الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهدات من بلاد النكت .. والزحمة .. والشطارة - الجزء الثاني

فارس حميد أمانة

2013 / 8 / 22
كتابات ساخرة


مصر جميلة .. والقاهرة بزحامها أجمل ما في مصر ..ومن يستطيع قول غير ذلك؟
كان الوقت عصرا عندما اقتحمت أذني كلمات باللهجة العراقية الدارجة.. استدرت لأجد خلفي شابين كان المتحدث منهما الأصغر اذ كان لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره .. كان يحاول وبسذاجة أن يغلب ( جدعا ) مصريا يبيع ألبومات صور مغلفة بغطاء شفاف من النايلون الخفيف .. كان منظر الفرعون بلحيته المستعارة والشمس على يمينه يبدوا رائعا جدا من تحت التغليف.. طلب البائع المتجول خمسة جنيهات عن الألبوم متذرعا بأنه من الجلد الطبيعي والشاب يلح عليه بقبول اربعة جنيهات ونصف .. كان ذلك مبلغا كبيرا جدا اذ كنا في العام 1977 فمابالك ان كان الألبوم مصنوعا من جلد صناعي لا يساوي شيئا ؟
تحركت عندي رغبة الاصطفاف مع هذا العراقي الذي يكاد أن يغلب على أمره بعد افتتانه بالألبوم .. فقلت للبائع بلهجة مصرية أجيدها : " أنا حشتريه منك بجنيه واحد بس " نظر البائع ومعه الشاب العراقي باستغراب فأضفت : " مش بس كده .. حأفتحه من النايلو ( النايلون باللهجة المصرية ) بس عشان أتأكد انو جلد صحيح "...تراجع الشاب عن الشراء وبقيت الشاري الوحيد وعندما أيقن البائع من افلاسه من الجنيهات الخمس أجابني : " طب تاخدو بجنيه بس ما تفتحوش من النايلو " ..
تأكد لي لحظتها ان جلد الألبوم صناعي ولا يستحق حتى الجنيه الواحد .. فلويت للبائع بوزي واستدرت راجعا فلحق بي قائلا " طب خدو بنص جنيه " فأجبت ببرود شديد : " ولا حتي بتلاته ساغ " .. حدث كل ذلك ولا زال ذلك الشاب ومعه صديقه ينظران الي بدهشة شديدة ..
تمشيت مع الاثنين ونصحتهما بالتأكد من أي بضاعة قبل شراءها والابتعاد عن اللهجة العراقية قدر الامكان والشراء من المحلات وليس من بائعي الشوارع .. ثم عرفت ان أحدهما سيغادر غدا عائدا الى بغداد ويحتاج الشاب لشخص آخر يشاركه الشقة المؤجرة لتقليل عبء الايجار وكنت أرغب من ناحيتي بتغييرسكني في فندق قصر النيل حيث يتصدع رأسي بعد منتصف كل ليلة بسبب أصوات طبول ودفوف وألحان رقص شرقي لا أعرف من أين يأتي فوافقت على الفور وانتقلت لأشاركه الشقة خلال الشهر الذي أرغب بقضاءه في القاهرة ..
عرفت لاحقا ان الشاب واسمه كاظم من عائلة نجفية ثرية ولم يستطع الحصول على معدل جيد في السنة المنتهية من دراسته الاعدادية وأرسله أبوه الى مصرللبحث عن قبول في احدى الجامعات المصرية ..ومن الطريف أن أذكر لكم انه وخلال شهر تقريبا قضيناه معا لم يذهب الى أي جامعة للحصول على قبول في احدى الكليات على نفقته الخاصة ولم أسأله عن سبب ذلك قط فقد حدست السبب ..
أعتقد ان الوقت قد حان لأحدثكم قليلا عن شخصيته قبل الاسترسال في الحديث .. كان كاظم شابا بارد الطبع .. ساذجا الى درجة كبيرة ....وكان ذا ثقافة سطحية جدا..قليل الاطلاع ..تبهره أتفه المواقف أو المشاهدات فما بالك اذ كان يسافر مثلي للمرة الأولى خارج وطنه؟
ذهبنا معا مرة للاهرامات فأوصيته ان لا يتحدث الا عند الضرورة .. لحق بنا حينها شخص بلدياتي بجلبابه العريض وسحنته التي لوحتها الشمس كثيرا محاولا ان يكون دليلنا السياحي وبالطبع لن يكون ذلك مجانا فرفضت فألح علي كثيرا ولحق بنا حد الالتصاق فضايقني ذلك جدا وقادني للاصرار على رفض دلالته لنا في الموقع .. وعندما وجدته يلتصق بي كالغراء ويأبى الا أن يكون دليلا سياحيا فقلت له : " مفيش فايده ياخونا من شرحك .. أصل زميلي أجنبي وما يفهمش عربي " .. اعتقدت اعتقادا جازما بأنني قد ألقيت عليه الحجة وسينسحب فما كان منه الا ان بادر بالشرح باللغة الانكليزية وبلكنة مصرية .. ففغمزت كاظم ان لا يفوه بكلمة وقلت للرجل الصمغي : " ياسيدي ما قولت لك ما فيش فايدة .. أصل زميلي فرنساوي وما يفهمش انكليزي .. " ان ما شجعني على قول ذلك هو الشعر الأصفر لكاظم.. فما كان من الدليل الا ان بدل موجته الاذاعية بسرعة البرق وطفق يشرح لكاظم باللغة الفرنسية .. فقلت ممتعضا ويائسا من ان يطلق سراحنا من دلالته الغرائية: " انت حتشرح بمزاجك محدش حيديك ولا مليم " .. فقال لي : " يابيه أنا عايز أخدم وبس ده أنا مش عايز فلوس .."
أسقط في يدي .. تبعتهما وهو يشرح بالفرنسية ويقتاد كاظم الذي تحول بفعل قادر الى أخرس .. وبالطبع لم أفهم كلمة مما قاله لعدم فهمي للغة الفرنسية.......وبعد اعتقاله لنا لنصف ساعة أطلق سراحنا وهو يطالب بعشرة جنيهات .. لكنني لم أعطه مليما فقلت وأنا أسحب كاظم من الجولة : " محدش ضربك على ايدك ياعم .."
حدث كل ذلك وكاظم المسكين لم ينبت ببنت شفة ..للمرة الأولى أصبح مطيعا لي ..
هل سيبقى على تلك الطاعة والسكون ؟ أم سيردني ونفسه في تهلكة مع الفرنسيين ؟ هذا ما سأحدثكم عنه في الجزء الثالث ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-