الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق شخصية (3)

وديع العبيدي

2013 / 8 / 20
سيرة ذاتية


وديع العبيدي
أوراق شخصية (3)
كنت منذ الابتدائية متفوقا في كتابة الانشاء/ التعبير وأحصل على أعلى الدرجات. وغالبا ما كان الاستاذ عدنان في الابتدائية [مدرسة الانتصار الابتدائية في بعقوبة] أو الاستاذ عباس الدوري [متوسطة الانتصار/ ثانوية الانتصار لاحقا]، يدعونني لقراءة الموضوع أمام الصفّ. وكنت مدينا لمطالعاتي الخارجية في تحسين أسلوبي في الكتابة وزوّادتي من المفردات الجميلة والجديدة، إلى جانب حبي وتفوقي في درس اللغة العربية وقواعدها.
كانت كتابة الانشاء تقوم على [عنوان/ عدة عناوين] يكتبها الاستاذ على السبّورة ويدعونا للكتابة عن واحد منها. فالتكليف بحدّ ذاته هو دافع لشحن المخيلة للاشتغال. وأذكر مرّة، أن موظفة مع والدي، كانت في الدراسة المسائية وطلبت أن أكتب لها موضوعا في الانشاء، تحضره للامتحان، وان عنوان موضوعها: (مضيعة الطريق على قارعة الزمن)، لكن ذهني لم يتقبل الفكرة، ورفضت الاستجابة مبدئيا.
كانت تلك مسألة نفسية أو داخلية، لا أدري. كنت أحبّ كتابة الموضوعات المدرسية، ولكني لم أستجب لموضوع خارجي، يطلبه شخص غير المدرس. عملت على تجاهل الأمر، ولكنّ والدي استمر يلحف في السؤال يوميا عند عودته من الدوام. كان اسم الموظفة (فريدة)، في دائرة الحسابات والتدقيق في البريد المركزي. كانت شهادة الاعدادية تعني درجة وظيفية أرقى. وكان النجاح يعني لها الكثير.
بعد مرور اسبوع بدأ العنوان يتعايش معي وينمو في داخلي، وذات لحظة كتبت شيئا عن الفتاة الضحية على قارعة الزمن، وكان الموضوع عند اكتماله مبهرا لي. وعندما سألني والدي في المرة التالية أعطيته الموضوع، دون أن أقول أي كلمة، خجلا من رفضي في البداية، مثل ولد عنيد. أعجبت فريدة بالموضوع وفرحت وشكرتني مكررا. كنت أرافق والدي مرة للدائرة، وقدمني لها : هذا هو وديع!.. نجحت فريدة في امتحان البكالوريا الاعدادية وتعدلّت درجتها الوظيفية. وانتقل والدي إلى حسابات التوفير في بغداد.
بقيت لفترة أعاني كيفية حلّ مشكلة كتابة الشعر. هل أنا شاعر كما تقول شقيقتي، أم أن تلك كانت مجرد حالة عارضة!..
كنت قد تعلمت من قراءات تاريخ الأدب العربي، أن الشعر ينسب إلى الوحي، وأن لكلّ شاعر جنّ أو شيطان يقيم في وادي (عبقر). وأن القصيدة لابدّ أن تكون وحيا (يوحى) وليس مجرد (تصفيط) كلمات وفق ترتيب ووزن معين.
ولا أدري لماذا انشغلت بالأمر كثيرا، وكأني في امتحان حاسم. لماذا لا أنسى قصيدة (المام) وأعود لحياتي العادية ومطالعة القصص والفلسفة التي تنتظرني أكداسها على الطاولة. بقيت لفترة محتارا، هل أبقى انتظر مجيء (وحي الشعر بالفكرة واللفظة)، أم أقوم وأذهب إليه بنفسي!.
تعلمت التقطيع اللفظي وتشكيل أوزان الشعر، وساعدني ذلك كثيرا في تيسير العقبات النفسية في الكتابة. بدوت مثل جندي متأهب للمنازلة بكامل تجهيزاته الحربية. تراجعت مطالعاتي، وصرت أقضي الوقت متأهبا.. منتظرا .. كيف ومن أين تأتي الفكرة.. الوحي.
بدأت أعتاد على ساعات المساء. تلك اللحظة إذ ينخفض قرص الشمس نحو المغيب. يتملكني شعور نفسي/ كوني فأميل للسكون، وأقبع في السرير. تحوّل ذلك إلى نوع من طقس يومي. وذات مرة.. كانت الكلمات تنثال عليّ مثل (سيل) وكتبت وكتبت دون أن أفكر أو أفهم ماذا تعني تلك الحروف.. وفي كلّ مرة أكتب عدة صفحات، قبل أن تجف القريحة.
كنت أشعر بسعادة غامرة عندما أكتب. رغم أني غالبا لا أفهم تماما معنى المكتوب. كان خالي عونا كبيرا في مراجعة كتاباتي وتأويلها تأويلا فلسفيا، وكأنه يفتح أمامي آفاقا وأبوابا جديدة.. وأنا أطاطئ رأسي بابتسامة وأقول له نعم: هو كذلك. كنت أعوّل على الغيب، في الكتابة ولا أعير أهمية للمعنى.
وما أزال أحتفظ بتعليق كاتب فرنسي قرأته ذات مرّة وهو يجيب عن سؤال عن معنى نص له:
عندما أكنب فأنّ الله وأنا نعرف ماذا يعني؛ أما الآن، فالله وحده يعرف!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تنجو من قبضة أقصى اليمين.. وماكرون في أزمة! #منصات


.. نزوح للسكان من قرى كردية في العراق مع توسيع الجيش التركي عمل




.. لبناني انتقد حزب الله فتعرض لضرب مبرح! #منصات


.. السنوار تحت الأرض -لا يعلم- خسائر غزة.. ونتنياهو يُبعَث من ج




.. بالصواريخ بوتين -يشعل- كييف.. وزيلينسكي -يلجأ- لبولندا !| #ا