الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة إلى الوطن

محمد نبو

2013 / 8 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



مفاجئ وهائل . هكذا وصفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تدفق حوالي 20 ألف مواطن كوردي سوري إلى اقليم كوردستان العراق .
ذات الهلع أصاب كل مهتم بالشأن الكوردي السوري هذه الأيام فكان سيد الهواجس هو إفراغ المنطقة الكوردية في سوريا من سكانها والخشية من حدوث تحول ديموغرافي عميق يؤثر سلبا على ملامح تشكل كيان كوردي مستقبلا في سوريا . ما يزيد الطين بلة أن المناطق الكوردية في سوريا تخضع فعليا لسلطة كوردية في غياب كامل لسلطة المركز ، الأمر الذي يطرح تساؤلا شديد السوداوية ، ماذا بعد ؟ ماذا بعد أن أمتلك الكورد السوريون قرارهم السياسي ماذا بإمكان الآخرين أن يقدموا أكثر لهم ليبدؤوا مسيرتهم في النهوض بوطنهم . وكأن الكورد والحال هذه يواجهون أسوء كوابيسهم (الهجرة ) حين أغمضوا عيونهم على أجمل حلم لهم ( كوردستان ) .
بحثا عن إجابة أكثر وجدانية لسبب هذه الهجرة " المفاجئة والهائلة " بعيدا عن حديث الحرب والظروف المعاشية السيئة وهي صحيحة ، أعتقد أن الأمر ينطوي بشكل ما على رغبة في استكمال الحلم في كوردستان جاهزة سلفا ( إقليم كوردستان العراق ) وهربا من خوض تجربة تبدو حتى الآن قاسية لبناء كوردستان جديدة ( من الصفر ) في سوريا ، إنه شيء يشبه حلم المستعمرين الأوائل في القارة الأمريكية - أرض الحلم الأزلي -
الصورة النمطية عن إقليم كوردستان أنها بلاد غنية تتسم بكرم شديد ومع قليل من اللعب على الوتر القومي يتهيأ للكوردي الهارب من جحيم الحرب في سوريا أن هناك فرقة كشافة تنتظره خلف الحدود لتعزف له نشيد ( أي رقيب فور دخوله الأراضي الكوردستانية ، وفي اليوم التالي لوصله سيتقدم جمع من أهل البلد لتحيته وتقديم كل مساعدة مرجوة وغير مرجوة .
ما يحدث على الأرض الواقع في كوردستان الحلم أن الصورة النمطية - الحلم - تتحطم بعد حوالي أسبوع من الإقامة في بلد لا تنقصه مكارم الضيافة لكن أهله مشغولون لأبعد حد ببناء "دولة " قابلة للحياة في محيط شديد التقلب وبيئة إقليمية غير مضيافة تتعايش مع كوردستان - الأمر الواقع - على مضض . وهنا تتبلور خيارات أكثر واقعية لدى المهاجر الجديد ولعل أهمها العودة للوطن .
الصورة المشرقة في الحدث المفاجئ والهائل أنها أول فرصة تاريخية لهكذا لقاء مجتمعي كوردي - كوردي منذ فرض الحدود الدولية الحالية للدول التي تقتسم أرض كوردستان " التاريخية " فلأول مرة يجد الكوردي السوري نفسه مرغما لتعلم اللهجة الكوردية الجنوبية الغريبة بالنسبة له وتعلم الكتابة الكوردية بالحرف العربي و التجول في مدن كوردستانية طالما قرأ عنها في منشورات نضال الكورد المؤسسين لهذه البلاد الأهم من كل هذا أن تجد كورديين أحدهما من السليمانية ( كوردستان العراق ) والآخر من عفرين الكوردية في سوريا يحاولان إدارة حديث عادي بين رجلين وهما يشربان شايا عراقيا . هذا ما لم يكن ممكنا خلال ما يقارب قرنا من الزمن .
حتى هذه اللحظة يبدأ التعارف الكوردي ( المهاجر والمواطن ) بسؤال هل أنت من كورد سوريا ... فيرد الآخر أجل من قامشلو أو كوباني .... لكن صفة الانتماء للبلد " الرسمي " لها حضور أقوى من الصفة الكوردستانية للمدينة التي يحاول المهاجر إظهارها ربما لدوافع تتعلق بضعف موقعه كمهاجر ليجد رابطا مع محدثه سوى هذه الصفة والتي تمنحه تفوقا واضحا لا يمكن تجاوزه .
وحتى هذه اللحظة لا يبدي الطرفان الكثير من اللهفة لبلوغ شكل مستقر من الانسجام القومي بين أفراد أمة كانت المكالمة التلفونية بينهما ممنوعة حتى عهد قريب . لكن الطوق انكسر مرة وإلى الأبد ولا يمكن العودة بعقارب الساعة للوراء فقط علينا ننتظر بعد الوقت حتى يعلن التاريخ عن تشكله الجديد وقد يكون لهذه الهجرة الغزيرة فوائد كثيرة على المستوى القومي فهناك خلف الحدود أمة وحدها الخوف قد تنهار وهنا أمة جمعها الحلم قد تتشكل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية