الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتسولة الشامخة

احمد عيسى نور

2013 / 8 / 24
الادب والفن


المتسولة الشامخه
في ساعات الصباح الأولى نَهضتُ باكراً لأقوم بفتح محل أخي الذي أضطُر لظروف معينه إلى التغيب عن عملهِ وعدم فتح المحل في ذلك اليوم ، ولأنني
لم أتعود على ذلك فقد أحسست بصعوبة في الأمر ، وشعرت بضيق فأنا لا أنهض مبكراً في أكثر الأيام ، كما أنني اعتقدت أني سوف أقوم بعمل شاق وأضطر إلى بذل جهد استثنائي في المحل.
فتحت المحل وأخرجت كرسي من داخله ووضعته أمام الباب وجلست عليه أنضر إلى الناس وأراقبهم ،فهذا يدفع بعربةٍ يبيع فيها الأشياء الرخيصة ويصيح بأعلى صوته وهو يمشي لترويج
بضاعته ، وذاك قد افترش الأرض ليبيع الملابس ، ثم بدئت أنضر للناس التي تمر قرب المحل وأتساءل مع نفسي من هذا؟ وماذا يريد هذا من ذاك؟ وماذا تفعل تلك الجميلة هناك قد تكون......... أستغفر الله من الصباح أن بعض الظنِ أثم.

في لحضه تفصل بين الثانية والثانيه توجَهت نحوي أمرآه قد غزا الشيب شعرها وهي ما زالت في مقتبل العمر لم تتجاوز العقد الثاني ؛طولها فارع؛ووجهها مشرق كالشمس؛ضفائر شعرها المدلاة؛مهرة عربية تراها فى استقامة الرقبة؛واتساع مساحة الصدر؛وخصرها الملفوف؛إذا تحركت اهتزت اهتزاز الجميلات التي تراقصت على أنغام الدفوف القارعة ، سبحان من خلق ، وبادلتني تحية الصباح فبادرتها بتحية صباحية أجمل منها ، تأملتها وإذا بالسواد يلفها بأثواب لا هي بالية ولا هي مقبولة بل بين هذا وذاك، دخلتْ متشحة بالضباب وحزن معمّر في عينيها ،تنهار قربي وتفتح أناتها حتى السماء : احتقنت طفولتها العاشقة للحب وللحياة ،عوّدت نفسها على الجدية والوقار في حياة لا هدنة فيها .
بَدئتُ أُدقق فيها أكثر فجاءت عيناي بعينيها وقرئتُ فيهما شيئاً من الحُزن لكنه يلف وراءه تعبير أخر يدل على القوة وليس على الضعف هي في حسّة سوء لا تُحسد عليها، استجمعت قواها وكفت عن التفكير المضني ووقفت وقفة فيها الكثير من المعاني خطت بضع خطوات إلى الأمام ويداها ترتعشان ولم اعرف ما هو السبب.
وَقَفت أمامي فأردت أن اعرف ماذا تريد فإذا بها تطلب الصدقة ، فتحتُ عينيّ متعجباً أمرآه بهذا الجمال وهذا القوام الجميل والمشي القويم وتستجدي وتطلب الصدقة! .
رجعت الى نفسي وتمالكتها ثم أجبتها لكِ ما طلبتي ولكن هل لي أن أسألُكِ بعض الأسئلة ؟ أجابت بارتباك تفضل .
قلت انكِ أمرآه لا يدل مظهرها على طلب الصدقة فما الذي دفعكِ إلى هذا العمل؟ تغيرت ملامحها واختفت التعابير التي تدل على الاستعطاف وطلب المساعدة لتتحول إلى مسحة من الحزن والانكسار مع بعض التردد في الجواب ، ألا أنها سيطرت على نفسها وقالت : الحاجة هي التي دفعتني إلى ذلك، إنني تركتُ بيتي وأطفالي وتوجهت لطرق أبواب لا أعلم مَن ورائها ولأقدم الشكر على أي شيء يعطوني إياه سواء ثميناً أو تافهاً رخيصاً، وربما يرفضون طلبي وترجع يداي فارغة ، برغم ذلك أستمر وأطرق الأبواب بل قد أتعرض لكلمات ما أُنزلت في معجم ولا تكلم فيها شخص أبد الدهر ، ولكنني أريد أن أعود بابتسامة على وجهي لأطفال تركتهم جياعاً في أرض الدار
نظرت إليها ولم تقوَ نظرتي على مواجهتها حاولت وحاولت وإذا بها تقدم لي مفتاح الكلام الذي بحثت عنه وتمنح نظراتي عدة المصارحة لأكشــف لها وجوه الحقائق
.
-أين ألأب وما هو دوره؟ حَزنت أكثر وملأ الدمع عينيها واسترسل الدمع على خديها ثم أجابت ، لقد توفي أثر عملية انتحارية قام بها احدهم فالأحداث قد أثقلت كاهلنا جميعاً وأفقدتنا الأهل والمال والعيال ، أنا لم تكن خسارتي بفقدان زوجي فقط بل على أثرها فقدت إنسانيتي واستقراري وتحولت الى متسولة تعيش على فتات الآخرين الذين لا يعطون إلا البالي وما زاد عن حاجتهم ، وهذا الصباح أقسم لكَ إني نهضت لأبحث عما أطعم بهِ أطفالي فلم أجد رغيف خبزٍ أو حتى ثمنه فماذا أفعل؟ هل اطرق باب الجيران الذين أصابهم الملل مني ؟ أم أنتضر

عسى أن يأتي أحدهم وبيدهِ رغيف خبز يتصدق بهِ علينا وربما لا يأتي! فلم يتبقى أمامي إلا التوجه للاستجداء وطلب المعونة والصدقة لسد رمق أطفالي ، ليس سهلاً على الأم أن
تترك أطفالها وتلجأ إلى الشارع بحثاً عما يساعدهم في هذه الحياة الصعبة فالحياة لا يعرفها إلا من جربها ولا يجربها إلا من عاشر الناس وعرف نفوسهم وكيف يتصرفون .
هذا العمل متعب ومذل ويسلُب مني كرامتي ويجعلني عُرضة لسماع كلمات لا أتقبلها لو كانت الظروف غير هذه ، ولكنني ألان أسمعها وأصمت وأستمر بالسير،أنني من أجل أطفالي
أفعل المستحيل كما أنهُ لو كان زوجي على قيد الحياة لما كُنتُ هكذا كلص تطارده كلاب في عتمة الليل تغرق في الظلام, تتهالك عطشا ووحدة.
، جدتُ عليها بما أمكنني بعد أن انتهى الحديث، وذَهَبت وتركتني في حيرةٍ من أمري فقبل هذا كنتُ أُشكك في كل شخص يطلب الصدقة أما ألان فأنا اشعرُ بالحُزن والأسى على كل من يتسول وأحمله على محملٍ حسِن .

أنتهى
أخوكم
أحمد عيسى نور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكايتي على العربية | ألمانية تعزف العود وتغني لأم كلثوم وفير


.. نشرة الرابعة | ترقب لتشكيل الحكومة في الكويت.. وفنان العرب ي




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيب: أول قصيدة غنتها أم كل


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أول من أطلق إسم سوما




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أغنية ياليلة العيد ال