الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراهنات النظام وآثارها في تعميق الأزمة الوطنية الكبرى في سوريا

عفيف رحمة
باحث

2013 / 8 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما بدأت الأحداث في سوريا كان يفترض من السلطة أن تتعظ مما يجري في دول الثورات العربية الخاضعة لأنظمة مماثلة لنظامها السياسي، لكنها آثرت التجاهل العمد لحتميات التغيير ظناً بأنها تملك من الكفاءة الأمنية والمناعة السياسية ما يكفي لمقاومة أي تمرد شعبي رغم توافر الأسباب التاريخية والموضوعية لمثل هذا الحدث.
وبحكم آليات استخواذ السلطة والإستئثار بها، لم يكن خافياً على أحد أنها (السلطة) سيسخر كل إمكانيات الدولة للدفاع عن بقائها في إطار قاعدة حكمها، وأنها ستلجأ إلى الطرق القمعية والعنفية التي تميزت بها عن مثيلاتها من الأنظمة العربية.
وكما اعتاد النظام على استخدام الشعارات ومقولات الإبهار لتمويه عجزه وفساده، فقد استخدم ذات المنهج لحرف مؤشر الصراع من صراع داخلي إلى صراع مع أمم العالم.
وبدلاً من الإنفتاح على أطياف القوى السياسية والشعبية لمعالجة القضية السورية بعقل وحكمة سورية، آثرت هذه السلطة خوض معركتها ضد غول المؤامرات الدولية والحرب الكونية، بانية دفاعاتها على جملة من المراهنات والفرضيات السياسية اللازمة للظهور بمظهر المنتصر.
في مقدمة هذه الفرضيات التي اسس النظام عليها إنتصاراته ما اعتقد من تهاوي الولايات المتحدة الأميركية بسبب أزمتها الإقتصادية، حيث قدر أن هذه الأزمة ستقود العالم الرأسمالي نحو الإنهيار المحتم.
ولتعزيز الإنفجار الكوني للعالم الرأسمالي كان لا بد أن تصاب إسرائيل ببعض آثاره التي سيساهم بها الربيع الفلسطيني الحمساوي لإسقاط سلطة محمود عباس الذي سحب القضية الفلسطينية من بين يدي النظام في سوريا.
ضمن هذا الإطار ذهب خيال السلطة نحو مراهنات أخرى تخلو من الموضوعية، عملاً بمقولة مصائب قوم عند النظام فوائد، حيث تم الربط بين إنتهاء الأزمة في سوريا وإندلاع الإنتفاضة الشعبية في تركيا، فما أن بدأت المظاهرات تعم ساحة تقسيم في استنبول حتى هلل لها الإعلام السوري وكأن المظاهرات ضد حزب العدالة والتنمية الإخواني ما جاءت إلا تعاطفاً مع النظام في سوريا، ووفق هذا المنظور الساذج لفعل التاريخ تنبأ بعض المنظرين بدور هام لأكراد وعلويي تركيا في تحقيق معادلة الإنهيار التركي.
منهج قاصر يدفع صاحبه للتعامل مع القضايا السياسية بعقل إنتقامي، فعبور سوريا نحو الديمقراطية مشروط بتحقيق ذات الإستحقاق في دول منظمة التعاون الخليجي، وقمع الحراك الشعبي في سوريا يستمد شرعيته من قمع تمرد الشعب الثائر في بلدان هذه المنظمة.
في مقابل هذه المراهنات على معسكر الخصوم والأعداء كان لا بد من مراهنات أخرى على معسكر الدول الصديقة، حيث بدأ إعلامييو النظام بالحديث عن أهمية مجموعة دول البريكس (بعد أن كانوا حتى بداية الأحداث بغفلة عن وجودها)، وتوقعوا من هذه المجموعة مساندة مطلقة لسوريا سياسياً وإقتصادياً.
فما هي سلامة المراهنات على معسكر الأصدقاء؟
خلال الخمسية الأخيرة (2008-2012) بلغ وسطي الدخل القومي السنوي للدول الصناعية الغنية 44.7 ترليون دولار، حصة الولايات المتحدة منها 14.8 ترليون دولار وحصة منطقة اليورو 12.7 ترليون دولار، في حين تنامى الدخل القومي لمجموعة البريكس من 8.3 إلى 14.2 ترليون دولار ضمن ذات الفترة، وبشكل مماثل أتى معدل الناتج المحلي الإجمالي (إحصائيات 2012)
وخلال السنوات الخمس الأخيرة بلغ وسطي معدل التضخم السنوي (إنكماش إجمالي الناتج المحلي) في الدول الصناعية الغنية 1.9%، الولايات المتحدة 1.8%، منطقة اليورو 1.6%، أما في دول مجموعة البريكس، فوصل إلى المعدل 4.7% في الصين،7% في جنوب افريقيا، 7.2% في البرازيل، 8% في الهند، 11.6% في روسيا، تضخم ترافق مع تغير في معدلات النمو الإقتصادي حيث حصلت الصين على معدل نمو 9.3% و روسيا 1.9%، هذا التباين بين معدل النمو والتضخم يحمل في طياته إحتمالات كثيرة ومفاجئات إقتصادية تراكمية غير مرتقبة قد تغيير من النمو والقوة الإقتصادية لهذه الدول ودورها على الساحة العالمية فيما لو دخلت بمغامرات سياسية غير معززة بدفاعات اقتصادية تحمي موقعها الستراتيجي.
كمؤشر على الموقف السياسي الإقتصادي الحرج لهذه الدول يكفي أن نعلم أن إجمالي الناتج المحلي لهذه المجموعة بلغ عام 2012 ما قيمته 14,7 تريليون دولار بينما وصلت قيمته إلى 15.7 تريليون دولار للولايات المتحدة الأميركية و 44 تريليون دولار لدول التعاون والتنمية الإقتصادي والتنمية (OCDE) المؤلفة من 30 دولة تعتمد الإقتصاد الحر.
ولأن السياسة المقاومة السورية لا تعير اي انتباه للحقائق المادية والتاريخية ولأن ساسة النظام يرسمون سياسساتهم من الفانتازيا السياسية، فإن مراهناتهم لم ولن تحقق لسوريا إلا الخسائر البشرية والإجتماعية والإقتصادية.
فإيران رغم نظامها الديني الشمولي لا يمكنها إلا أن تتأثر بإستحقاقات الديمقراطية الإسلامية التي تبنتها (ولو شكلاً) حيث لا يمكن للنظام التغاضي عن الحد الأدنى من الحقوق أو تجاهله في المعادلات السياسية، وها هي إيران تخار اليوم نهجاً سياسياً جديداً يتوجه نحو قضايا السلام والتنمية البشرية والنمو الإقتصادي ومعالجة البطالة وتوفير البحبوحة.
وكما إيران فإن مجموعة البريكس ليست كما صورها البعض بانها القوة الضاربة للمنظومة الرأسمالية (ليتها كانت لكنها ليست كذلك)، لأن البريكس ورغم توقعات المحللين من قدرة هذه المجموعة على تحقيق مساهمة تتجاوز 50% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي بحلول عام 2020 وإمكانية منافستها للمنظومة الرأسمالية بحلول عام 2050، إلا أن مجموعة البريكس ما زالت في مرحلة التكوين ودولها لم تتفق بعد بشكل نهائي على مجمل القضايا السياسية وقضايا التنمية والسياسات المالية والإقتصادية المشتركة، دون أن ننسى أنها بإستثناء روسيا لم تهضم كلياً ممانعة النظام للتحولات الديمقراطية وهو ما يمكن أن نقرأه من جلسات مجلس الأمن لكل من الهند والبرازبل وجنوب افريقيا.
وإذا بقيت روسيا المرتكز الأساسي في موضوع المراهنة فالأحداث السياسية المتتالية تشير لعكس ما يروج له الإعلام القاصر في سوريا، فقضية إدوارد سنودن خير مثال على حقيقة القوة الروسية الناهضة، ذلك أن بقائه مقيماً لاكثر من شهر في مطار موسكو حتى حصوله على اللجوء المؤقت، لهو خير دليل على عدم قدرة بوتن اتخاذ قرار إستثنائي يغضب الولايات المتحدة الأميركية، نعم روسيا الصاعدة كغيرها من الدول ما زالت مقيدة بهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على المستوى الإقتصادي والتكنولوجي والمالي، وروسيا التي أخذت تستيقظ من جديد لم تستيقظ على الحلم الإشتراكي، فالحزب الحاكم حزب قومي ليبرالي لا يمكن أن يعمل إلا على إيقاع مصالح الناخب الروسي المتحسس بشدة لمعدل التنمية البشرية وللرفاه والسلم والأمان، وإذا كان بوتن حذراً بقضية مثل ادوارد سنودن فهل سيكون أقل حذراً في القضية السورية، والإجابة على ذلك تأتي بفهم الأسباب الحقيقية لتأجيل تنفيذ عقد توريد صواريخ S300، أما محاولته وضع قضية الشعب السوري أمام شركائه في الغرب بمكانة أقل شأناً من قضية آكلي لحوم البشر، فهو موقف سرعان ما ستستهلكه ضرورات أمن ومصالح روسيا الإقتصادية.
هذه البديهيات الإقتصادية تجعلنا نقف أيضاً بحذر أمام الدعم السياسي الذي تظهره بعض الدول الصديقة مثل فنزويلا وإيران حيث بلغ وسطي معدل الإنكماش خلال السنوات الخمس الماضية 27% في إيران و 21% في فنزويلا وهذا مؤشر عن هشاشة الموقف السياسي لهذه البلدان الصديقة.

رهانات خاسرة بمجملها برهنتها عدم قدرة الحكومة على الإنفتاح الإرتجالي شرقاً، حيث دول الشرق السياسي غير قادرة حتى الآن على التحرر من ضوابط السوق الرأسمالية، وها هي الولايات المتحدة تخرج من أزمتها الإقتصادية وفق قوانين التجدد الرأسمالي، ربما على حساب الفقراء من مواطنيها والشعوب الأخرى لكنها للأسف قوانين الرأسمالية التي تدير العالم حتى يومنا هذا؛ أما إنهيار الولايات المتحدة الأميركية فيبدو أنه سيأخذ وقتاً أطول مما توقع بعض المحللين القوميين واليساريين، وكما الولايات المتحدة فإن التغيرات في دول منظمة التعاون الخليجي ستنتظر أيضاً وقتاً أطول فهي في خط مداري حرارته المال ورطوبته النفط القادر على تخدير آلام مهمشي هذه المجموعة حتى ينفذ صبر التاريخ ويقرر تفتح براعم ربيعه الخليجي، أما شعوب تركيا فهي أكثر وعياً وتمرساً للعمل السياسي والنضال الإجتماعي من شعوبنا التي بالكاد تتنفس الحرية، والشعوب الصديقة لهذه الدولة (غير الصديقة) لن تغامر بثورة فاشلة إذا لم تتوافر لها المقدمات المادية والموضوعية لنجاحها ولن تدخل بصفقة جبران الخواطر من أجل نظام في سوريا لا رابط له مع قضاياها المطلبية المشروعة لا من قريب ولا من بعيد، كما أنها لن تقبل أن تضع محركها الديني أو الإثني في استثمارات لا وطنية خاطئة.

يوماً بعد يوم يتجلى ما حمله الإستئثار بالسلطة من كوارث سياسية على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي، وتوضحت نتائج أخطاء المراهنة على غير الشعب السوري وقواه السياسية والشعبية، ويبدو جلياً أن الرهان الرابح الوحيد اليوم هو الذهاب نحو التحولات الديمقراطية حيث تداول السلطة وسيادة القانون واستقلالية مؤسسات الدولة.
إن عدم إمتلاك السلطة الحكمة اللازمة لإدارة البلاد وعدم إستجابتها للحتميات التاريخية ومشروعية مطالب الشرائح السورية المهمشة التي انهكها فساد النظام، يفرض اليوم قبل الغد إلتزام مختلف القوى السياسية والشعبية الراغبة بالتغيير السلمي ببرنامج عمل وطني من أجل سوريا في ظل تحالف سياسي غير مصلحي، تحالف مبدئي يعمل بصدق من أجل تنفيذ الإستحقاقات الوطنية والدستورية لإخراج سوريا من أزمتها الوطنية الكبرى المتمثلة اليوم بقضيتين محوريتين، الأولى ماثلة في فشل السلطة بنظامها في تنفيذ مهامها الوطنية والدستورية بذرائع التكتيك والستراتيجية وعجزها عن حماية الأمن الوطني والإجتماعي والإقتصادي والغذائي والسكاني، أما الثانية فتكمن في خضوع مساحات جغرافية شاسعة من سوريا لسيطرة الجريمة والعنف الدموي الذي تمارسه المجموعات المسلحة المأجورة التي تتنقل بشكل متناوب من محافظة لأخرى حيث فقدت السلطة سيطرتها.
قضيتان محوريتان متوازيتان تحتاجان لمعالجة جذرية لإنقاذ سوريا والإنتقال بها في خطوتها الأولى نحو بناء دولة ديمقراطية ومجتمع حر تتحقق فيه الكرامة والعدالة وسيادة القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق