الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الثورة المصرية-.. ظواهر ميدانية تطلب تفسيراً

جواد البشيتي

2013 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
ثورة الخامس والعشرين من يناير (والتي هي وحدها الثورة المصرية) لم تنتصر، مِنْ قَبْل، حتى أقول هُزِمَت الآن؛ ولم تَكْتَمِل، وتُنْجِز مهمَّاتها، وتُحقِّق أهدافها، حتى نتَّخِذ مِمَّا أصابها، وحلَّ بها، الآن (حُكْم السيسي الانقلابي العسكري، والإفراج عن مبارك) سبباً للدعوة إلى "ثورة جديدة"؛ فإنَّ مهمَّة السَّاعة في مصر هي "تجديد الثورة القديمة نفسها"، أيْ استئناف ثورة الخامس والعشرين من يناير، والمضي فيها قُدُماً، واستكمالها؛ وما دام الشعب يُقاوِم، ويُصارِع، وينزل إلى الشوارع، فإنَّ من الانهزامية، والمجافاة للحقيقة، أنْ يُصوَّر هذا الذي أصاب ثورة يناير، وحلَّ بها، على أنَّه انتصار (نهائي) للثورة المضادة.
وإنِّي لأتوقَّع الآن (وفي تَوقُّعي هذا تكمن ضرورة ثورية) أنْ يعود "ميدان التحرير (العظيم)" إلى ما كان عليه إبَّان ثورة يناير، وأنْ تُحْيا، في الوقت نفسه، عِظام "رابعة العدوية" وهي رميم؛ فالآن (وبعد الإفراج عن مبارك على وجه الخصوص) أتى السيسي نفسه بالدليل لكلِّ مَنْ كان يطلب دليلاً على وجود النهار، قائلاً، مِنْ غير أنْ يقول، إنَّ كل مَنْ يَقِف معي، ولا يَخْرُج عليَّ، إنَّما هو عَدُوٌّ مبين لثورة الخامس والعشرين من يناير.
"شعب يونيو"، والذي تدثَّر به "الانقلاب العسكري"، وامتطته قوى الثورة المضادة، هو الآن قَيْد التفسُّخ والانحلال، إذا لم يكن قد تَفَسَّخ وانْحلَّ؛ أمَّا "شعب يناير"، الذي تَلَوَّن، بعد عَزْل (واعتقال) مرسي، بلون جماعة "الإخوان المسلمين"، فشَرَع يتَّسِع، ويَضُمَّ إليه مزيداً من ألوان قوس قُزَح الشعبي؛ وكأنَّ "ميدان التحرير (الذي عَرَفْناه إبَّان ثورة يناير)" يتفرَّع الآن، مكاناً وزماناً وقوىً وروحاً..، في مصر كلها، وفي الأحياء والشوارع؛ وكلُّ هذه "الروافد الثورية"، الكثيرة المتكاثرة، تُوْشِك أنْ تُحطِّم "الحواجز" التي أقامها حُكْم السيسي ليَحول بينها وبين أنْ تَصُبَّ جميعاً في "الوادي العظيم"، لتُعِيدَه إلى ما كان عليه، نهراً ثورياً عظيماً، يفيض، ويفيض، حتى يُغْرِق، وإلى الأبد، هذه المرَّة، كلَّ عَدُوٍّ ظاهر، أو كامِن، لثورة الخامس والعشرين من يناير؛ فهذه الثورة فيها الآن من "قوَّة الإيمان" ما يجعلها المُؤمِن الذي لا يلدغ من جحر واحد مرَّتين!
ظاهر الأمور، في الحراك الشعبي الثوري المصري الآن، فيه كثيرٌ من "الخداع" الذي يحتاج إليه السيسي في سعيه (وصراعه) من أجل تثبيت وتوطيد حكمه، الذي إنْ دام وبقي، لن يدوم ويبقى شيء من ثورة يناير.
و"عِلْم الثورة"، كمثل كلِّ عِلْم، يُفسِّر ويُعلِّل الظواهر، ولا يتَّخِذ منها تفسيراً وتعليلاً؛ فما هو تفسير وتعليل ظواهر من قبيل خُلُوِّ "الميادين"، و"السَّاحات"، و"الأمكنة الفسيحة"، أو "الأمكنة الحيوية والإستراتيجية"، في العاصمة، وفي بعض المدن الكبيرة، من الحشود الشعبية الثورية (وهي ظاهرة تشبه النهر الذي انقطعت، أو قُطِعَت، عنه روافده)؟
عن عمد وقصد، ارتكب السيسي (الذي يمثِّل القوَّة الغاشمة من عسكر وشرطة وأجهزة أمنية وبلطجية) المجازر، ومجزرة "رابعة العدوية" على وجه الخصوص، وألقى القبض على المئات والآلاف من قادة جماعة "الإخوان المسلمين" والمنتمين إليها، وسعى في بَثِّ الخوف والرُّعب في قلوب المعارضين والمناوئين له، وأعلن حالة الطوارئ، وقرَّر حَظْر التَّجوُّل.
والغاية الكامنة في هذا البطش بالمعارضين والمناوئين له إنَّما كانت "إعادة بناء جدار الخوف" في قلوب المصريين؛ فثورة يناير بدأت إذْ حطَّم الشباب الثوري هذا الجدار؛ وكلَّما تحطَّم اتَّسَعَت الثورة؛ وكلَّما اتَّسَعَت ازداد تَحَطُّماً.
ولقد شَعَر السيسي بالإحباط، واستبدَّ به هذا الشعور، إذْ تبيَّن له، وتأكَّد، أنَّ هذه الجرعة الهائلة من الوحشية والفاشية لَمْ تُعِد بناء ما هَدَمه التاريخ نفسه في نفوس المصريين، ألا وهو "جدار الخوف"؛ فما كان منه إلاَّ أنْ شرع يلعب لعبة الخداع والإيهام، فحوَّل كثيراً من "الميادين"، و"السَّاحات"، و"الأمكنة الفسيحة"، أو "الأمكنة الحيوية والإستراتيجية"، في العاصمة، وفي بعض المدن الكبيرة، إلى "مناطق عسكرية مُغْلَقَة" حتى يبدو الحراك الشعبي الثوري ضدَّ حكمه قَيْد التلاشي والاضمحلال؛ فالعالَم (على ما قرَّر السيسي) يجب ألاَّ يرى كتلة شعبية مليونية في مكان (ميدان) واحد.
وتولَّى "الإعلام المصري"، الذي يتقاسَم السيسي ومبارك الهيمنة عليه، تفسير هذه "الظاهرة" على أنَّها دليل عملي على ما أصاب جماعة "الإخوان المسلمين" من عجزٍ عن الحشد والتنظيم والقيادة والسيطرة.. (بعد، وبفضل، زج المئات والآلاف من قادتها، والمنتمين إليها، في السجون).
السيسي يَعْلَم أنَّ الثورة، في معناها الميداني والعملي، هي أنْ تَصُب تلك "الروافد" في "النهر"، فيحتشد الثوار والمتظاهرون في ميادين وساحات حيوية وإستراتيجية، وأنْ يتحوَّل احتشادهم إلى اعتصام، وأنْ تغدو مراكز الاحتشاد (والاعتصام) الشعبي الثوري مَنْبَعاً تنبع منه، في استمرار، المظاهرات والمسيرات، التي تجوب الشوارع والأماكن القريبة، لتعود، من ثمَّ، إلى نقاط انطلاقها، وأنْ يَقَع، ويتكرَّر وقوع، "الاحتكاك" بين الطَّرفين، وأنْ يتخلَّل ذلك اقتحام المتظاهرين لمبانٍ حكومية مهمة سياسياً، وأنْ تتفاعل كل هذه الأحداث الثورية بما يؤدِّي، أخيراً، إلى الاستيلاء على السلطة.
وأراد السيسي بإغلاقه (عسكرياً) الميادين والأماكن الحيوية والإستراتيجية، وبتَرْكه الثائرين عليه يتظاهرون بعيداً، أيْ في الأحياء والشوارع، ومن غير أنْ يذهب إليهم، للبطش بهم، أنْ يقول للعالَم إنَّ تظاهرهم "غير السلمي"، والذي هو العاقبة الحتمية لوجودهم في تلك الميادين والأماكن، هو ما "اضطَّره" إلى البطش بهم هذا البطش؛ كما أراد أنْ يُوْهِم العالَم أنَّ الحراك الشعبي المليوني ضدَّه في "الميادين" كان حراكاً منظَّماً حزبياً، ولم يكن نُتاج عفوية شعبية؛ والدليل على ذلك (على ما يريد أنْ يُوْهِم العالَم) هو أنَّ "الميادين" غدت شاغرة خالية ما أنْ أُلْقي القبض على "المُنَظِّمين".
إنَّ خُلوَّ "الميادين" ليس دليلاً على تلاشي وانتهاء الثورة؛ بَلْ هو "دليل (سلبي)" على استمرارها وتعاظمها؛ فإغلاق "الميادين"، عسكرياً، لا انتهاء وتلاشي الثورة، هو ما يُفسِّر خُلوِّها (من المتظاهرين الثائرين).
وهذا "الخُلوِّ" لن يدوم طويلاً؛ فـ "الروافد" تكثر، وتتكاثر، وتتعاظم؛ و"العصيان المدني" سينمو ويَعْظُم؛ والعزلة الشعبية لحكم السيسي (بعد، وبفضل، الإفراج عن مبارك على وجه الخصوص) ستشتد وتعنف؛ وبعد انقضاء بعض الوقت، ستتحطَّم "الحواجز" و"الموانع"، وسيَفْتَح المتظاهرون الثائرون "الأماكن المُغْلَقَة"، ويعود "ميدان التحرير (وغيره)" إلى ما كان عليه إبَّان ثورة يناير؛ أمَّا الثائرون أنفسهم فسوف يعودون إلى هذا الميدان العظيم وقد تخلَّصوا نهائياً من الأوهام، وأصبحوا جميعاً أكثر انتماءً (بوعيهم ومشاعرهم) إلى "الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مخطط السيسي ومهزله30 يونيو
هاني عبد العليم ( 2013 / 8 / 24 - 16:03 )
مخطط السيسي كالتالي
تشويه الاخوان واصطناع الازمات خلال وجودهم بالسلطه وتضخيم اخطائهم لعزلهم عن الجمهور الامر الذي يسهل ضربهم والقضاء عليهم ثماغراء بعض القوي المدنيه للتعامل معه باشراكهم مؤقتا في السلطه لاعطاء مسحه مدنيه ليبراليه للانقلاب ثماستغلال الغوغاء والسوقه بمغازله ثقافتهم البائسه ووعيهم البدائي وجهلهم بالطبيعه القمعيه للمؤسسه العسكريه
توظيف سواقط المثقفين من الليبراليين واليساريين الذين يعانون عصابا مرضيا من اي قوي ذات مسحه اسلاميه ث ثم
استغلال حثاله الاعلاميين التابعين لنظام مبارك او المناصرين للعسكره من الانتهازيين لخلق حاله من التعبئه النفسيه والعقليه للجماهير بالايحاء باستحاله تحقيق استقرار دون العسكر وتشديد قبضه السيسي علي السلطه
والان تري الغوغاء والبلطجيه يجوبون الشوارع والطرقات رافعين صوره السيسي بيد وباليد الاخري ساطورا او بلطه يرهبون بها المنددين بالانقلاب العسكري
وهؤلاء السوقه والبلطجيه الماجورون يمارسون اعمالهم في حمايه الشرطه وتحت مظله اعلاميه ماجوره تطلق عليهم وصف الاهالي او المواطنين الشرفاء الذين
يقاومون الارهاب

اخر الافلام

.. كيف استفاد نتنياهو من هجوم 7 أكتوبر؟


.. بايدن يتمسك بالترشح وسط عاصفة جمهورية لإزاحته




.. تصاعد الدخان مع تبادل إطلاق النار بين الاحتلال وحزب الله على


.. مظاهرات أوروبية متجددة للمطالبة بوقف الحرب على غزة




.. انفجار بمصنع للألياف الكيميائية في الصين يولد حريقاً هائلاً