الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة المجازر

سيومي خليل

2013 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يجب أن لا يسال الدم من أجل الحق في إبداء الرأي الخاص ،وإدانة القتل توجبها صفتنا الإنسانية عموما ، والإبتعاد عن إزهاق الروح بكافة السبل يتخطى التبريرات التي تساق من أجله ، لذا وُضعت تشريعات وقوانين تحاصره ، وتُموضعه في خانة صفات الهُمج ، وتدين أصحابه بالميل عن التمدن والتحضر ...إنه في المجمل أسوأ ما يمكن للإنسان إجتراحه في حياته .

هكذا أدين قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية ، وهذا لا يعني أني مع حركة الإخوان والمعتصمين ، ولا يعني أيضا أني ضد العسكر ، لأن المعادلة بهذه الطريقة ،والتي يلخصها السؤال الساذج التالي ،والذي انتشر بسرعة ؛ هل أنت مع الشرعية أم مع العسكر ؟؟؟ سؤال غير موفق إطلاقا ، وغير صحيح ، مهمته الأساسية هي أن يجعلك تلخص الأزمة في إكلشيهات تعبوية لا أقل ولا أكثر .

القتل هو المدان الأول ، والقاتل هو مجموعة من الأطراف صنعت المجزرة في ميدان رابعة العدوية ، ورأت في عدد القتلى أهدافا مسجلة ، سيتم إستغلالها بشكل أو بآخر .

لقد صنع الإخوان أولا المجزرة ، وبصمات مسؤولي الحركة واضحة على جثث القتلى . صنعت الحركة المجزرة ،كي تعلن مجموعة من الإشارات إلى الرأي العام الدولي :

-1-تعلن إنتهاك حقها في التواجد الحركي والحزبي ،وتعلن نية إستئصالها من طرف أعداء الديمقراطية ، هذا المصطلح الذي باتت الحركة تهيم به كثيرا ،و تستعمله كثيرا، رغم عدم إيمانها به،وكفرها الشديد بالفكر الناتج عنه .

-2-تعلن أن إخضاع أعضاءها للحكم العسكري غير مبرر كما تراه ،و وتعلن أن جعلهم يصمتون على فضيحة المؤامرة التي تتعرض لها مصر المحروسة ،والتي يعملون على جعلها محروسة دائما كما يتوهمون،هي الآخرى لن تكون موفقة .

-3-تعلن تمسكها بحقها في رئاسة مصر ، وفي سيادة كل المصريين ،حتى وإن خرجت يوم 30 يونيو ملايين المصريين معلنة عدم رضاها على حكم الإخوان ،وعلى حكم الرئيس محمد مرسي . هذا التمسك بالشرعية يبسط الأزمة ،والوقائع ،ويعتمد على الشرعية الإنتخابية فقط،وهي كما هو معروف غير كافية لوحدها ...

إن التمسك بالوهم أهم من صنع المجزرة ، لكن وعي الإخوان ، خصوصا المسيرين الكبار للحركة،وأقطابها المشهورين ، برغبتهم في حصول المجزرة بهذا الشكل ، هو أسوأ ما صنع المجزرة وجعلها دموية، وهو دافع عن سبق إصرار وتخطيط ، فمسؤولي الحركة جروا الأعضاء ،والمتعاطفين، والجموع المعتصمين إلى تصويب البندقية على أنفسهم ، لقد علمت الحركة أنه بحصول مجزرة كالتي وقعت في ميدان رابعة العدوية ، سيجعل رصيدها من التعاطف يزدداد، لأنها تعلم أن المواطن العربي عموما لا يفصل بين الجثة الممدة على إسمنت بارد ، وبين أسباب قتل هذه الجثة ، فتدين بشكل متسارع القاتل الواضح ،والذي لا يحتاج إلى كشف ، وتندب مع القتلة الباكين المتخفين ،وغير الواضحين تماما ، لذا كانت إدانة العسكر سريعة، وهو يستحق الإدانة ، ويجب عليه العودة إلى ثكناته ، لكن عملية الإدانة عليها أن تتم وبشكل متكامل وتطال الجميع .

لا يهم في عرف الحركات التي تصف نفسها بالدينية ،من يُقتل من أعضاءها ، فالقتلى عند هذه الحركات هم شهداء عند ربهم يرزقون ،حتى وإن قتلوا أنفسهم في معارك فاسدة ،لكن الأسوا أن من يقتل من هؤلاء الأعضاء في رابعة العدوية جروا إلى هذه النتيجة التي لم يكونوا على توقع بها إطلاقا ، لكن الكبار في الحركة كانوا يعلمون ويتوقعون هذه النتيجة ؛ فلما لم يوقفوا هذا السيل الجارف من الدم قبل وقوعه وذلك بإنسحابهم من الميدان وإجرائهم مفاوضات ستظهرهم حتما أكثر تسييسا وفهما للأحداث ؟؟؟ببساطة ، لأنهم يرون في دور الضحية مزايا أكثر،وفوائد مهمة ، ولا يرون في دور اللاعب السياسي المتعقل أي فضل .

صناعة المجازر صناعة إحترافية ، وخلق سرادقات البكاء التي لا تنتهي هواية تجيدها الكثير من الإيديولوجيات .

لقد دخل العسكر المصري في متاهة منذ فضل إسقاط مرسي ، والركوب على احتجاجات ملايين المصريين الذين خرجوا يوم الثلاثين من يونيو ،مطالبين بتنحي الرئيس محمد مرسي الإخواني، وليس بتدخل العسكر لتنحية مرسي ، لكن الفرصة جاءت مواتية، وكانت سانحة لتنفيذ العسكر ضربته الإستباقية ، وكانت سانحة أيضا للغاضبين على عزل حبيبهم حسني مبارك ، والذين سموا بالفلول – أسماء لا مرجعية سياسية لها إطلاقا –كي ينتقموا لأنفسهم . وجد العسكر الطريق معبدا كي يعلن ضرورة تنحي الرئيس محمد مرسي؛ فهل نخلط بين أحقية الشارع المصري وإحتجاجاته لعزل مرسي وبين إستغلال العسكر لهذه الأحقية ؟؟؟.

ارتكب العسكر خطأ شديدا بتدخله السريع في قضية سياسية ، ووجد نفسه مطالبا بفض إعتصام كان لا محالة سيدوم طويلا،وسيدوم إلى أمد غير محدد ، لأن المعتصمين فيه عبئوا بشكل دقيق كي يعطلوا قدراتهم على الفهم ،وعلى تحليل أوضاع بلادهم مصر .لم يبق أمام العسكر إلا زناد البندقية ، وتوزيع القناصة فوق الأبنية ،وتحريك الجنازر والدبابات، والأكيد أنه كان يعلم أن هذا تحديدا ما تريده حركة الإخوان ، وما تسعى إليه بثقلها كله ،كي تجعل العسكر مدانا أمام الشرعة الدولية ،وهو حقا مدان، وكي يتم نسيان أساس المشكل الذي كان منذ البداية ،والذي تمثل في عدم قدرة الرئيس محمد مرسي على تسيير مصر ، وعدم رضى المصريين عليه .

بأمر واضح تم إطلاق الرصاص ، وتم تحريك الدبابة جهة الجسد المعتصم ، وتم صناعة المجزرة التي خططت لها الحركة ونفذها العسكر .

حركة الإخوان خططت للمجزرة بدقة عالية، وبدأت في توزيع ألقاب الشهداء على الضحايا المتوقعين والمفترضين ، وعرفت كيف تنشيء وديانا من دموع مدرارة .

الحركة خططت ،والجيش نفذ بعنف واضح ،كي ينهي المهزلة .

قدمت التيوقراطية برامج خطة المحزرة ، وحملت الجندية السكين .

كما دائما يأتي الإعلام ، ليمهر ببصمته الأحداث بخط واضح ، والحدث هنا مجزرة بشعة . الإعلام هو من يوافق على ربط المجزرة بهذا الطرف أو بالطرف الآخر ،وهو من ينفيها عن الآخر، وهو من يعلن هذه ضحية والآخر قاتل وغاشم ، وفي هذا الإعلام تنافس المتنافسون ، بين إخوان ضحايا وعسكر متجبر وقاتل للذين من المفروض أن يحميهم ، وبين عسكر بطل وإخوان أنذال إرهابيين ...لذا وجب التنبيه مرة آخرى أن الطرفين معا ىسيذهبان بمصر إلى بركة آسنة مليئة بالدم .

إن من يصنع المجازر يؤمن بأن القتلى فيها مجرد أصفار تقع أمام رقم واحد -0000001- الذي يمثله هو نفسه ، وهو يعلم أن ما ستفشل الدبلوماسية والحوار في جنيه من ثمار ، ستجنيه أكوام من الجثث المرمية وسط ممرات المستشفيات :

-1- حركة الإخوان تعلم أن قتل أعضائها ،والمتعاطفين معها، سيجعلها أقوى ولو إلى حين ،وسيتعاطف معها الرأي العام المصري، والعربي، والدولي ، وهذا ما لم تكن ستحققه بإنسحابها من ميدان رابعة العدوية ، لكنها لو علمت لأدركت أن الإنسحاب كان سيجعلها أكثر وطنية .

-2-العسكر بفضه للإعتصام في ميدان رابعة العدوية يضيف هيبة إلى هيبته ، فهو يعرف أنه سيدان لبعض الوقت بسبب كثرة القتلى ،وليس بسبب فض الإعتصام ،الذي ربما أخذ أمرا من أطراف دولية كثيرة لتنفيذه، لكن الجميع بعدها سيشيد بقدرته على فض الإعتصامات ونزع فتيل الإضطراب ؛ يا لها من قدرة على فص الإعتصامات .

-3-الإعلام بالصور والفيديوهات التي تخدم طرف دون طرف آخر ،وتسيء لطرف مقابل طرف آخر ،يؤكد وجوده الدائم والإنتقائي والإجرامي في حق المشاهد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ