الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من درعا إلى الغوطة : جريمة ضد سوري

محمد الشمالي

2013 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



تشهد انتفاضة الكرامة ، اليوم ، مرحلة من أخطر المراحل التي عرفتها سوريا في تاريخها المعاصر و الحديث . فبعد ‏مرور أكثر من ثلاثين شهرا من انطلاقة ثورته الشريفة ـ تحت شعار إسقاط النظام الديكتاتوري ـ يتنقّلُ الشعب السوري ‏‏( أو ما بقي منه على قيد الحياة ) بين نفق ونفق آخر أشد ظلمة وبين ميتة وميتة أخرى أكثر بشاعة و احتقارا له وهدرا ‏لكرامته وإنسانيته رجلا كان أم امرأة أم طفلا بريئا . نفق الموت الحالي الذي يتخبط فيه السوريون الضعفاء ليس كارثة ‏طبيعية أو جريمة " بحق الإنسانية" لأنه وبكل بساطة عملية ممنهجة ومبرمجة ومنفذة أتت أكلها مع أول صوت نادى ‏بالحرية ، عملية " مباركة ومدعومة من قبل قوى شريرة تدعي تفسها حامية لحقوق الإنسان وراعية للقانون الدولي و ‏الإنساني . استكثرت هذه القوى الشريرة( سورية وعربية وأجنبية )على السوريين ثورتهم وحاولت منذ الأيام الأولى أ ن ‏تجعل منها محرقة لأطفالهم بالرغم من نهجها السلمي الراقي و المدني . ‏
بعد تدمير حمص وحلب والدير ومجازر حلب و ريف حماه وريف حمص والبيضا والغوطة وإدلب مع كل مارافق ذلك ‏من مظاهر واضحة لغياب الدولة وانحسار سلطتها على العاصمة تدهورت مطالب الثورة السورية : أي لم تعد المشكلة ‏بالنسبة للسوري مشكلة ديمقراطية وحريات وكرامة بقدر ما هي مشكلة الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن والأمان ‏وخاصة مع تفشي الجريمة والخطف والإغتصاب على أيدي عصابات محلية ...رغيف الخبز الذي تعمّد بالدم في حلفايا ‏أصبح مع مرور الأيام أغلى من كل الشعارات التي صدحت بها حناجر المليونيات وأهازيج القاشوش .‏
هبط سقف مطالب الثورة السورية تماما مع رفع العلم الكردي محل علم الثورة في الشمال وتشكيل مؤسسات الدولة ‏الأسلامية في حلب والخوف من اختزال الدولة السورية وذوبانها في دولة علوية في الساحل . بوادر التقسيم لاحت في ‏الأفق وأصبح هاجس السوري الوحيد هو وحدة سوريا أرضا وشعبا . بالنسبة له ،الوحدة أهم من الأكل والشرب وأهم من ‏الحرية والديمقراطية . ‏

اليوم ، وبعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدات الغوطة الشرقية والغربية بسلاح سوري وبقصد تصفية أكبر عدد ممكن ‏من السوريين و نشر الرعب وتهجير من بقي منهم على قيد الحياة، تدخل الثورة السورية في مرحلتها التاريخية الأقسى ‏والأصعب . هذه الثورة ، وهي تودع أطفالا ونساء ورجالا قتلوا كما تقتل الجرذان الناقلة للطاعون فقط لكونهم سوريون، ‏تلاشى تماما سقف مطالب الشعب الذي فجرها في 15 آذار 2011 .القضية الآن أصبحت قضية وجود أو عدم وجود ‏لشعب كامل وكأنما إرادة الكون اجتمعت وتضامنت وتآمرت لمحيه من الوجود . المطالبة بإسقاط النظام وتغيير شكل الدولة ‏وكل ماحلمت به المعارضة السورية أصبح ضربا من العبث والهذيان . الثورة أضاعت البوصلة ، إنها تنتقل من انسداد إلى ‏انسداد آخر ، إنها في النفق السديمي ، بلا هدف و شعاراتها التي نادت بها في البداية باتت مضحكة ومثيرة للتقيؤ . الحلقة ‏المفرغة التي تدور بها قياداتها السياسية المبعثرة وغير المتجانسه كطبيخ الشحاذين والديكونشيتية بتصريحاتها ومنازلاتها ‏الإعلامية مقابل نظام متماسك كالصخرة منذ سنتين ونصف أفقدها حاضنتها الشعبية ، هذا إذا لم نقل بأن هذه الثورة ‏‏ بدت وكأنها اتخذت من فقراء سوريا الذين فجروها وقودا لها . كما الهرة الشاذة التي تلتهم صغارها بلا مبرر ظاهر . ‏

ومع ذلك ، تبقى الثورة السورية من ناحية أهدافها وتوقيتها أصيلة ، نبيلة ، متماشية مع حركة التاريخ والتطور الإنساني ‏أكثر من كل الثورات الحديثة التي عاصرتها أو سبقتها .وإذا فقدت آنيا محركها ووثبتها وحماسها الشعبي فهي لم تمت بل ‏تتراجع لأسباب لا تحصى ولظروف قاهرة تكالبت عليها .‏
هناك النظام اللاوطني الذي فشل في إيجاد خطاب سياسي حضاري يتناسب مع مطالب السوريين وطموحاتهم السياسية ‏وبدل أن يسمع الأسد صوت الشارع لجأ إلى أسوأ ما عرفه التاريخ الحديث من أساليب قمعية ضد شعب أعزل انتفض في ‏البداية لكرامته ولحريته ومن تم لحقوقه المشروعة في إقامة دولة ديمقراطية يتساوى فيها كل السوريين في الحقوق ‏والواجبات. فشل النظام هذا له أسبابه التي نعرفها جميعنا : أسباب تاريخية : فمذابح حماه 1982 مرت دون عقاب مما ‏شجعه على اقتراف جرائم أبشع منها منذ الأشهر الأولى للثورة أملا في أن يفلت من العقاب كما فلت في المرة الأولى ‏،هناك أسباب نفسية نابعة من طبيعة النظام الانفصامية الطائفية ،وهناك الوضع الدولي والإقليمي اللذان شجعاه للإيغال في ‏الجريمة والتعنت المرضي معتمدا على الدعم الروسي الأعمى ودعم الشيعة في إيران ولبنان والعراق .‏
هناك أيضا فشل القيادات السياسية للثورة السورية الذي هو أيضا له أسبابه التي نعرفها أيضا والتي ساهمت ( عن قصد أو ‏عن غير قصد) فيما وصلت إليه حالة الشعب السوري وثورته العظيمة . لقد انجرفت هذه القيادة وراء مخططات النظام ‏ونفذتها على أكمل وجه كما لو كانت ذراعه الأيمن : فعسكرت الثورة وجاملت دخول الفصائل الإسلامية الجهادية العربية ‏والأجنبية وخضعت لسلطان المال الأجنبي مما أفقدها استقلالية قراراتها وأعطى للسوريين المحايدين أو ما سمي بالشريحة ‏الصامته الحجج والبراهين والحق لتصديق أكاذيب النظام وفهلويته الإعلامية . لقد قدمت المعارضة السورية في الخارج ‏هدية على طبق من ذهب لنظام قتل شعبه وهدم مدنه تحت ذريعة صد المؤامرة الأجنبية والقضاء على قوى التطرف ‏والظلامية الدينية الإرهابية.‏
لقد وقعت المعارضة السياسية السورية ضحية النظام الشرس أو تواطأت معه من أجل إيصال الثورة إلى انسداداتها الحالية ‏بغية تمرير مخططات دولية جديدة تهدف إلى خلق توازنات إقليمية تخدم مصلحة النظام ومصلحة دول أخرى في المنطقة ‏تخندقت لصالح هذا الطرف أو ذاك ودعمته بلا حساب وتبنت وجهات نظره بما يخدم مصالحها وأطماعها ورؤيتها الجيو ‏استراتيجية والسياسية .‏
من درعا مهد الثورة السورية ، ثورة الكرامة التي قدمت أطهر الوجوه على مذبح الحرية إلى الغوطة التي تحولت من ‏رمز للحياة إلى مصيدة للموت الجماعي على أيدي "حماة الديار " هناك نفس المخططين ونفس المنفذين ونفس ‏المتواطئين ونفس المستفيدين ونفس المجرمين . إنهم قتلة شعب وقتلة ثورة... قتلة شعب سوري وقتلة ثورة كونية .‏
‏ ولكن يبقى السؤال الذي يجب على كل عاقل أو مجنون طرحه على نفسه: إذا لم تستطع مجزرة حماه الأولى( التي ذهب ‏ضحيتها 40 ألف حموي ) كتم أنفاس الشعب السوري بعد عشرين عاما من تقنين الهواء عليه فهل تستطيع قوة على ‏الأرض قتل إرادة هذا الشعب وحبه للحياة الحرة الكريمة من خلال جريمة جبانة وهستيرية كجريمة الغوطة التي أردفت ‏حمزة الخطيب بمئات من الحمازنة الدمشقيين الأحرار في دقيقة واحده ؟ قلبنا دامي وأيماننا بالله وبشعبنا قوي . ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام