الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا الضائعة بين ثوابت النظام وثوابت المعارضة!

سامر عبد الحميد

2005 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يتفق الجميع اليوم في سوريا،ودون استثناء،على ضرورة الاصلاح..وعلى أنه قد أصبح من المحال بعد اليوم المضي في الطريق الذي اختاره لنا النظام إلى مالانهاية،والذي بات واضحاً أنه لن يؤدي سوى إلى الجحيم.

وباعتراف السلطة السورية نفسها فإنه قد آن الأوان للقيام"بقفزة كبيرة"اصلاحية،قد تمنع البلد من الانزلاق نحو الهاوية المحتومة،فيما إذا ظل النهج القديم في التعامل مع مستجدات العصر العولمي الحديث،بما يفرضه من قوانين باردة لاترحم من يحاول الوقوف في وجهه،أو تحدي القوى الجبارة الفاعلة فيه،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن مايعرقل أية خطوة جدية نحو الاصلاح الحقيقي،هو كمية (الثوابت )التي يرفعها النظام بوجه معارضيه.

لامجال بالطبع للاسهاب في هذه المقالة الصغيرة بتعداد تلك الثوابت،هذا إذا كنا نستطيع حصرها بالفعل،بعد أن أصبحت ثوابت زئبقية لا نستطيع الاحاطةأوالامساك بها.كشعار الاشتراكية الذي يحاكم من يتهم بمعاداتها بالسجن المؤبد أو بالاعدام تشدداً وفق المرسوم الاستثنائي سيء الصيت(المرسوم6).في حين يعلن العديد من مسؤولي الدولة عن الانتقال الناعم والمدروس باتجاه اقتصاد السوق الحر!.

رفض السلطة (حتى الآن)لدعوات الاصلاح الداخلية والخارجية،لايعني على الاطلاق بأنه ليس لديها مشروعها الخاص للاصلاح.ولا بأنها كتلة صماء موحدة،وذات رؤية واحدة.
على أن كافة أطراف هذه السلطة محكومة بالهاجس الأمني في نظرتها إلى أي مطلب بالتغيير.ومن هنا يمكن تفهم الحذر الشديد في تعاطي السلطة مع مطالب المعارضة.

ومن الواضح أن جمهرة المثقفين والمعارضين لاتملك برنامجاً واحداً موحداً للاصلاح.ولم تتبلور في أذهانهم بعد(خصوصا المنضوين في أحزاب سياسية)أية مشاريع شاملة،تعتمد الدراسات المعمقة المختصة بالواقع السوري بأبعاده كافة،الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
لكنهم مع ذلك فإنهم يتفقون فيما بينهم وعلى اختلاف مشاربهم وأطيافهم،بضرورة البدء باصلاحات (ديموقراطية)عامة،كالغاء احتكار الحزب الواحد للسلطة،والغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية،واطلاق سراح جميع معتقلي الرأي،واقرار قانون للتعددية الحزبية..
ورغم تواضع مطالب المعارضة وعموميتها ومشروعيتها،إلا أن السلطة تواجه أي مطلب للتغيير بالرفض القاطع،متذرعة بهذا الشعار الديماغوجي العريض:الحفاظ على الثوابت.متناسية أن الكارثة التي نقف على حافتها اليوم هي نتاج تلك الثوابت الديماغوجية اللاعقلانية التي كانت تقف سداً منيعاً في وجه أية محاولة للتغيير أو التطوير والتحديث أو الاصلاح.

ثوابت النظام الرجراجة وعديمة القوام و(المتغيرة)دوماً!،تتنوع تحت مسميات كثيرة كثوابت وطنية،وأخرى قومية،وثالثة سياسية...الخ.لكنها كلها تصب في خانة (ثابت)واحد كبير ذو قوام متماسك بالفعل ألا وهو الثابت الأمني.ثابت الحفاظ على السلطة وعلى أكبر قدر من الامساك بمفاتيح القوة.لذلك نجد بأن تخبط النظام فيما يتعلق بالاصلاح،سببه هاجسه الأمني حصراً.فيتحول الاصلاح عنده أحياناً إلى"تطوير وتحديث"وأحياناً"اصلاح اقتصادي"وتارة "اصلاح اداري"...وهلمجرا!..

للمعارضة أيضاً ثوابتها!.
وتلك الثوابت التي تصل لدرجة القداسة بالنسبة للكثيرين،خصوصاً الماركسيين منهم،مازالت محكومة بعقلية الحرب الباردة.الحرب بين الاتحاد السوفييتي صديق الشعوب والولايات المتحدة الشرير الأكبر!.
ولم يستوعب عدد كبير من مثقفينا حتى اليوم بأن الشرير الأكبر قد أصبح قائداً للحضارة العولمية،شئنا أم أبينا.وبالتالي سواءأحببناه أم كرهناه ،فان المطلوب منا اليوم هو التعامل الواقعي والايجابي معه. ومواجهة تحديات اليوم والمستقبل بعقول منفتحة على العالم،وبرؤية معاصرة للأحداث لاتقيم وزناً للثوابت الشعاراتية السابقة.
ومن أسطع الأمثلة على تلك العقول المنغولية تلك التي تعلن على رؤوس الأشهاد وبغباء مضحك، رفضها المطلق لمشاهدة قناة"الحرة"الفضائية الأمريكية الامبريالية...الخ.

كما نجد العديد ممن تحول إلى الليبرالية منهم،مازالت مواقفهم ضبابية وغامضة من المفاهيم الليبرالية
كالموقف المائع وغير الجذري من اقتصاد السوق والمنافسة الحرة.ومحاولة الترويج لشكل هزيل من المزاوجة بين ليبرالية السوق واشتراكية الثقافة!!.
لن نتحدث عن ثوابت المعارضة الوطنية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها.فهي تندرج كلها اليوم وبشكل عام تحت يافطة عريضة ساطعة:مقاومة العولمة!.

تلك الثوابت الفظيعة(ثوابت السلطة وثوابت المعارضة) هي التي جعلتنا على الدوام نقف في الجانب الخاطئ من معركة الحضارة.وهي التي تمنع عنا اليوم الرؤية الصحيحة.وهي السبب في كافة هزائمنا ونكباتنا ونكساتنا منذ أيام جمال عبد الناصر(أبو الثوابت واللاءات!)،وحتى اليوم.

وبين الثوابت الزئبقية للنظام،والثوابت الخالدة للمعارضة نكاد نضيع.

فالتحديات المطروحة اليوم هي تحديات( حضارية بحتة).وبالتالي فان المطروح أمام النخبة هو:هل نظل متمسكين بعقليتنا وثوابتنا وتخلفنا المشين،وهو مايعني التقوقع والخروج من التاريخ.أم سنسعى لحجز مكان لنا في قطار الحضارة.وهو مايتطلب منا التحضير لثورة ثقافية هائلة،تحطم كافة تصوراتنا وموروثاتنا ،وعلى الأخص "ثوابتنا" المأفونة!.
وبالتالي فان الواجب يتحتم علينا لا أن(نناهض)العولمة،ولا أن نقاوم مايدعوه البعض غزواً ثقافياً،بل أن نستقبل بعقل منفتح ويكل سرور ذلك الغزو.وبالتالي الاندماج ومشاركة العالم في انتاج ثقافته العولمية شديدة التنوع.


مشكلتنا إذاًً ليست فقط مع النظام.مشكلتنا هي مع المعارضة أيضاً.مشكلتنا هي مشكلة تخلف وتأخر عقلي واجتماعي.
ومشكلتنا الأكبر هي أن الجميع سعداء ومعتزون بتخلفهم.ومن هنا ينبع وهم التغيير من الداخل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية