الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ونظرية الأمن القومي الستراتيجي

وديع العبيدي

2013 / 8 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الأمن القومي ليس له علاقة بالقومية حسب المعنى الدارج. وهما مختلفان ومتباعدان إلى حدّ كبير.
الولايات المتحدة الأميركية، هي أكثر من يؤكد على (الأمن القومي الأميركي) في وسائل الاعلام، ويتخذ مبررا لسياساتها الخارجية، رغم أنّ الأميركان لا يمثلون قومية أو أمة، مثل بقية البلدان.
إذا جاز تصنيف الدول فأن الدولة الكبرى أو المتقدمة هي التي تعتمد استراتيجية أمن قومي تنعكس آثارها على البلدان الأخرى. فماذا يمنع أن تعتمد الدول الأخرى استراتيجية أمن قومي خاصة بها؟.. وهل يمكن اعتماد هكذا استراتيجية دون انعكاس أضرارها على الآخرين. يمكن استقراء جملة شروط نظرية لذلك..
1- ان الدولة التي تعتمد الامن القومي هي دولة كاملة السيادة، ولا يتدخل أحد من الخارج في مقدراتها.
2- انها دولة استكملت بناءها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعيش حالة راسخة من الاستقرار، والاكتفاء الذاتي في الاقتصاد سيما في الحاجات الأساسية.
3- الاتفاق على أهداف ومصالح وطنية قومية عليا، بمثابة دستور عمل تلتزم به كل التجمعات الشعبية والأحزاب والحكومات المتعاقبة، وبما يترفع بالبلاد في صعيد الرقي، ويدعم استفرارها وتفوقها.
4- أهداف الدولة ومصالحها تنسجم مع حاجات الشعب ومصالحه، وبما يجعل كلّ فرد جزء من استراتيجية الأمن القومي لبلاده.
ويمكن القول أن دولة الولايات المتحدة الأميركية التي لا يزيد عمرها على ثلاثمائة عام، هي رائدة في مجال الأمن القومي، مقارنة بدول ومجتمعات أقدم منها بكثير. ومثال ذلك الدول الأوربية الغربية التي بمراحل متعاقبة من الصعود والهبوط، لكنها لم تستقل بنفسها تماما في قراراتها السياسية والاقتصادية، سواء كانت ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا. لكن روسيا الجديدة بقيادة بوتين تسعى جاهدة لاستكمال أدوات استقلالها التام، واعتمادها على مقدراتها الداخلية، والتخلص من أعباء الديون الغربية.
أن شرطي السيادة والاكتفاء الذاتي معضلتان حقيقيتان في طريق كثير من البلدان التي تسعى لضمان أمنها القومي. وهذا أنتج حالة جزئية في منتصف الطريق، مثل حالة تركيا الازدواجية.
فالدولة التركية منذ نشأتها على يد كمال أتاتورك، اعتمدت على الغرب اعتمادا كاملا في نهوضها، واستكمال بنائها الاقتصادي والسياسي، الدور الذي ما زالت تقدمه ألمانيا لها، ومن خلالها الاتحاد الأوربي. بالمقابل، تتعامل تركيا مع الدول العربية والأسيوية كدولة سيادية كبرى، تسخر علاقاتها الاقليمية لخدمة – الأمن القومي التركي- فوق مصالح وحاجات الآخرين.
بحسب أمنها القومي ترسم سياساتها المائية – في سبيل المثال- في المنطقة، دون اعتبار لحقوق الدول المشاركة في حوض النهر. كما تفيد من مرور أنابيب نقل النفط عبر أرضيها، بما يوازي فائدة الدول المنتجة أو أكثر منها. بعبارة أخرى، على الرغم من اعتمادها على الدعم القروض الغربية، فأنها تعامل العرب كدولة مقرِضة ومنتِجة للخدمات والسلع، كمثل الدول الغربية. وتسعى لربط الاقتصادات الأخرى بعجلتها الاقتصادية، وكان هذا جزء من تقاربها الأخير من العرب، وقد سبق لها عقد اتفاقية استراتيجة عسكرية كاملة مع سوريا، والذي تعرض للنسف بواسطة المخطط السعودي/ القطري، ومساعداتها لحماس، وقروضها للحكومة التونسية الاخوانية.
وفي الحالتين، الأميركية والتركية، يبقى العرب في دائرة التبعية والاستهلاك.
*
قبل قرنين من الزمن، سعى (محمد علي) لبناء أول دولة عصرية قوية في المنطقة، وبلغ في ذلك شوطا بعيدا، قبل تعثره في القرن العشرين. واليوم تتوفر تلك الفرصة التاريخية للعودة إلى الوعي، واستنهاض روح ايزيس مصر، للولادة من جديد.
لقد تطورت الحالة المصرية إلى مستوى، ربما لم يكن مخططا أو متوقعا، ولا يمكن الرجوع عنه، أيضا؛ وأعني هنا حالة المواجهة السياقتصادية مع الادارة الأميركية. وقد لوّحت الأخيرة منذ البدء بورقة القروض والمساعدات، وألحقتها بالغاء المناورات العسكرية، وهي سياسة تقليدية سبق نجاحها مع حكومات مصرية سالفة، زادت البلاد فسادا وفوضى.
انّ رفض المصريين - شعبا وقيادة- لتهديدات الادارة الأميركية، يتطلّب منهم الاستمرار في الرفض، وتكميله بالاستغناء عن المساعدات الأميركية، واتخاذ قرار الاعتماد على النفس، والبدائل الدولية والاقليمية (مؤقتا) – وبغير شروط-.
ومن منظور اقتصادي، يمكن استثمار الحالة الراهنة لتشغيل اليد العاملة المحلية، واستثمار رأس المال المحلي، في إعادة بناء الوطن واستكمال نواقص البنى التحتية، ومعالجة العشوائيات، وتصحيح فوضى التوزيع الدمغرافي، برفع مستوى المحافظات والقرى والأطراف.
ان قيادة وطنية مخلصة وعقليات أدارية تكنوقراط نظيفة قادرة على انتاج مصر جديدة، تجمع أبناءها من العمالة الخارجية وتحرر البلاد من ربقة الديون والقروض والواردات الاستهلاكية.
وعودا إلى مقولة الكاتبة نوال السعداوي، أن البلد الشريف هو الذي يأكل من تعب جبينه، ويتحرر من مهانة المساعدات الخارجية والبنك الدولي.
والشعب المصري، باجتماع قطاعاته والتفافها حول قيادة مخلصة حكيمة، جدير باستكمال مستلزمات الثورة الشاملة، بالمحافظة على السيادة والاستقلال بالقرار المصري، وعدم السماح للزمن بالعودة إلى وراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه