو شرف أكثر من رائع .. أتمنى ان تمر بلادنا من هذه المحنة وتستقر المور وتاكد ان هذا الاستقرار لو حدث فى مصر فسوف ينعكس على كل البلاد العربية واولها الشقيق العراقالوطن الثاني للمصريين. تحياتي وشكرى على المرور.


7 - الاستاذ المحترم جان نصار
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 18 - 11:00 )
صدقت إنه كابوس بمعنى الكلمة وليتنا نملك الاستيقاظ منه سريعا قبل أن تقضي أحداثه على المزيد من الضحايا، هذه هى أوجاع المخاض، دعنا نحلم بمولود نقي غير ملوث بترهات الإسلام السياسي يعرف طريقه الى التحضر والتنوير بيسر وسلاسة.. دعنا نحلم بوطن خال من الفقر والتخلف والمية ، دعنا نعمل لتحقيق الحلم وتلك دعوة لكل الناس من مختلف الأعمار ولا يجب ان يقول اى منا أن هذا هو دور فئة بعينها او فصيل بعينه أو أى من الكلام الذى يدل على اليأس والقنوط.. مصر تحتاج لكل سواعدها. شرفت بمرورك والتعقيب.


8 - الاستاذ المحترم جان نصار
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 18 - 11:00 )
صدقت إنه كابوس بمعنى الكلمة وليتنا نملك الاستيقاظ منه سريعا قبل أن تقضي أحداثه على المزيد من الضحايا، هذه هى أوجاع المخاض، دعنا نحلم بمولود نقي غير ملوث بترهات الإسلام السياسي يعرف طريقه الى التحضر والتنوير بيسر وسلاسة.. دعنا نحلم بوطن خال من الفقر والتخلف والمية ، دعنا نعمل لتحقيق الحلم وتلك دعوة لكل الناس من مختلف الأعمار ولا يجب ان يقول اى منا أن هذا هو دور فئة بعينها او فصيل بعينه أو أى من الكلام الذى يدل على اليأس والقنوط.. مصر تحتاج لكل سواعدها. شرفت بمرورك والتعقيب.


9 - فاتن واصل : تتمنين للسيسي مكانة عبد الناصر
ليندا كبرييل ( 2013 / 8 / 18 - 11:26 )
الدائرة السوداء على( وش القهوة) هي التعبير عن القلق على الوطن
حان الوقت أن يظهر لنا قائد فذ يقود الجماهير المتشوقة للانعتاق من التخلف والجهل والتطلع إلى النور ككل خلق العالم
ولمَ لا يكون السيسي؟ كلكم فوضتموه على تولي الأمر،
إنه قلقك على الوطن عزيزتي وثقي أن نجاحكم سينعكس على كل بلد عربي آخر

حلمك للأسف بعيد المنال، مصر بلا أمية، ولا فقر، ولا هيمنة ديكتاتورية، ولا تمييز ديني....
لكنه ليس مستحيلاً
قد لا نراه في أولادنا متحققاً ، إلا أني أرجو وأتمنى لأحفادنا هذا الوطن النظيف
وعلى عاتق جيلنا تقع المسؤولية لنهيء الطريق لمثل هذا المستقبل
عندي إيمان شديد بالإنسان المصري رغم كل القيود التي تشده إلى قعر الهاوية

تحياتي لك ولحضرات المعلقين الكرام


10 - خربشات جميلة
رويدة سالم ( 2013 / 8 / 20 - 20:27 )
اعجبني حلمك سيدتي الفاضلة وخاصة خاتمته.. اني اجدها رائعة
عندنا بن لكن نسينا في فوضانا اين وضعناه
يوما ما سيعود لنا العقل بعد شتات وبعد دفع الثمن المتوجب دفعه للوصول الى الاستقرار وسنتذكر اين تاهت منا ماهية الاشياء والقيم والمعاني
انتظر المزيد منك واثق انا المدمنة على القهوة بشكل هوسي انك ستقدمي لي احلى قهوة عزيزتي فاتن
مودتي


11 - الأستاذة المحترمة رويدة سالم
فاتن واصل ( 2013 / 8 / 21 - 19:04 )
يشرفني ويسعدني أن أستطيع تقديم قهوة تعجبك لك وسيسعدني أكثر أن أقدمها لك لو أسعدتينا بزيارة لمصر ، الثمن هو الأفدح لكن لابد من دفعه فنحن عشنا فى غفلة سواء بمشيئتنا أو بدون علمنا لكن فى النهاية النتيجة كما نعيشها اليوم فى مصر فالأنظمة الحاكمة مهدت لما نحن فيه من أوضاع متردية .. فقد تركوا هؤلاء المسعورين ليتجذروا بمخالبهم الوحشية وأهملوا التعليم ودمروا كل حق للمواطنين ومسحوا الكرامة الانسانية بترك الفقر والبطالة تأكل الناس وتدفعهم نحو هؤلاء المسعورين لينهشوهم وينهشونا معهم... لذا فأنا أتفق معك مائة بالمائة فى ضرورة دفع الثمن مهما كان باهظا ولكن فى سبيل البناء على أساس نظيف نقي لأبناءنا وأحفادنا الذين لا نرضى لهم ما عانيناه.
أسعدتنى إضافتك ومرورك الكريم.

اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب