الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار الثوري في مصر 4: صراع ذو أوجه وأشكال متعددة

أحمد سعيد قاضي

2013 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تبين إذاً أن المجلس العسكري وحركة الإخوان المسلمين هما المكونان الرئيسيان للثورة المضادة. وأنه بعد التعاون والاتفاق بين المجلس العسكري وقيادات الإخوان المسلمين على تقاسم النفوذ والسلطة غلب الدعم الخارجي السعودي تحديداً، على تغيير إستراتيجية جنرالات البزنس لتنقلب على الحليف القديم. هناك الكثير من التشويش والضبابية في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي رغم كل ما تقدم من تحليل للأسباب التي ذكرناها. أما الآن فلنتقدم خطوة أخر في شق طريقنا وسط الظلمة لنزيل الضبابية وننير الأضواء، أضواء الحقيقة.
بعد وصول حركة الإخوان المسلمين للسلطة ومن قبله إنشائها لذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة بعد ثورة 25 يناير أصبحت الحركة وذراعها السياسي مقننة وبالتالي أصبحت قادرة على ممارسة السياسة كما أصبحت القوى الأخرى قادرة على الممارسة السياسية كنتيجة أولى للثورة بمدى أوسع وهامش أكبر مما كانت عليه من قبل.
وبعد الوصول للسلطة حاولت الجماعة أخونت الدولة أي السيطرة على كل مفاصلها دون المساس بالخطوط الحمر التي تم الاتفاق عليها مع المؤسسة العسكرية التي تملك القوة الأكبر داخل مصر. ورمت الجماعة بثقلها على مشروع "التمكين" بدلاً من مشروع "النهضة"!
تتشكل جماعة الإخوان المسلمين من قيادة برجوازية مصالحها متطابقة تماماً مع مصالح كبار رجال الأعمال وجنرالات البزنس الذين يمثلون بكليتهم الطبقة البرجوازية في مصر. لكن المشكلة كانت تكمن في التضييق على برجوازيات جماعة الإخوان المسلمين من قبل الفلول البرجوازية للنظام السابق وجنرالات البزنس عن طريق القانون والدولة التي كانت بأيديهم وذلك لاحتكار السوق وإقصاء جزء مهم من الطبقة البرجوازية بحكم التنافسية الفطرية في قلب النظام الرأسمالي.
أما وبعد أن فرضت الجماعة نفسها في عمق الدولة المصرية وأصبحت جزءاً قانونياً لا يتجزأ من المنظومة الرأسمالية بعد فوز المرشح الإخواني في الانتخابات الرئاسية والفوز بأغلبية في مجلس الشعب، وثالثاً بسبب وجود حركة الإخوان المسلمين كطرف قوي والأكثر تنظيماً بين الجماعات المعارضة مما جعلها القوة السياسية الثالثة ضمن المنظمة الثلاثية الأكثر تنظيماً وقوة في مصر بعد المؤسسة العسكرية، والجهاز البيروقراطي والفلول ورجال الأعمال الكبار، إذا أحسنا التقدير.
بعد الوصول إلى السلطة بدأت المنافسة بين الجماعة وهذه الطبقة البرجوازية على المستوى الأدنى اقتصادياً. فبعض قيادات الجماعة كخيرت الشاطر وحسن مالك من رجال الأعمال الكبار الذين بحكم موقعهم الطبقي من الطبيعي أن يسعوا للمنافسة في السوق ومحاولة الحصول على امتيازات واحتكارات لتحقيق الأرباح.
بدأ الصراع إذاً بين الإخوان المسلمين من جهة، والجهاز البيروقراطي الجامد والفلول من الطبقة البرجوازية العتيقة من جهة أخرى. حاول الإخوان المسلمين التغلغل في جوف المجتمع المصري بعد الثورة عن طريق شبكات توزيع البوتوجاز بعد أن أصبحت الفرصة سانحة لهم عندما تنحى الرئيس المصري السابق مبارك.
وهو ما تحول بعد ذلك إلى منافسة اقتصادية بين كبار البرجوازيين وبرجوازيي الإخوان المسلمين. فقد سيطر الإخوان المسلمين عن طريق اللجان الشعبية على شبكات توزيع الغاز في محافظات مثل القاهرة والشرقية وبدؤوا بمحاولة توسيع اللجان الشعبية وتوسيع نفوذها وهذا ما طرحه محمد مرسي على نوابه بعد فوزه بالانتخابات.
فقد حققت هذه الشبكات لبرجوازيي لإخوان المسلمين أرباحاً كبيرة خاصة وأن سعر الغاز ارتفع بعد الثورة.
فإذا ما أحسننا التوصيف فإن المجلس العسكري أزيح عن الطريق باتفاق-العلاقات بقيت ساخنة وعدم الثقة سائد- أما الآن فالصراع بين برجوازيي الفلول وبرجوازيي الإخوان المسلمين. نسي الإخوان المسلمين الشعب الذي انتخبهم وينتظر خطواتهم على الأرض لتغيير المشهد الملتهب اقتصادياً وسياسياً لتذهب في الجماعة في منافسة استثماري ومالية مع جماعات الفلول.
الجدير بالذكر بأن هذه المنافسة هي أمر طبيعي في ظل النظام الرأسمالي الذي يقوم على المنافسة الدائمة بين المستثمِرين والتي تدفع بالضرورة إلى زيادة استغلال المستَثمرين من الشعب والتمعن في اضطهاد العمال والفلاحين والموظفين والطبقة الكادحة على العموم.
دخلت جماعة الإخوان المسلمين إلى البنية البرجوازية القانونية الفاسدة لتنافس فلول البرجوازيين في استغلال واستثمار الشعب الفقير. كان الفلول ينهبون ويسرقون ويستغلون الشعب المصري في تحقيق أهدافهم المالية لذلك كان شعار الثورة المصرية "عيش...حرية...عدالة اجتماعية"، فأول وثالث عنصر هما ذو خلفية اقتصادية بسبب الفقر والبطالة والوضع المتردي للشريحة الأكبر من المجتمع.
وعند مجيء الإخوان المسلمين إلى السلطة تم تقاسم النفوذ الاقتصادي مع فلول البرجوازيين لتبدأ المنافسة بينهم كأي دولة رأسمالية وخاصة أنه لا يوجد تهديد مباشر لهذه الطبقة التي سرعان ما تتوحد في قمع الشعب إذا ما وصلت المطالب الثورية لدرجة معينة من العمق والوضوح.
وعلى الطرف الآخر بدأت الجماعة في صراع مع الجهاز البيروقراطي العظيم التي تركته دولة مبارك. فمن المعروف أن نجاح النظام السياسي يعول كثيراً على التوافق بين الجهاز البيروقراطي مع المشروع السياسي المطروح أو مع الجماعة السياسية الحاكمة.
وبعد وصول الإخوان المسلمين كان هنالك حالة شك وعدم ثقة بين الجهاز البيروقراطي والإسلامويين. فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين تنظر بحالة شك وعدم يقين إلى الجهاز البيروقراطي السمين التي تركه نظام مبارك.
وكان الجهاز البيروقراطي ينظر بريبة وتوجس إلى توجهات الإخوان المسلمين الذين بدؤوا بأخونة أجهزة الدولة.
فبدأ الصراع الضمني الثاني بين جماعة الإخوان المسلمين والجهاز البيروقراطي الذي لو حدث أن اتجهت الجماعة إلى الشعب مباشرة وبصورة واضحة وبدون خيانات للثورة وطالبت بالدعم الشعبي لإعادة هيكلة وتشكيل الجهاز البيروقراطي ووضع أسسه من جديد على أساس ولائه للثورة لا للفساد والمحسوبية لكانت الجماعة تلقت الدعم من الجماهير المصرية التي تسعى جاهدة للخلاص من النظام الفاسد.
لكن جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى تخطئ وتخون الثورة وتخون الوعود التي قطعتها بمشاركة جميع القوى السياسية والثوار الشباب في الحكم والأجهزة الإدارية، فقد بدأت بإشغال فقط المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين في المناصب الحكومية والأجهزة الإدارية والمحلية المختلفة.
هذه يعني أن الصراع بدأ أيضاً مع الجهاز البيروقراطي لكن ليس على أسس ثورية بل على أسس خيانة الثورة حيث أن كل خطوة تحرزها الجماعة على الجهاز البيروقراطي تكون على حساب الثوار بسبب استلام المناصب من قبل أفراد جماعة الإخوان المسلمين فقط.
فأصبحت المنافسة مرة أخرى بين الإخوان المسلمين والجهاز البيروقراطي الفاسد على تقسيم النفوذ وتوسيع السيطرة وأصبحت الجماعة جزءاً لا يتجزأ من النظام السابق؛ فلا فرق بين الفلول أو الجهاز البيروقراطي السابق وبين الفلول الجدد أو النظام البيروقراطي الجديد القائم على الابتعاد كل البعد عن تحقيق مطالب الثورة والمستمر في الإقصاء وتحقيق أهدافه المادية على حساب الثوار.
وعلى الجهة المقابلة لقيت الجماعة مقاومة من قبل الجهاز البيروقراطي في مصر وهو ما أدى إلى ارتباك مؤسسة الرئاسة المصرية في بعض الأحيان ومعاندة بعض الشخصيات القيادية الإدارية لها. فقد سعت البيروقراطية المصرية جاهدة لإسقاط الإخوان المسلمين وإسقاط أية محاولة للتغيير سواء أكانت تصب في مسار الثورة أو في غيرها.
وقامت جبهة الإنقاذ بخيانة أخرى للثورة بسبب عدائها للجماعة الإسلامية حيث أنه لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة وأهداف الثورة لذلك اعتبر من الطبيعي التحالف مع فلول النظام السابق تحت حجة أن الوطن يتسع للجميع في سبيل إنهاء حكم الإخوان المسلمين.
ودخلت المعارض وخاصة جبهة الإنقاذ بتحالفها مع الفلول في صراع آخر مع جماعة الإخوان على حساب الثورة والثوار والأهداف الثورة وهو ما جعل القاعدة الثورية معزولة ليس لها أي دور.
الخلاصة، دخل الإخوان المسلمين الجدد في السلطة في صراع مع كل أدوات وبقايا النظام القديم ولو في صراع ضمني خفي ليس في محاولة لتحقيق أهداف الثورة بل بالعكس في محاولة لتمكين الجماعة وزيادة نفوذها والحصول على امتيازات جديدة من الدولة.
لذلك لاقت مواجهة عنيفة أخرى من قبل الجماهير المصرية الذي وصل الأمر لبعضها أن تترحم على نظام مبارك. فلو أن جماعة الإخوان المسلمين خاطبت الشعب بلغة صريحة وواضحة وبعيدة عن الغموض بصراعها مع العسكر والبيروقراطية والفلول المتحالفين مع جبهة الإنقاذ، ووفت بوعودها في مشاركة القوى الثورية في الحكم وعدم الإقصاء، وبدأت فعلياً في خطوات ملموسة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحل مشاكل الكهرباء والأمن والخبز وأزمة السير لكانت الجماهير قد وقفت مع جماعة الإخوان المسلمين ضد القوى الأخرى التي تحاول سلب الثورة أيضاً كما فعل الإخوان.
بذلك وقعت الجماهير وقوى الثورة بين خيارين مضادين للثورة لا ثالث لهما، فإما النظام القديم مع بعض الثوريين المتحالفين معه، وإما الإخوان المسلمين المتحالفين مع العسكر والساعيين لتوسيع نفوذهم على حساب الثوار وتحقيق مشروعهم على حساب المشروع الثوري.
أما الصراع الحقيقي بين الطبقة المالكة الفلولية منها والخائنة ضد الطبقة المملوكة والجماهير الشعبية الفقيرة فهو ما أخفي بذكاء وحنكة. ففي نهاية المطاف لم يتحقق للجماهير الفقيرة قبل وبعد الثورة إلا زيادة القمع والاضطهاد وسد الأفق الذي كان يمكن به فتح أبواب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي طالبوا بها.
إلا أن هذه الجماهير، وللأسف، بحكم موقعها كجزء من المجتمع المصري دخلت بقوة في الاستقطاب والصراع بين البرجوازيين الفلول والخائنين وهو ما أدى إلى انقسام الطبقة الكادحة على نفسها وتشتت قواها الثورية وضعفها وهو ما يهدف إليه البرجوازيون من كلا الطرفين.
فالفلول بقوى الإعلام التي يمتلكونها يحاولن جاهدين تكبير حجم أخطاء جماعة الإخوان المسلمين وشيطنتهم وتجييش الشعب ضدهم، وبالمقابل تقوم جماعة الإخوان المسلمين بطرح نظرية المؤامرة ضد الجماعة التي تدعي تمثيل الثورة، وطرح ثنائية العداء بين الإيمان والكفر.
وهو ما يؤدي وأدى إلى انقسام الطبقة الكادحة الفقيرة عقلياً وثقافياً. فقد حقق البرجوازيون الهدف الأهم والأول وهو ضمان طي صفحة الصراع الطبقي المرعب والمخيف إلى درجة كبيرة.
فبدلاً من اتحاد الجماهير من كافة الأطراف في مواجهة الطبقة المستغِلة بغض النظر عن توجهها السياسي، قامت بالتفتت ودعم القوى المضادة للثورة. وبسبب الجهل بقيت أقلية ثورية لم تدخل في الاستقطاب الذي لن يفيد الطبقة الثائرة الكادحة، ولن يصب إلا في خدمة الأغنياء من الفلول والخونة وهو ما سأسهب الشرح فيه في مقالة قادمة من هذه السلسلة.
بدأت خارطة الصراع تتخذ مساراً أكثر وضوحاً، حيث أن هنالك صراع أساسي يشكل جوهر الثورة وهو الصراع الطبقي الذي شوّه من قبل أقطاب الثورة المضادة من الفلول والخونة بصراعهم الخفي والضمني من أجل الاستحواذ على السلطة وتمكين استثماراتهم وزيادة ثرواتهم على حساب الشعب المصري والطبقة الكادحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين