الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام السياسي إلى أين؟

نعيم الأشهب

2013 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أفرز الحراك الشعبي العربي المتواصل على مدى أكثر من عامين عددا من الظواهر الأساسية ، منها الصعود الطاغي للاسلام السياسي ، على نحو لم يعرفه منذ سقوط الخلافة في العالم 1924 ؛ علما بأن هذا الصعود ، بالمدى الذي سجله ، يعود لأسباب مختلفة ، لعل من أهمها ، غياب التنظيم الثوري الذي يمثل ويعكس الأهداف العامة لهذا الحراك الشعبي الذي ساهم فيه عشرات الملايين من الجماهير العربية . وهكذا ، فان حالة ثورية على مستوى القاعدة الجماهيرية ، مع غياب القيادة الثورية المطلوبة ، أفسح المجال أمام الاسلام السياسي ، المنظم والمعبأ ، ليكون البديل المتاح .
لكن هذا الصعود الذي تتوّج ، في عدد من الحالات ، بالوصول الى السلطة ، حمل معه صراعا متفاقما بين معسكرين أساسيين من هذا الاسلام السياسي . ومنذ البدء حرى الفرز بينهما: معسكر تنظيم الاخوان المسلمين الدولي ، مدعوم بكل من قطر وتركيا ؛ بينما المعسكر الآخر تقوده السعودية الوهابية ، ويضم بقية دول الخليج والأردن وفلول نظام مبارك. وقد امتد الصراع والمنافسة بين هذين المعسكرين الى مختلف الساحات العربية ؛ لكنه بدا جليا على نحو خاص في الساحات الساخنة . فعلى الساحة السورية ، بينما كان المعسكران المذكوران يلتقيان في التآمر عليها وفي تجنيد وتمويل وارسال المرتزقة للقتال فيها ، كانا يتصارعان حتى على المواقع الثانوية في الأطر المفتعلة التي تجري اقامتها باسم المعارضة السورية. أما في مصر فصورة هذا الصراع بدت أشد وأقوى . في الجولة الأولى ، ما بعد اسقاط مبارك ، كانت النتائج لصالح معسكر الاخوان وحلفائهم ، بالاستناد الى دعم واشنطن التي راهنت على هذه الحركة ، ليس في مصر وحدها ، وانما على مستوى المنطقة . بينما الجولة الثانية التي أسفرت ، حتى الآن ، عن اسقاط سلطة الاخوان ، تشهد محاولات مكثفة من السعودية واتباعها للسطو على ثمارالحراك الأسطوري لعشرات الملايين من الشعب المصري ، بما في ذلك اعادة الاعتبار لنظام مبارك والذي تتوج باطلاق سراح المذكور؛ يدا بيد مع تصعيد عملية تصفية حركة الاخوان.
واذا أخذنا بالحسبان أن النظام السعودي كان ، وعلى مدى عقود طويلة ، المصدر الأساسي لدعم وتمويل حركة الاخوان ، واحتضان عناصرها الفارة من بلدانها ، من مصر عبد الناصر، منذ العام 1954، ومن سورية منذ بداية الثمانينات ، وغيرهم، وأنه بفضل الأموال السعودية أفلحت هذه الحركة في تشكيل بنية تحتية لنفوذها في عدد من البلدان العربية ، بما في ذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة .. اذا أخذنا هذا بالحسبان ، فما هو التفسير لتحوّل هذا الحب والغرام الى هذا العداء القاتل؟
يرى بعض المراقبين أن ذلك يعود الى السببين التاليين : الأول – الرعب الذي اجتاح العائلة المالكة السعودية ، عقب بروز ملامح صفقة بين واشنطن وحركة الاخوان ، تأكدت مع وقوف واشنطن لصالح وصول ممثلي هذه الحركة الى السلطة في مصر وتونس ، والى مواقع مؤثرة في ليبيا والمغرب . لقد بدا لحكام السعودية أن هذه الصفقة تشمل العالم العربي كله ، وأنهم غير مستثنيين . لذلك ، غدا دحر وافشال هذه الحركة قضية مصيرية بالنسبة لهم . أما السبب الثاني ، فهو أن سلطة الاخوان المسلمين في بلد مثل مصر ، بحجمها وثقلها ، وتضم مؤسسة الأزهر الاسلامية الشهيرة ، يمثل تحديا خطيرا لزعامة السعودية للعالم الاسلامي السني ، وهي – أي هذه الزعامة - ذخرهم الأيديولوجي المتبقي ، في ظروف عزلتهم الشعبية.
وهنا ، يبرز السؤال: ما هو موقف واشنطن من هذه الصراعات المتفاقمة بين أتباعها الأقربين في المنطقة ؟ في البدء ، لا بد من ملاحظة أن واشنطن المنهكة من حربي أفغانستان والعراق ، ومن الأزمة المالية – الاقتصادية الحادة ، تحوّلت لخوض حروبها وبعض نشاطاتها بالوكالة ، كما بدا جليا في ليبيا ومالي. وعليه ، ففي المرحلة الأولى التي أوصلت الاخوان المسلمين الى السلطة في مصر وتونس ، بدعم من واشنطن ، أوكلت الأخيرة ملف توجهاتها في عدد من الساحات العربية الساخنة ، كسورية ، الى حكام قطر ، الأكثر حماسة لمشروع هيمنة حركة الاخوان المسلمين في المنطقة . آنذاك ، كان رئيس وزراء قطر السابق يصول ويجول ، مشهرا محفظته ، في توزيع الرشاوى وشراء الذمم وتجنيد المرتزقة وتسليحهم . ولكن بعد أكثر من عام من الفشل في سورية وفي تحقيق الاستقرار في مصر ، حيث تواصل الحراك الشعبي ، وهو أخشى ما تخشاه واشنطن ، تحسبا من أن يؤدي استمراره وتصاعده لانتقال الأمور الى أيد راديكالية تفقد واشنطن السيطرة نهائيا على هذا البلد المحوري في المنطقة ؛ بعد كل هذا قامت واشنطن بنقل الملف المذكور الى أيدي السعوديين ، وحلّ محل حمد القطري بندر السعودي ، الذي يعزا اليه تصعيد التفجيرات في العراق ولبنان ودعم فلول نظام مبارك في مصر. لكن هذا غير كاف وحده لتفسير تخلي واشنطن عن دعم سلطة الاخوان في مصر وما يترتب على ذلك من تداعيات في بقية المواقع التي حققت فيها هذه الحركة مكاسب هامة مؤخرا.
اذ على الرغم من اعلان واشنطن بأنها لم تفاجأ باسقاط مرسي ، وعدم اعتبارها ذلك انقلابا عسكريا ، وما يعنيه ذلك من استمرارالمساعدة العسكرية للجيش المصري ، بل وايعازها قبل ذلك مباشرة بالتغييرات في قطر وما ترتب على ذلك من تواري القطريين وتصدّر السعوديين للمشهد ، فان واشنطن بدت قلقة على مصير حركة الاخوان ، ومعنية بالحفاظ عليها.
يعود سبب هذا القلق ، الى أن استراتيجية واشنطن ، في المنطقة ، في ظروف عجزها عن التدخل المباشر، تقوم على تشكيل تحالف سني في المنطقة ضد شيعتها؛ أي ضد محور ايران – سورية – حزب الله . لكن العداء بين حكام السعودية ونظام الاخوان المسلمين في مصر، وعجز واشنطن عن معالجة هذا العداء ، يجعل تحقيق هذه الاستراتيجية غير وارد . واذا كانت كل من مصر والسعودية تمثلان القطبين الأساسيين اللذين لاغنى عن أي منهما لبناء هذه الاستراتيجية ، فلا مناص، والحالة هذه ، أمام المساعي لبناء هذه الاستراتيجية ، من التضحية بالنظام في أحد هذين البلدين الرئيسيين في المنطقة . لكن عدم قدرة واشنطن على تجاهل ارادة عشرات ملايين المصريين باسقاط سلطة الاخوان في مصر، لا يعني بالضرورة التخلي عن هذه الحركة ذات الأبعاد الاقليمية والدولية ، باعتبارها مكونا له وزنه في أي محور سني واحتياطيا استراتيجيا في المنطقة ، كما تؤكد نشاطاتها الجارية في سورية وغيرها.
لكن يبدو أن السعودية لا تكتفي باقصاء الاخوان عن السلطة في مصر ، بل تدفع لتصفية هذه الحركة ، الى حد الاعلان عن الاستعداد لتعويض الجيش المصري بدل المساعدة المالية الأميركية ، اذا أقدمت واشنطن عن ايقافها عقابا على تصفية هذه الحركة ومطاردة عناصرها. ولعل هذا " التحدي" السعودي لارادة واشنطن يعبّر عن وهن وتراجع هيبة واشنطن لدى أتباعها، الذي راح يتكرر في المنطقة.
وعلى أي حال ، فان اندلاع الصراع بين أجنحة الاسلام السياسي على المدى الجاري أمامنا اليوم ، والمرفوق بفتاوى دينية ، بلا حساب ، على طرفي هذا الصراع ، والتي تبرر الشيء وضده ، يمثل معولا بالغ الفعالية في هدم بنيان الاسلام السياسي الذي جرى تشييده على مدى عقود ، ويحقق خطوة نوعية على طريق الاصلاح الديني ، بفصل الدين عن الدولة ، ووضع حد لابتذال الدين بتسخيره لمصالح أنانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل ستحل الوهابية بديلاً للاخوان
Hamdan Saeed ( 2013 / 8 / 23 - 06:01 )
وهل تصنف الأردن وفول مبارك بالوهابيين ، لايبدو الأمر كذلك وإذا كان العالم سيختار بين النموذجين الإسلاميين لتركيا والسعودية فلاشك أن الأول هو المفضل ، وفي مصر تتضاءل فرص تسويق الإسلام السعودي إلى حد بعيد ، فهل هناك خيار ثالث تتيحه السعودية للمصريين مع وجود تابعيها هناك كحزب النور وغيره من الجماعات السلفية التي تنشط على مستوى الآداب العامة وبعض السلوكيات الاجتماعية ...

اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا