الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق شخصية (2)

وديع العبيدي

2013 / 8 / 19
سيرة ذاتية


وديع العبيدي
أوراق شخصية (2)
إلى جانب المطالعة، كانت هناك أمي وحكاياتها وأشعارها وقصص العائلة. فكنت أنصت لأحاديثها وذكرياتها، وأحاول أحيانا تسجيل بعض الأشعار (خوريات) التي ترد في حديثها. وذات مساء، حدثتنا عن أخت شقيقة لنا أكبر منا، كان اسمها (إلمام) توفيت وهي صبيّة. وكانت أختي الكبرى تتذكرها أيضا، وتبادلا الحديث عنها وعن ذكائها وصفاتها وعن عمرها اليوم، لو بقيت في الحياة. كان ذلك أحد أيام الشتاء، ونحن ننام داخل الغرف. وكنت أضع بجانب رأسي على السرير كتبي وأوراقي.
في تلك الليلة حدث شيء غريب، شيء بين الحلم واليقظة.. فقد مددت يدي إلى دفتر، فتحته على صفحة في وسطه، وكتبت أشياء وأنا شبه نائم أو حالم.. وواصلت النوم. لأني لم أقم من فراشي ولا فتحت النور.
ونهار اليوم التالي نظرت في الدفتر وقرأت تلك الخطوط المتداخلة.. ثم أخبرت شقيقتي الكبرى عنها، فقالت لي هذا شعر.. ثم أخذت الدفتر وأسرعت إلى خارج الحجرة حيث والدتي وصارت تقرأ لها ما كتبت.. وكانت بدايتها هكذا..
إلمام أحيي.. لا تموتي..
أنا أشتاق إليك..
إلمام عودي..
وصارت والدتي تبكي.. وأختي تبكي.. وبكيت أنا كذلك، حيث بقيت لوحدي في الحجرة.
انتشر خبر تلك القصيدة في العائلة.. بينما بقيت مع نفسي مشدوها كيف كتبتها وأنا نائم.. وكنت أفكر كيف يكتب الشعراء والكتاب.. ون أين يلهمون تلك الفكار والعبارات.. فهل يحدث لجميعهم كما حدث معي!!.
بدأت أفكر في الكتابة كثيرا، وأبحث عن الفكرة والكلمة.. وأنتظر أن تواتيني الكتابة ثانية وانا نائم..
وبدأت أبحث عن كتب أدبية فنية تساعدني في تعلم الكتابة وشروطها الفنية. وكانت شقيقتي يومها في الخامس الأدبي، فاستعنت بكتبها في النقد الأدبي وتاريخ الأدب العربي وأوزان الشعر وعروضه، من مؤلفات محمد مندور وطه حسين وصفاء خلوصي وآخرين.. وأكثر ما استغرقني كتاب العروض لصفاء خلوصي والتقطيع الشعري. حفظت أوزان الشعر وأشهر بحوره وبدأت في نظم أبيات صحيحة وأعرضها على شقيقتي، وكانت تشجعني وتفرح بمحاولاتي.
وعندما أكثرت من تلك المحاولات، بدأت أعرضها على مدرس اللغة العربية في المتوسطة – الاستاذ ظاهر/ متوسطة الانتصار في بعقوبة-، فيصحح لي ويقدم لي نصائحه وملاحظاته. وكان للمدرسة عموما الدور الأكبر في تشجيعي في الكتابة والقراء أمام الطلبة والمشاركة في النشاطات المدرسية.
كان للاستاذ ظاهر صبر كبير وقلب أبوي رعوي جدير بالتقديس. كان هو مدرسي، ولكنني لا أنتظر حضوره للدرس، وانما أسأل عنه في الادارة لأعرف في أي صف هو، ثم أمضي إليه وأطرق الباب، واسلمه القصيدة، وفي اليوم التالي أعود إليه بنفس الطريقة وأطرق بابه أينما كان ويخرج للحديث معه.
في تلك الايام كنت متحمسا، ومقتنعا بما أفعله، وواثقا من محبته وتعاونه معي. ولم يكن شخصي يخلو من عناد وغرور، بقدر أو آخر. ذات يوم، طرقت الباب، وتأخر في الخروج، وعدت أطرق مرة وأكثر. لم أكن لأعرف، أو لأهتم إن كان لديه امتحان أو درس غير عادي أو أي ظرف شخصي. وبعد وقت انفتحت الباب، وكنت أتحسب غضبه أو انفعاله، فإذا به يبتسم –مقابل عبوسي وانفعالي- وهو يقول:
غاضب لو تكلّما لفظ النار والدما
هو بالبابِ واقفُ والردى منه خائفُ
فاهدأي يا عواصفُ خجلا من جرأته!
فشعرت بالخجل منه.. وانحرجت كثيرا.. ولكنه أخرج الورقة من جيبه وصار ينبهني لهذا البيت وذاك، من ملاحظات عروضية أو تعبيرية، واقتراح استخدام كلمة بدلا من هذه.. كان أساتذة اللغة العربية والأدب العربي على مدى حياتي الدراسية هم بمثابة آبائي الروحيين في توجيه ودعم وتشجيع تجربتي وشخصيتي الأدبية، مما أعتز به طيلة حياتي. وهم الاستاذ ظاهر والاستاذ عباس الدوري والاستاذ عبد الرحمن البهرزي (متوسطة وثانوية الانتصار في بعقوبة)، والاستاذ الدكتور حسين (اعدادية ابن رشد في بغداد/ استاذ في الجامعة المستنصرية حاليا)، والاستاذ الدكتور شجاع العاني (كلية الآداب في جامعة البصرة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه