الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنيف 2 و أوهام التغيير

عفيف رحمة
باحث

2013 / 8 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


بالأمس سارعت تجمعات وقوى سياسية مخضرمة منها ووليدة لتصفق للبرنامج الحكومي الخاص بحل الأزمة الوطنية المستعصية دون تدقيق في بنوده، واهمة أن ما قدمته الحكومة يمثل إنجازاً تاريخياً وإستثنائياً، غير مدركة الأفخاخ التي نصبت لها لإستنفاذ صبرها وإضعاف عزيمتها وإلزامها بقبول الوضع القائم.

وكما سارعت بالأمس تسارع اليوم لكسب شرعيتها لا من الشعب بل من السلطة والدول الراعية لحجز مقعد لها في مؤتمر جنيف 2، غير مراعية في سعيها هذا جملة من القضايا ولعل أهمها الهدف من عقد هذا المؤتمر.

ماذا تضمن البرنامج السياسي للحكومة؟

رغم أن ترتيب أولويات البرنامج جاءت معكوسة ومخالفة بالإتجاه للضرورات الوطنية، إلا أن أخطر ما فيه جعل مرحلتي "عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل للوصول إلى ميثاق وطني يتمسك بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها" و "تشكيل حكومة جديدة ومؤتمر للمصالحة الوطنية" (المرحلة الثانية والثالثة من المشروع) أسيرتين للمرحلة التحضيرية منه بما تضمنته من شرطيّ ":1- التزام كافة الدول والأطراف الإقليمية والدولية بوقف تمويل الجماعات المسلحة وتسليحها وإيوائها، 2- إلتزام كافة الجماعات المسلحة بوقف فوري للعنف بكافة أشكاله...

وكأن هذا المشروع السياسي مستنسخ عن مشروع آخر ينطلق من فكرة التفاوض مع معارضة شبيهة بحركة الإستقلال الإرلندية (أو الجيش الوطني الإرلندي) ويشترط كما إشترطت الحكومة البريطانية حينها بعدم البدء بالمفاوضات مع الجناح السياسي للمعارضة قبل ترك السلاح وإيقاف العنف المسلح الذي تبناه جناحها العسكري.

بغض النظر عن تتابعية مراحل تنفيذ هذا البرنامج المبنية على قلب المفاهية والأولويات الوطنية، يبرز في هذا المشروع بشكل واضح وضوح الشمس جانبه اللا أخلاقي بما تضمنه من إتهام غير مباشر للمعارضة الوطنية (التي تنشد التغيير السلمي والديمقراطي) بإرتباطها المباشر بالمجموعات المسلحة.

فما معنى أن لا تبدأ مرحلة الحوار والمصالحة (حسب نص المشروع) إلا بعد الانتهاء من المرحلة التحضيرية التي تتضمن إجراءات لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالحوار الوطني والتغيير السلمي الديمقراطي للنظام السياسي سوى تحميل المعارضة الوطنية وزر ما إقترفه غيرها من أثام.

هل كانت هذه القوى السياسية المحبة للسلم والديمقراطية مسؤولة يوماً ما عن تسليح الحراك الشعبي أو المعارضة المسلحة المنبثقة عنه، وهل كانت مسؤولة يوماً من الأيام عن سحب البساط من تحت أقدام الكتلة الشعبية المنتفضة وتفريغ ساحة الصراع السلمي لتحل محلها التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على بيئة الازمة وغيرت من موجباتها ومضامينها.

يبدو أن جميع القوى السياسية وقعت في فخ سياسي نصبته الحكومة لها! وهي تُحَضر اليوم لتنصب لها فخاً جديداً في مؤتمر جنيف 2.

فما هي رؤية السلطة من هذا المؤتمر؟

كما في السابق تحاول السلطة اليوم فرض آليات برنامجها السياسي لحل الأزمة على مجريات مؤتمر جنيف 2 بغرض جر المعارضة لمأزق شبيه، فغرض السلطة من المؤتمر يختلف كلياً عن تطلعات المعارضة الوطنية، السلطة ترى أن الأزمة في سوريا هي أزمة مفتعلة ولا وجود لأسباب موضوعية تدفع الشعب للتمرد أو الثورة (مقابلة قناة المنار)، وأن ما تشهده سوريا إنما هي حرب كونية تستهدف موقعها الجيوسياسي ومؤامرة عالمية هدفها الضغط "لحرف سوريا عن خطها المقاوم"، في حين ترى المعارضة الوطنية أن إسقاط المشاريع الإستعمارية لن يتحقق إلا بمشاركة كافة أطياف القوى السياسية التي لا يوحدها ميدانياً إلا الحوار الوطني والتغيير السلمي والديمقراطي للنظام السياسي القديم الذي إحتكر لنفسه السلطة خلال عقود أربعة.

الحكومة تريد إسقاط هذه المؤامرة، والمعارضة تريد التغيير الديمقراطي من أجل نظام جديد كفيل بإسقاط أي مؤامرة وشتان بين الرؤيتين.

الحكومة إذن تضع العربة أمام الفرس حتى لا يتقدم الفرس، فما هو مصير الحوار والمصالحة الوطنية إذا طال تنفيذ المرحلة التحضيرية وبأسوأ الأحول إذا لم تتمكن الأطراف من تحقيق كامل بنوده، أو إذا صعب تنفيذ البند الرابع من هذه المرحلة المتضمن إيجاد آلية للتأكد من التزام الأطراف بوقف العنف ومراقبة الحدود، وقد كانت السلطة تتذرع دائماً بعجزها (كما جميع الدول على حد قولها) في مراقبة كامل حدودها لتبرير فشلها في حماية سوريا من الفساد ومن المتسللين المسلحين.

إذا كان الهدف من مؤتمر جنيف 2 تحقيق المرحلة التحضيرية للبرنامج السياسي الذي طرحته الحكومة فما هي ضرورة تهافت المعارضة الوطنية لحضور المؤتمر وهي غير معنية به ميدانياً، وما ضرورة حضور مؤتمر جنيف 2 إذا كان موقعها السياسي مرتبط بالمرحلة الثانية والثالثة فقط اللاتي يمكن إنجازهما داخلياً دون وصاية أو رعاية من الآخرين شرط توافر النوايا الصادقة من قبل جميع التشكيلات والقوى السياسية بما فيها السلطة الطرف مالك حق الفيتو.

مرة اخرى ستستثمر السلطة ربط مناقشة قضايا التغيير والحوار بإرادة الدول الكبرى لتحوله إلى إتهام جديد ومباشر لهذه القوى الوطنية بولائها وتبعيتها للدول الراعية؟

ما لم تدركه القوى السياسية الوليدة وتتجاهله القوى المخضرمة أن تغيير المنظومة السياسية للدولة ليس بمطلب جديد بل هو إستحقاق دستوري كان يفترض من السلطة المنبثقة عن نظام الحزب القائد للدولة والمجتمع والتي لا زالت ممسكة بمقاليد الحكم أن تسعى لتنفيذه عبر خطوات ملحوظة وملموسة من حيث التنازل عن إحتكار السلطة بالطرق السلمية والديمقراطية وإزالة كافة المظاهر والممارسات التي توحي بذلك والتحول إلى قوة سياسية كباقي الاحزاب السياسية المخضرمة أو الناشئة والتنافس على السلطة بالطرق السلمية والديمقراطية وعبر صناديق الإقتراع.

ها قد مضى ما ينوف عن السنتين ولا شيء تحقق من هذا الإستحقاق الدستوري ولم تفكر المعارضة الوطنية يوماً المطالبة بتحقيقه، فهل في مؤتمر جنيف ستعمل السلطة على تحقيق التغيرات الجذرية والشاملة أم أنها ستعود لتجدد من هناك إلتزاماتها بالموضوع لتسقط ديونها السياسية وما اضاعته من وقت لتحقيق هذا الإستحقاق الوطني كما اضاعت خلال عامين من الفرص الموضوعية لحل الأزمة السورية؟ أم هي مناورات جديدة سعياً للإستفادة من إحتمالات تغير موازين القوى للتراجع عن تحقيق هذه التحولات الديمقراطية المنشودة؟

كما أوضحت أحداث التاريخ مراراً وتكراراً ان المعارضة الوطنية ستذهب لتستمع لبيان حكومي جديد يقر بإلتزام السلطة بتنفيذ هذا الإستحقاق مع تحفظاتها المعطلة! وستكتشف مجدداً وربما قبل دخولها قاعة الإجتماعات أن الحل لا يمكن أن يبدأ إلا من دمشق وأما الحل من جنيف فليس بأكثر من أوهام ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟