الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل ما أرجوه أن لا يصدر الجلبي عفوا عن الملك

حمزة الجواهري

2005 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


2005-05-14
حتى قرقوش لم يجرؤ على تشكيل محكمة عسكرية لتفصل في قضية مالية، لكن النظام الأردني قد شكل مثل هذه المحكمة التي سوف يحتج أحفاد قرقوش لو أسميتها قرقوشية، في ظرف عشرين دقيقة فقط تصدر حكما بعد مراجعة نصف طن من الوثائق المتعلقة بالقضية المالية والشهود وجميع المدعين والمحامين يقفون خارج المعسكر الذي عقدت به المحكمة ولا يسمح لهم بالدخول، حكمت باثنين وعشرين عاما غير قابلة للاستئناف!!!! ولو لم تفعل المحكمة العسكرية ما فعلت، لبقيت جميع سيارات الأردن وقتها تقف حيثما وجدت، فقط، يزرعون تحتها، وفي ظلها، الخيار واللوبيا، لأن صدام ما كان ليغفر للملك تجاوزه على الرغبة الصدامية السامية، خصوصا وإن الرجل الذي حكم عليه، كان قد وجد له طريقا إلى خارج الحدود في سيارة يقال إنها كانت تحمل أحد أرقام القصور الملكية.
وقتها لم يكن بالحسبان في أوساط القصور الملكية أن يكون الجلبي، يوما ما، أحد القادة العراقيين الذين يحظون بشعبية واسعة في العراق، هذا البلد المعطاء الغني، والذي يمكن أن يكون اليد الوحيدة التي تطعم الأردن، وتغذي حسابات أصحاب الجلالة والسمو الملكي وأقطاب السياسة من جميع الاتجاهات.
حقا أنه يمهل ولا يهمل.
لم يكن الرجل وقتها، ولا حاليا، بحاجة لأموال مسروقة في الوقت الذي بدأ به يرتب نفسه ليتفرغ للعمل السياسي، وهو وأخوته، بذات الوقت، يتربعون على امبراطورية مالية واسعه تضم بنوك وعقارات في أوربا وأمريكا والعراق، فهو لم يكن بحاجة ليسرق، ولكن الرجل كان جريئا إلى حد بعيد، حين شكل تنظيما من عدة أحزاب وشخصيات سياسية أسماه المؤتمر الوطني هدفه إسقاط النظام البعثي في العراق، في الوقت الذي كان يعيش ويعمل في الأردن، غير آبه لنتائج عمله هذا، وهنا تكمن جرأة هذا الرجل، لأن الأردن كانت تعتاش على هبات صدام آن ذاك.
بالطبع خطأ كهذا وإن كان ملكيا، لم يرض صدام، فأصدر أوامره للملك بتسليم الجلبي، الذي كان يعيش في الأردن، بالرغم من أنها تحسب على أنها أخس أنواع النذالة، لكن الملك كان غير آبه لهذا الاعتبار، ويعتقد وقتها أنه يستطيع أن يضرب عصفورين بحجر واحد، وهي إرضاء صدام بتسليم الجلبي أولا، وشفط أموال المودعين في بنك البتراء بعد أن يعلن عن إفلاسه باعتقال رئيس البنك ثانيا، لكن هروب الجلبي أفسد على الملك هذه الخطة المحكمة، فاسقط بيده وبقي يتخبط، ويريد فعلا اعتقال الجلبي وتسليمه لصدام، فراح يشوه صورة الرجل حاملا ذلك الحكم القرقوشي بيديه، يدعمه بذلك، إعلام عربي متحيز ضد كل ما هو عراق أو عراقي، فشوهوا سمعة الرجل حتى أصبح بنظر العرب مجرد حرامي، ولم ينتهي التشويه عند هذا الحد، بل استمر من خلال التصريحات والحملات الإعلامية الشرسة ضده بعد أن سقط نظام صدام وتبين أن الجلبي يمثل ثقلا كبيرا في الخارطة السياسية الجديدة في العراق، حتى تم لهم تشكيل صورة جديدة له على أنه حرامي ودخل العراق على دبابة أمريكية ليسرق المزيد، فهو حسب هذه الصورة التي رسمها له الإعلام الأردني حرامي وناكر للجميل بالنسبة للأردن، وخائن للعراق، وهو من أدخل الأمريكان ليحتلوا العراق.
كانت هذه هي الصورة الأخيرة للدكتور الجلبي، المعروفة عربيا، يوم تم تنصيبه كنائب لرئيس الوزراء في أول حكومة عراقية شرعية بالكامل، في الوقت الذي يريد الأردن أن يعيد علاقاته الاقتصادية المتينة والواسعة ومازال يطمح بإعادة تزويده بالنفط بعد أن توقف منذ سقوط النظام البعثي.
ربما يتوقع المرء إن نظام صدام كان متضامنا حقا مع الأردن ويدعمه بتلك الشحنات من النفط، أبدا، ففي واقع الأمر كانت تلك الشحنات من النفط لصالح صدام، لأنه لم يستطيع بيعها في السوق العالمية، وإذا لم يبيعها للأردن وتركيا بأسعار مخفضة، فإنها سوف تذهب سدى ولا يستفاد منها النظام، وذلك بسبب الحصار المفروض على العراق ووجود فائض بإنتاج النفط يزيد بكثير عما يسمح برنامج النفط مقابل الغذاء تصديره، حتى أن صدام راح يبيع النفط في السوق السوداء بأسعار تصل إلى أقل من ثلث سعره. أما الآن، فإن العراق لا يستطيع أن ينتج الحصة الممنوحة له من قبل الأوبك، والتي يمكن أن تزيد على أربعة ملايين برميل يوميا، في حين مازال العراق لا يستطيع أن ينتج لأغراض التصدير أكثر من مليون ونصف مليون برميل بسبب توقف الحقول الشمالية تقريبا بالكامل كنتيجة للأعمال الإرهابية هناك، وهكذا لم يعد من الطبيعي أن يمنح العراق نفطا بأسعار مخفضة لأي جهة كانت، في الوقت الذي يستطيع بيعها بأسعار السوق العادية، وهو بالفعل أحوج ما يكون للمال في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه العراق، بذات الوقت، متطلبات إعادة الأعمار لبلد مخرب بالكامل تقدر بأرقام فلكية، أضف إلى ذلك إن أموال العراق التي أودعها النظام السابق والتي تزيد على ثلاثة مليارات دولار، كان الأردن قد أنكر وجدودها، وما صرح به من أموال كان قليلا لا يسد الحقوق المزعومة للتجار الأردنيين على الحكومة السابقة، بكلمة أخرى، تم شفط الأموال العراقية المودعة في الأردن، والأنكى من ذلك، راحوا هم يطالبون بأموال تفوق المبلغ المطلوب بكثير.
ليس هذا وحسب، بل يريد الأردن أن يكون هو المنفذ التجاري الوحيد للعراق من خلال معاهدة تجارة حرة بين البلدين وإقامة بنية تحتية متطورة في الأردن بأموال عراقية تلبي احتياجات هذا الاحتكار لتجارة العراق.
كل هذا يريده الأردنيون في الوقت الذي أصبح به الجلبي هو المسئول عن الملف الاقتصادي العراقي بالكامل، وهو العدو اللدود للنظام الأردني لما لقيه على أيديهم من هوان وتشويه سمعة مازال الإعلام العربي يرددها بقوة، وحتى أوساطا عراقية، منافسة للجلبي، راحت ترددها هي الأخرى.
بعد كل هذا، فهل نتوقع من الجلبي أن يعفوا حقا عن الملك؟
الملك يقول أنه يريد أن يصدر عفوا عن الجلبي مقابل كل تلك التنازلات الكبيرة لصالح الأردن والتي يتحمل وزرها العراق!!!! والجلبي يرفض هذا العفو، لأن القضية لم تعد شخصية بعد أن أصبح نائبا لرئيس الوزراء في أول حكومة شرعية منتخبة في العراق، وقبول الجلبي بهذا العفو يعني ضمنا أنه كان قد سرق فعلا تلك الأموال من بنك البتراء كما تدعي الأردن، وهو، بهذا إذا، ليس جديرا بهذا المنصب الحساس في عراق يغرق بقضايا الفساد الإداري، وليس له أي دور مستقبلي يطمح للوصول إليه في العراق. فهل يعقل أن كل هذه التنازلات التي يراد للعراق تقديمها ومن ضمنها المستقبل السياسي للرجل مقابل سطر ونصف السطر يصدرها الملك؟!
الدكتور الجلبي، بذات الوقت يملك وثائق كافية ليوم الحساب الحقيقي الذي يبدو أنه قد حان، فهو الآن يريد محكمة عادلة أمام العالم أجمع يتم من خلالها كشف أوراق الحساب بالكامل، ليثأر لكرامته، ويستعيد الأموال التي سرقت منه والمودعين المساكين، ويكشف عمن سرق فعلا أموال البنك.
لذا أنا أعتقد جازما أن الجلبي سوف لن يصدر عفوا عن الملك مهما كلفه الأمر من مشقة وتضحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها