الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوق الكيماوي- فرع سورية

بلول عماد

2013 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لم تزل ارتدادات الزلزال الكيماوي الذي ضرب غوطة دمشق، تضرب في ديار الائتلافين الثوريين والمجاهدين المتحالفين معهم متسببة بضغط إنساني ووطني أفسدت على البعض ختام العطلة الصيفية، إضافة لبعض تصدعات عاطفية لحقت بأنظمة عربية وإقليمية ودولية جراء غيرتها الكبيرة على الطفولة والرجولة والأنوثة الشامية المبادة بالصواريخ الحاملة لرؤوس الغاز السام.
ألف، ألفان، وقد تصل لثلاثة، هي أرقام الضحايا المتداولة على الشاشات، وفي مواقع التواصل الثورية، وربما تزداد الأعداد وفقاً لإحصاءات تقوم فيها فرق الطبابة الميدانية والكتائب المسلحة التي لا تكذب في خبر أو تتأخر عن علاج جريح أو توفير مأوى لعجوز تائه جراء غزوة ائتلافية قاعدية كالتي حدثت في ريف اللاذقية، بدليل ما أثبته للعالم صاحب القلب الرؤوم الثائر السني كما وصف نفسه "أبو فراس"، ابن منطقة الحفة العامرة بالوحدة الوطنية على حد تعبير النظام وإعلامه المريض.
أبرز تحليلات مريخية عن المجزرة، كانت تلك التي أدلى فيها العقيد الفار عبد الحميد زكريا لتلفزيون الجزيرة حيث رأى أن سببها يعود لخلاف بين د. بشار الأسد وأخيه ماهر على خلفية التعامل مع الغزوة الائتلافية لريف اللاذقية، وأن هناك انقلاباً عسكرياً كان يجري التحضير له داخل النظام، إضافة لرسالة جديدة للشعب السوري تقول بوجود قيادة جديدة للعمليات العسكرية لا توفر حتى الكيماوي، وأهم ما في الأمر إقحامه للضباط العلويين في إطار الحديث، لا لنزعة طائفية تسيطر عليه، حاشا وكلا، بل لأنه يقول الحقيقة الدامغة، زكريا هذا وفق مصادر غير ثورية، علم بسبب المجزرة من الحمام الزاجل الذي أرسله إليه مجاهد شيشاني يختبئ تحت أحد نوافذ الغرفة التي تم فيها التخطيط للانقلاب وانتخاب القيادة العسكرية الجديدة.
أفضل تقرير شعري نثري في تغطية الحدث كان من نصيب الجزيرة، التي أوكلت مهمته للفلسطيني ماجد عبد الهادي، فنظم تقريراً أبكى ملايين المتابعين لجثث الأطفال المصفوفة كألواح الخشب أمام الكاميرات الثائرة، الصورة تحديداًً عندما تتعلق بطفل لا تحتاج لتعبير أو إشارة فهي تتحدث عن نفسها، لكن المشاعر العابرة للأقطار والطاقة المجازية، التي بثها فيها ملهمنا ماجد، جعلتها تتكلم لغة جديدة، هذا -وهذا هنا تعني ماجد على حد إحالاته التي جاءت بكلمة هنا في التقرير مشيراً فيه لمكان المجزرة-، لديه من ملكات اللغة وقدرة العزف على الكلمات، ما يفقد المرء إمكانية السيطرة على حب الوطن الساكن بين أضلاعه، فيرى نفسه من شدة التأثر مندفعاً "والعياذ بالطبيعة" كثور يضرب الشاشة برأسه حال وقعت عيناه بالخطأ على قنوات النظام انتقاماً للضحايا الأبرياء –تحول الإنسان لثور يحدث مجازياً ولا ينفي عنه حقيقة الآدمية الوطنية-، هذا وهذا هنا مرة أخرى تعني نفس الماجد، لو كتب ربع التقارير التي نظمها عن "الثورة الإسلامية في سورية" عن بلاده الأم فلسطين عبر نفس الشاشة لكان ألهم آلافاً ربما قيادة ثورة قد ينسب لها فضل تحرير بعض بقاع الأرض المحتلة، وفق ما قالته عجوز عربية معجبة بتقاريره وتنوي تسمية حفيدها على اسمه محبة فيه.
بعيداً عن تحليلات العقيد الفار زكريا وتغطية الجزيرة المعتادة وكوادرها، وما رافق الحدث من بلبلة وجلجلة، ماذا بعد كيماوي الغوطة؟ باختصار لا جديد إلا استمرار المجازر بشتى أنواع الأسلحة من الطرفين ضد الشعب، الأول نظام يحارب مؤامرة كونية مختبئاً كالهر خلف الجيش ومسنوداً بقوى تبحث عن مصالحها، والثاني شعب مجاهد "سوري عربي إقليمي دولي" له أهداف تحررية عدة، بعضها على طريقة أسامة ابن لادن وأبو محمد الجولاني، وبعضها على طريقة "قرشين بيض ليوم أسود"، وبعضها لا يسعفنا المقام هنا لذكره، مضافاً لكل ما سبق افتتاح مزاد الكيماوي كلما دعت الحاجة، فعلى سبيل المثال -وللمثال لا أكثر- دولة تريد إطلاق تجربة على تطور وصلته في مجال الأسلحة السامة والقاتلة بهدوء دون ضجيج وأصوت قذائف، فتتجه إلى قلب العروبة النابض وتجري التجربة بعد اتفاق بسيط بين أحد الأطراف المتصارعة وجهاز استخباراتها، أو ربما بين كل الأطراف، من يدري؟ وربما تكون هذه المجزرة وسابقاتها رصيد يتم تخزينه من أجل استثماره لاحقاً، قريباً أو عبر سنوات قادمة لتبرير أي تدخل عسكري أو تقاسم للكعكة السورية بين قادة العالم الإنساني الديمقراطي.
اتهام الائتلافيين وملحقاتهم للنظام الممانع بارتكاب المجزرة لا شبيه له إلا اتهام خرج علينا فيه النظام الممانع نفسه أوائل الحراك الشعبي عندما راح يروج لرواية إعلامية تقول بوجود حبوب هلوسة "بعد طحنها طبعاً" في سندويش يوزع على المتظاهرين، ونشكر الرب أننا لم نتناول أياً منها.
الشواهد التوثيقية الائتلافية وهي غير محل ثقة أبداً كمقاطع الفيديو بعد تجريدها من الصراخ والعويل الثوري، تقول -لمن لديه عقل- أن هناك لعبة قذرة قبل وخلال وبعد شيوع نبأ المجزرة، لا يستثنى منها حليف أو عدو، فالكل استثمر الحدث لصالح أجندته الخاصة وروايته، لكن ماذا عن الأقمار الصناعية التي تقيس سورية بالمتر، هل هي عاجزة عن تحديد من يقصف من على طول النزاع، وليس تحديداً حدث كيماوي الغوطة الأخير، ما هي الأدوات المستخدمة لذلك، ما حقيقة ما يجري في هذا البلد المنكوب؟ طبعاً لا يمكن لدولة أن تعطل الطريق على مصالحها وتتعامل بإنسانية لإنهاء نزاع العار الدائر لكن ربما آن الأوان ليفهم بعض السوريين جيداً أنهم أدوات حربية بيد قوى إقليمية ودولية، مثلما النظام الممانع أداة سياسية في يد قوى إقليمية ودولية أخرى، وما عليهم إلا أن يتحاشوا الموت لا أكثر بانتظار أن تنتهي معركة الحيتان في بحر دمائهم.
هذه المرة يبدو أن النظام بريء ليس لأخلاقياته أو لأن الصاروخ الإعلامي عمران الزعبي نفى الاتهام، بل لاعتبارات عدة، أكثرها وضوحاً ما كشفت عنه الحملة السياسية والإعلامية العربية-العالمية التي تبعت الحدث، والتي خمدت فجأة بعد أن سممت القلوب والعقول وبررت الكارثة على طريقتها.
هناك مجزرة وقعت لا يعلم تفاصيلها الحقيقية إلا من ارتكبها، ومادام مسرح الجريمة بيد "الثوار المجاهدين"، والطريق إليه بيد "النظام الممانع" فقد تطوى الصفحة دولياً كما طويت صفحات قبلها، بانتظار مجازر جديدة بعد افتتاح سوق الكيماوي- فرع سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح