الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألشِّعرُ أفيُونُ العَرَبْ

فرياد إبراهيم

2013 / 8 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



لا تقل سأفعل كذا وكذا قبل أن تبدأ بالعمل لأن ذلك يثبط عزيمتك وهمتك عندما تحين ساعة العمل." أوصاني والدي اكثر من مرة وأنا صغير.
وكان أحيانا يداعبني ويقول: " التقاط الحجر الكبير علامة عدم الرمي."
ألآن -لا حينذاك – أقول لقد صدق أبي الحكيم .
" لو قلت شيئا ما فعلته". كلماته لا تزال ترن كجرس إنذار كلما أجد نفسي أمام الشروع بعمل أو فعل سواء أكان حركيا أو كلاميا.
فعلى سبيل المثال : عندما يكون لدى أحدهم شكوى ضد طبيب أسنان والمقصر في المعالجة. فينفجر غاضبا امام زوجته متوعدا: ساقول وأفعل كذا وكذا... سأحذره، سأصارحه بالقول بانك مهمل وانك تستغل المريض. ولو أقتضت الحاجة سأهدده . و لكن عندما يحين موعد الطبيب فما هو حينذا الا بالون مفرغ من الهواء تماما غير قابل لا للنفخ ولا للانفجار.
وهذا تماما ما يحدث للشاعر. فهذا يفرغ كل من بالون همته قولا على حساب الفعل.
اما عن عجز أو عن خوف أو مرض نفسي اوإحباط.
فكل من حيل بينه وبين ما يريد قال شعرا ففقد العزم على المضي والسعي.
وكل من احب وصُدّ نظم شعرا فآثر الكسل على العمل.
وكل من احبط عمله قال شعرا.
وكل من أصيب بداء الحرمان صار شاعرا.
وكل من خرج من السجن حتى لو كان اخرس كتب شعرا.
وكل من جبن عن أداء واجب من صلب مهامه انشد شعرا كثيفا كثيرا.
وكل من خاب رجاؤه ورسب في الامتحان او فشل في إنجاز مهمة ما بات شاعرا .
فقد إنفجر البركان على نفسه في اعماق نفوسهم!
ومن حمل قرطاسية شعره المثقل بالهموم كمن حمل حجرا ثقيلا لا ينوي رميه، كما قال والدي.
فالعاجز عن اداء عمل يلتمس طرقا اخرى للترفيه والتعبير والتنفيس . حتى صارالسخط والأعتراض والنقد والرفض يصب في قالب النظم. وهكذا بقي الواقع هو هو والعطب هو هو والعلة هي هي . فقد أدى القول كل الدور واللسان صار بدلا للأرجل والأقدام وحركات الأيادي المنفعلة وراء الميكروفونات غدت سيد الوقف بلا منازع. والفقاعات تتصادم وتتفرقع في الهواء. وانف في الهواء واست في الماء.
هذا باستثناء من يقول الشعر بعد أن أنجز الفعل. ففي هذه الحالة تتحول( سوف) الى ( قد ). ( وسوف اسعى... الى قد سعيت). وحل فعل الماضي محل الفعل المضارع المسبوق بالسين أي سين المستقبل.
الحقيقة التي آمن بها هي: من قال كثيرا فعل قليلا. والشعراء (يقولون ما لا يفعلون.) كما تنص الآية.
فالشعر قاتل لروح الفعل والتحرك والمبادرة والباعث على الكسل والتراخي في نفوس شعب بكامله. فها هو نصف العراق وربع العرب قد تحول – رغبة أو رهبة- الى شعراء- هواة أومحترفين. خدّر نفسه موضعيا ضد الألم. ومن يخدر نفسه لا يحس بالألم فيكتفي فيخضع للأمرالواقع المؤلم ويرضى بتخفيف الألم دون المعالجة.
الشاعر حاله يمكن تشبيهه بحامل بندقية . وقد اطلق كل الرصاصات حتى فرّغ المخزن. ولم يبق فيه حتى رصاصة واحدة يطلقها في الميدان الحي الحقيقي. لأنه قد نفذت ذخيرته ساعة التدريب على الرمي في معسكره!
فأن الشعر افيون الشعوب ! مخدِّر للعقول مُثيط للهمم.
ولا أقول أن الدين افيون الشعوب كما قال ماركس بل الشعر. فالدين طبيب كل الأمراض النفسية والعقلية للشعوب المقهورة المظلومة.
فلو تأملت لأكتشفت أن الغرب قد خلا من الشعراء تقريبا . فالشعر اصبح هناك متنفسا وملاذاَ للمعاقين العاجزين عجزا جسميا او نفسيا. أنه يلعب نفس دور الدين في
مجتمعاتنا: طبيب وهمي معالج وملاذ آمن للبائس وللمكروب.

فرياد إبراهيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل