الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستنقعات البشرية

محمد أيوب

2005 / 5 / 16
الادب والفن


المستنقعات البشرية
قصة قصيرة
بقلم : د . محمد أيوب
ثلاث ليالٍ مضت دون أن يغمض له جفن ... يتمدد لينام فتطارده أفكار سوداء كالذئاب الضارية ، كل شئ هادئ حوله إلا نفسـه البركانية ، إذا خلا إلى نفسه ظلت أسئلة مختلفة تلاحقه ، وحين يرى ما لا يرضيه تحاصره أسئلة كثيرة ، فهو يؤمن بالحديث القائل : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيـده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .
إيمانه هذا دفعه نحو ممارسة الصراحة مما أوقعه في مشاكل عديدة ، ينتقد تصرفات الناس ، يريد أن يضع المجتمع كله في إطار يرضيه ، واكن ذلك لن يتحقق بسهولة ، لابد أن يعمل شيئا ، هذا الشيء غير واضح الملامح ، حتى وجوده ليست لديه فكرة واضحة عنه ، كثيراً ما يتحسس جسده بيديه ، أو ينظر خلال المرآة ليتأكد أنه موجود ، ويتساءل : هل أنا موجود ؟ وهل هذا الجسد من علامات وجودي ؟ أم أنني مجرد أكذوبة ..شبح يظهر فجأة ويختفي فجأة !
ويجيئه صوت غراب يأتي من فوق الشجرة المقابلة للمنزل الذي يعيش فيه ، يتـكرر صوت الغراب وكأنه اكتشف في نفسه مقدرة على الغناء ، لمـاذا يتشاءم الناس من صوت الغراب مع أنه أجمل من أصوات الكثيرين من بني البشر ، فهو يعبر بصوته عن حقيقته .. لا ينافق ولا يظهر غير ما يبطن ... صريح كصراحته ، ويعاني من تجني الناس مثلما يعاني .
خرج إلى الشارع ، كانت الشمس قد تخلصت لتوها من سقطتها خلف الأفق ... السيارات تروح و تجئ ، والناس بين مشرّق ومغرّب ... كل له وجهته الخاصة ، الأطفال يتراكضون في طريقهم إلى مدارسهم .. هم الحقيقة الوحيدة التي لا تزال جميلة لم تمسسها يد التغيير ... تلوح البهجة على وجوههم وتطل الفرحة من عيونهم ، وهو ينقل قدميه ببطء كأنهما شدتا إلى الأرض بمسامير محـواة ، ولكنهما تقودانه إلى عمله على أية حال ، صورة رئيسه في العمل تلاحقه ، إنه يمقت ذلك المسئول ، فهو لا يستطيع أن يكذب – على الرغم من أن الكذب من أصول المجاملة في هذا العصر - لا يستطيع أن يقول لرئيسه أن العمل بدونه يتوقف ، ولولاك لما تقدمت المؤسسة خطوة واحدة كما يفعل بقية الموظفين ، ولذلك فإن مديره يقابله كرهاً بكره ، إنه يكتب عنه أنه مهمل على الرغم من أنه لم يقع في خطأ واحد يسئ إلى العمل، وكثيرا ما لفت نظره إلى أخطاء لم يرتكبها ...
كل ذنبه أنه لا يستطيع التملق ، ولذا فهو معرض دائما للاتهامات .. أنت ملحد .. إذا انتقد أحد أدعياء الدين أو المتسترين بالمظاهر الدينية ، أنت رجعي .. إذا انتقد أحد مروجي الانحلال ، دائما هو متهم تشير إليه الأصابع بتهمة معينة .. بلون معين ، و ما من لون يستطيع أن يصبغ نفسه به ، لم يتأكد بعد من حقيقته وحقيقة وجوده ! أسئلة كثيرة في ذهنه تحتاج إلى جواب .. الله ؟ الحياة ؟ الوجود؟ العدم ؟ الناس والعلاقات الإنسانية ؟ وهل هناك علاقات إنسانية ؟ أم أنها مشجب نعلق عليه أطماعنا ؟ غلاف يتستر وراءه الوحش الكامن في نفس كل منا ؟ وحش واحد ؟ بل مئات الوحوش في أعماق كل منا نسترها بغلاف شفاف فاضح نسميه الجسد ، ليته يتمزق هذا الجسد فتسقط الوحوش التي في نفس كل منا وتجري علي الأرض .. ساعتها إما أن تتحول الأرض إلى غابة ، ونقلب إلى الأبد تلك اللافتة التي كتبنا عليها يوما كلمة إنسانية، وإما أن نسقط أقنعة الزيف عن وجوهنا ونبحث عن الحقيقة في نفس كل منا ، نستجمع شتات ضمائرنا ونقتلع الوحوش من نفوسنا،
أفاق من ذهوله وصاح بأعلى صوتـه فيمن حوله : أسـقطوا هذه الأقنـعة عن وجوهكم .. إني أراها .. هاهي ! وأخذ يشير بأصابعـه إلى وجوههم ، أسقطوها وإلا أسقطتها بهذه ! وتناول سكيناً كان مدير المؤسسة قد قشر بها تفاحة قدمها لتوه أحد الموظفين استرضاءً له وزلفى ! فقد اقترب موعد زيادته السنوية ، وسيكتب له المدير تقريراً ممتازاً بلا شك! المهم كيف يتملق الموظف رئيسه .
بصق في وجوههم وشعاع من الشمس ينعكس عن نصل السكين إلى عين كل منهم ، سرت رجفة في أوصالهم ، وأخذ نمل الخوف يدب في عروقهم ، وخاطب كل منهم نفسه بصوت مبحوح لا يتجاوز حنجرته : مسكين .. لقد جن الرجل ! تحسس أحدهم شفتيه خشية أن تكونا قد انفتحتا دون وعي منه فتخرج من بينهـما بعض الكلمات التي ولدت وماتت في جوفه قبل أن ترى النور ، أراد أحدهم أن يؤكد له أنه يؤيده :
- أنا معك ... إنك على حق دائما .
صاح والسكين لازالت تعكس أشعة الشمس :
- اخرس أيها المستنقع .. كلكم مستنقعات كريهة الرائحة .. الدنيا كلها مستنـقع كبير .. علاقـاتكم ببعضكم مستنقع عفن تسمونه الأخلاق ! ما هي الأخلاق في نظركم ؟ الصدق ؟ أيكم صادق ؟ إنكم لا تصدقون حتى مع أنفسكم ! الإخلاص في العمل ؟ من منكم يعمل بما يساوي قوت يومه ؟ إني أكاد أختنق من رائحتكم القذرة .. رائحة النفاق ! إنكم تخشون أنفسكم أكثر من خشيتكم لله الذي من أجله تصلون! تعبدون المال وتجرون وراء الشهوات! كل منكم أسلم قياده للوحش القابع في جوفه
انبسطت أسارير وجهه واستقر صفاء عجيب في عينيه ، ألقى السكين ، طاف شبح ابتسامة حول زاويتي فمه واستدار خارجاً ، سأخرج من هذا المستنقع الذي زرعت فيه بغير إرادتي ، وحين تحرك داهمه شعور غريب ، أحس أنه أخف من الهواء ، وأن جسده يشف ، تحسس جسده مرة أخرى ، اشترى حبلاًً من النايلون ناعم ومتين، أسرع إلى البيت، صنع عقدة صغيرة في أحد طرفي الحبل ، أدخل فيها طرف الحبل الآخر ، تكونت عقدة أكبر من الأولي ، ربط طرف الحبل السائب في خشبة السقف ، صعد فوق كرسي عالي القوائم ، وضع العقدة حول عنقه ، وقبل أن يتدحرج الكرسي لمعت أمام عينيه مع ضوء الشمس النافذ من شق في خشب الشباك فكرة .. كان يجب أن تقاوم .. أن تزرع المستنقع بأشجار من نوع جديد .. أن تزيل قاذورات هذا المستنقع ، وأن تبدل ريحه .
نظر إلى الحبل وابتسم .. لن أهرب ولن أكون سلبيا . سأحرق هذا الحبل ومعه السلبية واليـأس ، هبط إلى الكرسي بعد أن انتزع الحبل من خشبة السقف ، أشعل عود ثقاب وأحرق الحبل، ومن خلال اللهب تراءت له صورة مستقبل أفضل .. لفه شعور بالراحة لأنه قبل التحدي ، وأصبح إنساناً جديداً يواجه مسئولياته ولا يهرب منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف