الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال الغوطة يسقطون الأقنعة المزيفة!

إدريس نعسان

2013 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ثورة الكرامة، التي فجرها أطفال درعا قبل حوالي عامين و نيف بأناملهم الغضة و محاكاتهم البريئة لربيع يجتاح الوطن العربي بعد طول شتاء قاسي و آمال كسيرة، لم تعد تلك الثورة التي طال انتظار الشعب لقدومها و التي استقبلوا رصاصات النظام فيها بصدورهم العارية ظناً أن قتل الإنسان محرم دونما تبرير أو غاية منفعية، لكنهم لم يدركوا أن أرض سوريا ستتحول إلى ملعب لتصفية الحسابات و أن شعبها سيغدو أرقاماً تعبُر النشرات الإخبارية، يحصيها أناس و تمحوها ذاكرة العالم الغير مبالية، هذا الوطن و هذا الشعب أصبحا أسيرين لإيدولوجيات متناحرة، البغدادي و الجولاني يبحثان في فرض خلافة ضاعت منهم قبل أكثر من مئات القرون الماضية، و ولي الفقيه يقتل مقدار ما يصل سيفه كي يُكمل هلاله الشيعي مها كانت الأثمان، و تبدأ خطى الغرب و تنتهي عند أمن إسرائيل و عند مصالحه الإقتصادية، و للروس دوافعهم الإيدولوجية و الإقتصادية التي تحول دون التنازل عن آخر قواعدهم في الشرق الأوسط، فبسقوط قاعدة طرطوس يخسر الروس آخر موطئ قدم لهم في الشرق الأوسط كلها، إضافة إلى غياب الحل الثوري الذي يطمأن كافة المكونات السورية بعد هذه المدة الطويلة و هذا الكم الكبير من الشهداء و الجرحى و النازحين و اللاجئين، و عدم قدرة أطر المعارضة على الخروج من الدائرة الضيقة التي تسكنها منذ ولادتها، و التي اسقطتها و إن لم تعترف خارجياً و داخلياً بعيد ولادتها.

فالعمل ضمن الاطر الحالية و البرامج الموجودة لن يأتي بثمار أو حلول قريبة، و إن سقط السوريون جميعاً شهداء بالكيماوي أو النووي أو البيولوجي أو غيرها من الاسلحة المحرمة دولياً، فما نتألم له و نبكيه دماً نحن السوريون، قد يتأسف عليه غيرنا أو ربما لا يعيره أهتماماً، و لذا فعلينا البحث عن إشراك الجميع في رسم سوريا المستقبل ليس قولاً فقط و إنما فعلاً و ممارسة، لا أقصد بالجميع (مكونات سوريا فقط و إنما جميع الدول التي لها مصالح في سوريا) كي نستطيع الخروج من هذا المستنقع الذي ندفع فيه أثماناً باهظة، شعباً و وطناً، و علينا قراءة الشيفرات و الرسائل التي تبعثها الأطراف الدولية مع صواريخ النظام الكيماوية و التقليدية و مجازره التي تعدت جميع الاخلاقيات الإنسانية و خطوط الدول الحمراء و البنفسجية.

إن الرسالة التي لم يشأ الشعب تقبل قرأتها، توحي بأن ما يدور في مطابخ العالم و ما يحضر له جنيف2 يهدف إلى الإبقاء على بشار الاسد حتى انتخابات 2014 و هذه مهلة مرخصة بممارسة ما تيسر له من القتل و التنكيل في محاولة يائسة لإركاع الشعب السوري، فإن تم ما يريده وجدوا مخرجاً للحالة السورية و إن فشل، فإن حرمانه من الترشح بموجب الدستور سيمنح حصانة له و للطائفة العلوية، و سيجعل من تشارك كافة المكونات السورية في تشكيل السلطة القادمة قضية دولية و بذلك لن يكون بمقدور الاغلبية السنية التحكم بمصير الأقليات الطائفية أو الدينية أو العرقية و حتى الفكرية.

فالعالم مبني على المصالح و ليس على القيم الإنسانية كما تنقلها لنا الدساتير و القوانين و الأعراف الدولية، و عليه فإن استشهاد أكثر من مئة ألف سوري منذ بداية الثورة و حتى الآن لم يكن كافياً لدفع العالم إلى التفكير بجدية و بمعزل عن مصالحها لوقف القتل و الممارسات البشعة التي يتعرض لها المواطنين السوريين بشكل غير مسبوق، فالعبرة إذاً، ليست في أرقام الضحايا و لا في بشاعة الجرائم و لا في هول المجازر، و إنما في تقاطع المصالح، حيث يُعّبر قائد الجيوش الامريكية الجنرال ديمبسي عن عدم إمكانية مد الثوار السوريين بالاسلحة كونهم لا يدعمون المصالح الامريكية، أي أنهم ليسوا بالخلفية الفكرية التي تناسب أمريكا، و في هذا إشارة قوية إلى ترقبهم الحظر لسيطرة الإسلاميين القاعديين على الجناح المسلح من الثورة، و يستبعد تدمير طيران النظام خشية تورط بلده في نزاع في سوريا، و يكتفي الجميع بإبداء القلق و الانزعاج و التوتر و يكثرون من عبارات الاستنكار و الشجب و الإدانة كأنها مسكنات لضمائرهم التي اعتادت التخدير لتكرار الصورة السورية.

لذا فأن الشعب السوري و في مقدمته القادة المخلصين و الغيورين على الوطن و المتألمين فعلياً لآلام الشعب، عليهم البحث عن العيوب التي حرفت الثورة عن مسارها أولاً، ثم التخلص من عقلية القرون الوسطى التي التهمت الوقائع الميدانية و الجيش الحر و سلبته صفة الوطنية، و سحب الثقة من أطر المعارضة الحالية الفاشلة في كل شيء و المبنية على أسس إقصائية ضيقة، و تشكيل مجلس انتقالي ممثل لأكبر نسبة ممكنة من الشعب السوري ليحوز ثقة الشعب اولاً و ثقة العالم ثانياً، و ليتم التسليم به كبديل عن النظام يمكن الوثوق به في سوريا المستقبل، كما يجب إلغاء التسميات الطائفية عن مكونات الجيش الحر و قادته و النشطاء الميدانيين، و الخروج من الرداء الإسلاموي المختصر في "إطالة اللحية و ارتداء الزي الأفغاني، و الانفتاح على الأفراد الوطنيين المخلصين في جميع المكونات بغض النظر عن الانتماء الديني و العرقي أو المذهبي و الكف عن فرض الممارسات الدينية على الناس، كي تنحصر عنهم تهم التطرف التي تشتت الداخل و تقوي حجج الخارج، فتؤثر سلباً على الثورة و النصر.

إذاً البيت السوري بحاجة إلى ترتيب و أطره بحاجة إلى إعادة نظر كي نجذب شهية العالم و نقحمه في إيجاد حل لمعضلتنا المستنقعية، و مجزرة الغوطة الشرقية أسقطت ورقة التوت عن الجميع و عرتهم أمام مشاهد قتل الطفولة بوحشية قل نظيراتها في تاريخ البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان