الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر السابع للأنصار الشيوعيّين

نصير عواد

2013 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


تجربة الأنصار الشيوعيّين بكردستان العراق توقفت، عند عتبة التسعينات من القرن الفائت، وتوزع أبطالها جهات الأرض الأربعة. من كان شاباً شاخ ومن كان حالماً ببناء الشيوعيّة في العراق قد خفّضت العزلة والأمراض من سقف أحلامه. ولكنها كحال التجارب الدامية والحقيقيّة لم تنطفئ جذوتها، وعادت للظهور بعد سقوط الديكتاتور، ولكن هذه المرّة بهيئة منظمة مجتمع مدني، وبعنوان مبهر وعريض "رابطة الأنصار الشيوعيين". زامن تشكيل الرابطة ظهور المئات من منضمات المجتمع المدني، في عراقٍ غير مستقر وخال من أرث ديموقراطي ومن منضمات مجتمع مدني فاعلة. ولا نبالغ بالقول أن أغلب المنضمات التي تشكّلت بعد سقوط الديكتاتور هي ليست سوى دكاكين فارغة أو واجهات دعائيّة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تأثير لها يذكر في السّياسات العامة واتجاهات الاقتصاد والخدمات، بل هي في أغلب الأحيان أدوات بيد الحكومة والأحزاب والمرجعيات الدينيّة في نهب المعونات المخصصة لاستقلال المجتمع المدني وتمكينه.
في نهاية شهر آب الجاري2013 سيعقد بمدينة يوتوبوري السويدية المؤتمر العام لرابطة الأنصار الشيوعيّين، في ظروف سياسيّة واجتماعيّة مزرية تواجه الشعب العراقي، يصاحبها بين حين وآخر موجات عنف تحصد العشرات من الأبرياء والفقراء المنتشرين بالأسْواق والمؤسسات الحكومية للبحث عن عمل أو لقمة عيش لأبنائهم. وستواجه المؤتمرين تقارير انجازية ومسائل داخلية وخارجية واجهت الرابطة في العامين الماضيين، وانشغال لجنتها التنفيذية بمشاكل ادارية وحقوقيّة، وظهور أصوات خافتة توصي بتبني الحزب الشّيوعي العراقي للرابطة، باعتباره الحاضن الأول لنشاطها.
في بيانها التأسيسي ونظامها الداخلي أكدت رابطة الأنصار البيشمه ركَه على استقلالية عملها، وأنها (تجمع ديمقراطي يضم في صفوفه المناضلين الذين ساهموا في حركة الانصار واصدقائهم ، وتعمل في اطار منظمة مجتمع مدني ) حسب ما جاء في المادة الأولى بمسودة النظام الداخلي للرابطة. وتعتمد في نشاطها على تبرعات الأنصار وريع الفعاليات والدعم الحكومي. وضوح هذه المبادئ، أضافة إلى عناصر أخرى، صار جزء من قوة وخصوصية الرابطة في بداية تشكيلها، تفاءل معها الأنصار وزاد أملهم باللقاء والاجتماع وتبادل الأخبار بينهم حتى ظن أصحاب القلوب الطيبة منهم أنهم عند أبواب الأمل وأنهم أشبه ما يكونوا راجعين إلى الجبال. ولكن سرعان ما بدأ العد التنازلي لعملها، وإنْ كان أبطء من منضمات المجتمع المدني الأخرى في جنوب ووسط العراق.
إنّ ضعف الوعي السياسي وغياب الإرث الديموقراطي بالعراق أدى إلى ربط منضمات المجتمع المدني بالأحزاب السياسيّة، بشكل مباشر أو غير مباشر، دق ذلك مسمارا ملتويا في نعش المجتمع المدني الذي نعمل جاهدين على تثبيت أسسه الوطنيّة. وفيما يخص موضوعنا فلا أحد يستطيع نكران حقيقة أن تجربة الأنصار البيشمه ركَه ارتبطت من لحظاتها الأوْل بالحزب الشّيوعي العراقي، ولكن الذهاب أبعد من ذلك والتفكير في وصل الرابطة بالحزب سيؤدي، برأينا، إلى أضعاف الخصوصية التنظيمية للرابطة، وقد يؤدي مستقبلا إلى فقدان استقلالها وافساد عملها وعزوف الأعضاء المنتمين لها. ففي هولندا، مثالا لا حصرا، يتواجد تقريبا (130) نصيرا ينتشرون في أمكنة متباعدة قليلا، في حين لن يتجاوز حضور اللقاءات والمناسبات الأنصارية الـ(30 نصيرا) أي خمس العدد وأحيانا أقل من ذلك، على الرغم من التحشيد والتأكيد على الحضور والمساهمة. ونستطيع أن نجد الكثير من التبريرات الصحيّة والاجتماعيّة لهذا الغياب، مثلما نستطيع التوقف عند بعض السلوكيات والمواقف الضعيفة التي أدت إلى هذه النتائج. ونرى أن محاولة تهميش بعض الأنصار وعزلهم، ممن هم على خلاف مع الحزب الشّيوعي العراقي، جاء بقرارات حزبية ضيقة وليس بتوجهات أنصارية، ولذلك نجد إنه كلما تداخل العمل الحزبي بعمل ملتقى الأنصار البيشمه ركَه زادت مساحة الفرقة وابتعد الأنصار عن الرابطة. ويؤلمنا القول أن الأنصار الذين تركوا الحزب صار يقلقهم سؤال البقاء في رابطة الأنصار البيشمه ركَه.
ليس سرا القول أن الأغلبية الساحقة من الأنصار الشيوعيّين هم اليوم خارج صفوف الحزب الشّيوعي العراقي. هم لم يتخلوا عن مبادئهم ولكنهم ابتعدوا عن الحزب الذي احتكر تلك المبادئ، ثم وجدوا في رابطة الأنصار البيشمه ركَه، المستقلة تنظيميا وفكريا، متنفسا لاجتماعهم. وكان واضحا أن الأنصار البيشمه ركَه، بسبب تجربتهم المسلحة، درجوا على تبني الأفكار الثورية، في حين أن الحزبيّين انتهجوا سياسة واقعية. أدى هذا على الصعيد العملي إلى عدم تماهي الحزب مع أفكار الأنصار، وفي نفس الوقت عدم قناعة الأنصار بتكتيكات الحزب. ولكنهما معا، الحزب والأنصار، عملا وفي اتفاق غير معلن على تغطية الخلافات وتبادل الابتسامات والثرد بصحن واحد، فما دامت هناك قربى سياسية وتاريخ مشترك يمكن رش الماء على الصراعات وتحويلها إلى مجاليّ الأخلاق والتاريخ. الأنصار اقتنعوا بالمساومة إلا أن الحزب لا يبدو كذلك، على الرغم من الصمت المبالغ به الذي تعوّد عليه الحزب في مواجهة الخلافات. ونظن أن عدم قناعة الحزب سببه أن نشاط الأنصار البيشمه ركَه وخصوصيتهم الفكرية وأسلوبهم في تناول الصراعات على الساحة العراقية قد أحرج الحزب الشّيوعي العراقي في غير مكان، خصوصا في موقفه من الاحتلال وفي علاقته الملتبسة بالأحزاب القومية الكردية، الأمر الذي نبّه الحزب ودفعه للاهتمام بهذا الجانب، نلمسها في بوادر تحرك الحزب باتجاه رابطة الأنصار البيشمه ركَه تجلت في قرارات الاجتماعات الأخيرة لبعض روابط الأنصار. هذا التحرك الذي غُلِّف بنوايا طيبة واقتراحات فردية هو في العمق يشكل خطرا على رابطة الأنصار البيشمه ركَه، ومن يقرأ البيانات الختامية الأخيرة لأحد الفروع سيلمس بسهولة علامات الخطر التي جاءت كتوصية بـ(بتبني الحزب للرابطة ـ باعتبار إن الأنصار ، كانوا انصار الحزب الشيوعي العراقي قبل كل شئ). والنص منقول كما هو من الاجتماع الأخير لملتقى الأنصار البيشمه ركَه بهولندا (في الثامن عشر من أيار 2013 ). هذا نص وليس حكاية شفهيّة. قد يظن البعض أن البحث في نص الوصية خبثا من جانبنا وأن التوقف عند الجانب الكالح من الوصية المهذبة لا يعلن عن سوية سياسية، فنقول إنّ هذا لا يخلو من الصحة خصوصا وأن الحالة السياسيّة العراقيّة في محل شبهة وتغذي شكوكنا وتجعلنا نقرأ النص الوارد ليس فقط على أنه تدبيرا اداريا. فلو تركنا على جنب النوايا الطيبة لهذه التوصية فإن الجديد فيها هو أن منضمات المجتمع المدني بدل أن تدعو إلى تأكيد استقلالها التنظيمي والفكري صارت هي نفسها تدعوا الأحزاب إلى أن تتبناها وتأخذ بيدها، وهو ما يعطي الانطباع بأن هذه المنضمات متعبة وتعاني من دوار البحر، وقادرة على التخلي طوعا عن استقلالها. فحسب معلوماتنا، المستندة إلى النقاط الخمس الواردة في النظام الداخلي لرابطة الأنصار الخاصة بفرع المالية، أن الحزب الشيوعي العراقي لم يموّل رابطة الأنصار ماديّا. وواضح جليّا أن الحزب في حراكه اليومي لم يستعنْ بخبرات الأنصار السياسيّة ولم يأخذ بطروحاتهم الفكريّة ولم يضع الرابطة في سلّم أولوياته الحزبيّة، الأمر الذي يدفعنا للسؤال هو لماذا توصي رابطة الأنصار الحزب أن يتبناها؟. فإذا كانت للرابطة مشكلات لا تستطيع اليوم فضّها فإن أقترح التبني ليس حلا وسيخلق مشكلات مستقبلية من نوع آخر، قد تجد نفسها الرابطة يومها تابعا يستعين ببوصلة قديمة.
لقد كان الأنصار الشيوعيّين في الجبال عجينة ثورية نادرة، يستطيع الحزب أن يصنع منها ما يشاء. ولكن بسبب ظروفه الصعبة لم يستطعْ الحزب يومها فعل الكثير. نتذكّر هذا ونقول أن الحزب يستطيع اليوم، في ظروف العراق المعقدة والمتقلّبة، الاستفادة من رابطة الأنصار الشيوعيّين عبر دعمها وتوكيد استقلالها الفكري والتنظيمي. خصوصا وإنّ الرابطة لديها الكثير من الامكانات والخبرات التي تُمكّنها من المساهمة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة وتوطيد السلم الأهلي (كما جاء في المادة الثالثة من النظام الداخلي للرابطة)، إضافة إلى أنها تستطيع الدفاع عن حقوق المجتمع المدني وفضح السرّاق والوصوليّين. بمعنى أن الرابطة قادرة، بما تمتلكه من امكانات، على خوض السياسات ومواجهة المواقف التي لا يستطيع الحزب تناولها علنا، بسبب علاقاته واتفاقاته السياسيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة