الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر (و) أمريكا.. من يحتاج من؟..

وديع العبيدي

2013 / 8 / 19
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


مصر (و) أمريكا.. من يحتاج من؟..
منظومة العلاقات الاستعمارية الموروثة..
ورثت البلاد العربية تركة الاستعمار التقليدي.. ورغم مرور قرن كامل [1914- 2013] على سقوط الدولة العثمانية، فما زالت نظرة الغرب الاستعماري للمنطقة، أنها مجرد أسلاب استعمارية متوارثة عبر الزمن [آل عثمان، هولاند، بلجيك، انجليز، فرنسه، ايطاليا، الولايات المتحدة الأميركية]. ورغم نشأة دول مدنية حديثة، وظهور حكومات وشخصيات سياسية وطنية عالمية، وتطلع شعوب المنطقة إلى مستوى عصري لائق للحياة وعلاقات متكافئة بين الشرق والغرب، استمرت الازدواجية والاستعلائية وعقدة الكبار والصغار هي الطابع العام للعلاقات السياسية الدولية في المنطقة. ورغم كلّ السلبيات والمآخذ على الأنظمة والحكومات المحلية، فأن الغرب لم يكن مستعدا للتنازل عن نظرته التقليدية (الدونية) في معاملة دولة المنطقة وشعوبها.
وعلى مدى القرن الماضي، ثبتت خرافة (الاستقلال) في أي دولة من دول العرب، وتساوت الجمهوريات والأنظمة العسكرية والثورية مع دول الممالك والأمارات التي لم تعرف الثورة وشعارات الحرية، في العودة إلى حظيرة الاستعمار القديم[انجلترا- فرنسا، والثالثة أميركا]. أما العلاقة مع الاتحاد السوفياتي/ روسيا والاتفاقيات الستراتيجية الطويلة الأمد معها، فلم تكن غير نزهة ربيعية، لم تنقذ [مصر، سوريا، العراق] من السقوط بين فكي التنين –الخارج من البحر-!.
لماذا لم تستطع دولة عربية النهوض بنفسها وشعبها بين دول العالم، دون أن تكون ذيلا أو تابعا يستظل برعاية فلان ودعم علان من دول الغرب؟.. لم يعترض العرب سياسة أو ثقافة على مكانتهم المهينة في ميزان علاقات الغرب، وعلى تغشيشهم بشراء بضائع وأسلحة من سقط المتاع، بينما يجري تأمين الأسلحة الحديثة أولا بأول لدولة اسرائيل؟..
"عبيد للأجانب هم ولكن.. على أبناء جلدتهم أسودُ" - (الرصافي الخالد)
لهذا عاد الامريكان للمنطقة في ثياب العسكر، والاحتلال الأمريكي العسكري للمنطقة. ولذا لم يجد العرب والعراقيون (!!) صعوبة في قبول التبعية للحظيرة الأميركية بعدما أتعبتهم الشعارات الثورية ودعاوى الاستقلال والتضحية والصمود. الأميركان لم يحتلوا العراق فقط، وانما كلّ المشرق العربي تحت رحمة القطعات العسكرية والقواعد الأميركية، داخل الدول وحواليها، ناهيك عن قطعات الاسطول السادس التي تتنزه دائما في مياه العرب.
"كلّ يحمل في الداخل ضدّه"!- (مظفر النوّاب)
الاستعمار هو الحماية، هكذا يفهم العرب علاقتهم بالولايات المتحدة الأميركية والعمّة بريطانيا العجوز. أميركا الاستعمارية العظمى هي حلم كثير من العرب، الأفراد قبل الحكومات. أما أن الولايات المتحدة تدعم قوى الارهاب الدولي الاسلامي وتستخدمهم لتدمير دول المنطقة وترهيب شعوبها، لتتعلم الطاعة والخضوع للجندي الأميركي جيدا ، فما زال البعض يخاتل ويماطل، منتظراً (وقوع الفاس على الرأس) ليقنع ببجاحة الأميركان. وإذا كتب النجاح للمشروع الأميركي لتغيير الشرق الأوسط ، ستكون صورة الجندي الأميركي عادية في يوميات العرب، وسوف يتعلم الأميركان، قاموس الشتائم العربية ليمزحوا مع السكان!.
الاستعمار التقليدي هو الاحتلال العسكري. والاستعمار العسكري يبحث عن قواعد ومواقع جيوبولتيكية ينطلق منها في حساباته ورسم قراءاته السياسية والاقتصادية للمنطقة. والاستعمار الاقتصادي يبحث عن أسواق مضمونة ومستقرة لتصريف منتجاته وضمان دعم وضعه الاقتصادي وقوة عملته؛ وبالتالي فرض سيطرته السياسية والعسكرية في العالم.
*
إعادة هيكلة العلاقات الدولية..
الثورة الحقيقية هي الفعل الحقيقي. الفعل الحقيقي هو الفعل، الذي تترتب عليه ردود أفعال.
هو الحركة الرئيسة في العمل السيمفوني التي تبدأ في تغيير كلّ الهارمونيكا، لتلحق بها وتتواءم معها. والحركة الرئيسة والفعل الحقيقي، هي ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيه 2013، التي..
1- أسقطت حكوماتها المحلية وغيرت الأنظمة وفرضت احترامها على المؤسسات الأمنية والعسكرية والانتلجنسيا والاعلام في البلاد والمنطقة.
2- أفشلت المخططات الاقليمية [أردوغان والاتحاد الاسلامي العالمي]، والدولية [المشروع الأميركي لتغيير/ تدمير الشرق الأوسط].
3- أجبرت الولايات الأميركية على إعادة النظر في تقدير سياساتها مع مصر، ودفع ثمن غلطتها التاريخية في معاداة مصر من أجل مغازلة عيون الأخوان المسلمين.
حسبت الإدارة الأميركية انها ما زالت قادرة على معاملة بلدان المنطقة كالخرفان، عبر توجيه الأوامر والتعليمات كما فعلت مع مبارك وطنطاوي وعنان. وأن توجيهات/ تدخلات مندوب الخارجية والمتحدث باسم البيت الأبيض هي أوامر مباشرة للعبيد في المنطقة. كيري يطلب باستعجال الاجراءات لعودة الدمقراطية. باترسون تطلب الافراج عن مرسي ومعاملة ضواري الاخوان بالنعومة والأحضان، كما فعلت حكومتها مع حمامات غونتانامو.
وفق سياستها المعسولة، تهدد بقطع المساعدات، وتمارس رياضة الترهيب والترغيب والجزرة والعصا، التي نفعت حتى قبلئذ مع الأغبياء والعملاء.
لماذا تخاف الولايات المتحدة والغرب الاستعماري من المستقلين بالوعي والشخصية، والثوري الزاهد بعرض الدنيا، والقائد العسكري الشريف؟..
الغرب لا يحبّ الشريف والنظيف.. لأنه يفضح وساخته وانحطاطه الاخلاقي. كما الظلمة لا تحب النور، لأن النور يكشف أعمال الظلمة!.
الوعي المصري الذي نما بسرع مضاعفة خلال العقود الأخيرة، أدرك أن سبب معاناته الحقيقي، وسبب استشراء الفساد هو القروض الأميركية. القروض الأميركية ومساعدات البنك الدولي ليست للخير وانما للشر والتدمير الأبدي. لماذا..
كل القروض والمساعدات الدولية مشروطة بتدخلات مهينة واجراءات قسربة في السياسة الداخلية للبلاد.
القروض والمساعدات وحسب شروطها تذهب إلى جيوب حاشية النظام [لاحظ تراكم ثروات زوجات الرؤساء والملوك والمقربين منهم] مما يدعم ظهور طبقة رأسمالية تجاربة طفيلية في حاشية النظام، تسخر الدولة والاقتصاد وكلّ شيء لخدمتها.
ان جانبا من المساعدات هو في حالة سلع ومنتوجات استهلاكية، تحكم تبعية السوق الوطنية وذائقة المستهلك لمنتجات الاقتصاد الأميركي، وكما كشفت التقارير مؤخرا، وجود عشر شركات أميركية كبرى تعتمد بشكل رئيس على تمويل السوق المصري، وتتضرر اقتصاديا بالقطيعة مع مصر. ويترتب على هذه النقطة ارتفاع النزعة الاستهلاكية في البلاد، وتعوّد المصريين على نمط من الاستهلاك (علم نفس المستهلك).
تدمير الكثير من الحرف اليدوية والورشات الانتاجية الصغيرة وتراجع الناتج المحلي، بسبب اغراق السوق بمنتجات أجنبية مستوردة، رخيصة الثمن. ويلحظ أن علاقة القروض الأميركية لمصر – منذ عهد السادات- أفرزت ظاهرة تصدير العمالة نحو الخارج، لتدمير فرص العمل المحلية في الاقتصاد الخاص، واحتكار وظائف الدولة من قبل حاشية النظام [الفساد الاداري] والسمسرة على حساب الدولة.
وقد بدأت الثورة بشعارت عمالية بنيوية تطالب الدولة بتوفير فرص عمل للبطالة المتزايدة. وفي الثورة الثانية، أدركت أن جذور الأزمة لا تتوقف عند فساد النظام، وانما في تبعية النظام الاقتصادية والسياسية للغرب الاستعماري.
فالقروض والمساعدات الخارجية – حتى لو كانت مجانية- ، هي سموم و(دود) يمتص دماء المجتمع وكيان الدولة، حتى تسقط أسيرة الديون والتبعية أو العبودية التامة. فكانت المواجهة في الثورة الثانية ليست مع الأخوان وجماعة مرسي فحسب، وانما مع الغرب الاستعماري، الذي كان من الغباء المريع، أن جعل رجله تزلق في هاوية لا يتوقعها، باندفاعه المريض لحماية شراذم الاسلام السياسي ومطايا الأرهاب الدولي، واستسهل، بغباء مطلق، الاستهانة بثورات الشعوب [ثورة حية لأربعين مليون مصري]، وتفضيل حفنة مأجورين على بلد تاريخي مؤسس للحضارات مثل مصر الفرعونية.
القيادة المصرية الجديدة المدعومة من أغلبية شعبها ترفض الخضوع لاملاءات الأميركان، وتعلن استغناءها عن المغريات الأميركية، وتعتبر السفير الأميركي في مصر شخصا غير مرغوب فيه. هل سبق لأحد أن يهدد الادارة الأميركية على صفحات الواشنطن بوست، بقوله أن الشعب المصري لن ينسى أو يغفر للأميركان فعلتهم مع مصر!. وإسرافا في النكاية بهم، يذهب مبعوث مصري يحمل رسالة للادارة الأميركية، فحواها أن مصر تفكر في الاستغناء عن المعونات الأميركية!.
ومن الجانب الآخر، يأتي التعهد الروسي بتقديم كامل الدعم العسكري للقيادة المصري، وقرار اجراء مناورات روسية مصرية مشتركة في نفس موعد المناورات العسكرية الأميركية المصرية الملغاة من قبل اوباما. إذا كان جماعة الاخوان المسلمين يريدون حرق أرض مصر انتقاما لخسارتهم الكرسي. فان الإدارة الأميركية التي عقدت اليوم [الثامن عشر من أوغست]، اجتماعا خاصا حول مصر، تكون قد أحرقت أرضية علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع مصر.
فهل تندفع في برنامج العنف المباشر، لتقع في نار المواجهة الدولية مع نيران الاسطول الروسي، الأمر الذي تفاداه كل رؤساء أميركا طيلة الحرب الباردة؛ أم أنها تلجأ للمناورة وتكليف جهات اقليمية للتوسط. ان ورقة هؤلاء الوسطاء احترقت قبل ورقة أميركا نفسها. ليس أمامها غير التراجع، والمساومة، والتخلي عن الاخوان، ومحاولة استرضاء العسكر والشعب المصري.. ولكن.. ليس الأمر بالسهولة!..
أين هو مبدأ التكافؤ بين الدول، في ميزان العلاقات الغربية الميركية مع الدول العربية؟..
مَنْ يحتاج مَنْ؟..
الذي يحتاج أكثر يجب أن يتذلل ويتنازل أكثر.. وعليه قبل كلّ شيء أن يحترم الآخر، ولا يستعلي عليه، ويخلع من أذنه، قرط الأخ الأكبر. أميركا تحتاج العالم لتصريف منتجاتها الاقتصادية الفائضة عن حاجتها المحلية، أو تبدأ برميها في البحر.
هي بحاجة إلى أسواق، والمنطقة العربية سوق رخيصة..
ولكن هناك منتجون كبار غير الولايات المتحدة وغير بلدان الغرب الأخرى. على الغرب أن يكون شريفا ومحترما في علاقته مع البلدان الفقيرة، قبل أن يخسر أسواقها. وتنتقل القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية بحكم غبائه الاستعماري العنصري إلى الشرق.. روسيا والصين واليابان!..
تستطيع الدول الفقيرة أن تعود إلى فقرها بكل امتنان، طالما الفقر يحفظ الكرامة والشرف!..
ويستطيع الناس العودة إلى إحياء حرفهم اليدوية ومصنوعاتهم الوطنية المحلية التي دمرتها الرأسمالية العالمية والاستعمار البغيض. كلّ ما تحتاجه الشعوب هو الصحوة من سكرة الغباء واللعب الأجنبية، ومرض النزعة الاستهلاكية المدمرة..
يقول أحد المصريين.. كيف يتحدث الغرب عن الدمقراطية، وهو لا يحترم إرادة الشعوب، وثوراتها.
في العراق.. استخدم الأميركان الدمقراطية للقضاء على الثورة، الدمقراطية الرجعية اليمينية..
ان الساعة تدور الآن حسب توقيت مصر..
أنها لحظات تاريخية، تعيد ترسيم صورة العالم والمستقبل، وعلى العرب الاتفاق لتدعيم ثورة مصر!.
ومن مصر الثورة.. ليتعلم العالم، الغرب والعرب أولاَ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تنجو من قبضة أقصى اليمين.. وماكرون في أزمة! #منصات


.. نزوح للسكان من قرى كردية في العراق مع توسيع الجيش التركي عمل




.. لبناني انتقد حزب الله فتعرض لضرب مبرح! #منصات


.. السنوار تحت الأرض -لا يعلم- خسائر غزة.. ونتنياهو يُبعَث من ج




.. بالصواريخ بوتين -يشعل- كييف.. وزيلينسكي -يلجأ- لبولندا !| #ا