الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصاميّة الشعوب وألإرادة السياسية

عبد علي عوض

2013 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لا يختلف إثنان على أنَّ جُعبة التاريخ غنية بالتجارب ألتي تعكس سِفر شعوب وحضارات إندرَسَتْ وقامت على أنقاضها حضارات جديدة وضعَت بصماتها على مسيرة تطوّر المجتمعات البشرية بمختلف عاداتها وتقاليدها. وقد كان القرن المنصرم حافل بالأحداث وفي مقدمتها الحربين العالميّتين الأولى والثانية. وتحديداً، الحرب الثانية أعطَتْ دروساً ،بالإعتماد على القدرات الذاتية، لشعوب تلك البلدان ألتي خاضت غمارها ووقعت تحت وطأتها وخرجت منها بين منتصر وخاسر. لقد دمّرت ألمانيا الهتلرية ست آلاف قرية ومدينة سوفيتية وقتلت ثلاثين مليون إنسان سوفيتي (عشرين مليون عسكري وعشرة ملايين مدني!)، لكن بعد خروج الإتحاد السوفيتي منتصراً مع الخسائر الجسيمة ألتي قدّمها، إستطاع هذا البلد الشاسع بمساحته أنْ يعيد بناء إقتصاده وجميع مرافق الدولة العلمية والثقافية وألإجتماعية بقدراته الذاتية من خلال إستغلال موارده الطبيعية بصورة عقلانية، حتى أصبح يساعد البلدان الفقيرة ويدعم حركات التحرر في مختلف مناطق العالم. كذلك الحال مع ألمانيا ألتي خرجت من الحرب مستسلِمة وأصبحتْ مدنها أنقاض وتمَّ إقتسام الغنائم الألمانية من مصانع وعلماء بين المنتصرَين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ألأمريكية، لكن ألمانيا نهضت وأعادِت بناء نفسها وعوّضتْ ما خسرته في الحرب ذاتياً، وهي الآن تُعتبَر القطب الرئيس في الإقتصاد الأوربي. أما اليابان، فقد وجدَ شعبها نفسه يشعر بالمرارة نتيجة الإستسلام للولايات المتحدة وتعرّض مدينتيه (هيروشيما ونكازاكي) للإبادة النووية الأمريكية، لذا فإنّ هذا الشعب إستوعبَ الصعوبات ألتي ستواجهه وجسامة المهمات الملقاة على أكتافه، فقرّر سلكْ طريق التحدي مع نفسه، ولاداعي للتعليق على ما وصلت إليه اليابان من تقدّم في كافة المجالات، وهي ألآن تمثل أحد أكبر أقطاب الإقتصاد العالمي والتكنولوجيا العالمية، وبهذا الصدد يؤكد السفير الأمريكي (إدوين أشاور) في كتابه «اليابانيون»أنّ سِر نهضة اليابان يتلخص في نقطتَين: (الإنتقام من التاريخ الذي لم يُنصف اليابانيين، وبناء الإنسان الياباني)، بحيث أصبح كل ياباني يتسّم بالعطاء اللامحدود والتسامي الأخلاقي ونكرات الذات، وكمثال، فعند حدوث الكوارث الطبيعية من زلازل وفياضانات، لا يقوم الزبائن المتواجدون في الأسواق بسرقة السلع ألتي بحوزتهم، بَل يعيدونها إلى تلك الأسواق، ومن جانب آخر يقوم أصحاب الأسواق بتخفيض أسعار بضائعهم كمساعدة للناس المنكوبين. وحول كوريا الجنوبية، فبعد خروجها من الحرب في عام 1953 إعتمَدتْ في بداية الأمر على المساعدات الأمركية الهادفة إلى إبقاء كوريا تابعة للفلك الأمريكي، وبواسطة تلك المساعدات حققت بناء أساسيات الإقتصاد الكوري، وهي الآن تُعَدْ من النمور الآسيوية. إنّ كل ماذكرته من أمثلة، يؤكد أنّ تلك الشعوب تتسِّم بعصامية سلوكها بإعتمادها على إمكانياتها الذاتية نتيجةً لدروس وتجارب التاريخ ألتي واجهتها وأثبتت لها أنّ التبعية الدولية تمسخ الشعوب وتُبقيها متخلفة وتؤدي إلى غياب وطمس الشعور الوطني لدى الإنسان، والذي ساعد بشكل مباشر في عصامية تلك الشعوب وتطورها هي خطط وبرامج الأحزاب السياسية ألمشاركة في إدارة السلطة لبلدانها، إذ أنّ قيادات تلك الأحزاب، تعلم جيداً أنها جزء من مجتمعاتها وتعي طموحات شعوبها.
عندما ننظر إلى الواقع المصري الحالي، نرصد حالة الرفض الشعبي لدكتاتورية الحزب الواحد من جانب، ومن جانب آخر تعوّدَ المصريون (ليس إنتقاصاً منهم ومع الإعتزاز بهم) الإعتياش على المساعدات الخارجية بسبب النهج أللاوطني للأنظمة السياسية ألتي أدارت الحكم في مصر، وألتي زرعت مبدأ الإتكال على فُتات الغرب والخليج. لذا نلاحظ الآن كيف تهدد الولايات المتحدة بإعادة النظر بمساعداتها (1,3 مليار دولار) لمصر، وكيف تمّ إخراج مبارك من سجنه ووضعه قيد الإقامة الجبرية من خلال صفقة خليجية. إنّ وطنية الشعب المصري لاتتحقق من خلال الشعارات الفضفاضة (مصر أم الدنيا، قلب العروبة النابض، رائدة الأمة العربية وإلخ)، بل يتوجب عليه الإعتماد على نفسه في بناء بلده بعيداً عن كل الضغوط الدولية، ويتفهّم جيداً إنّ تقدم أي بلد لا يُقاس بعدد سكانه وحضارته ألتي تمتد إلى سبعة آلاف سنة، إنّما بثقله وتقدمه الإقتصادي والعلمي ودوره في منظومة الإقتصاد العالمي.
أمّا الحالة العراقية، فهي مصيبة!.. عملية إنهيار ومَسخ العصامية، إبتدأها طاغية البعث من خلال إذلاله وتجويعه للعراقيين، وزاد الطين بلّة الحصار الإقتصادي، وحتى بعد سقوط البعث الفاشي، أدارت البلد قوى سياسية غالبيتها طارئة، يتلخص نشاطها بين الولاء للخارج وبين ممارسة الفساد بكل أشكاله ونهب ثروات العراق وعدم الإستفادة منها في عملية البناء الشاملة، وتسعى تلك القوى لجعل العراقيين شعباً كسولاً إتكالياً يعتاش على موارد النفط، فلا غرابة عندما نشاهد ونسمع أصوات ناعقة في البرلمان تطالب بتوزيع الفائض من عوائد النفط ( وهو غير موجود أصلاً) على العراقيين، وكأنّ العراق تخلص من ديونه والموازنة السنوية خالية من أي عجز. نعم هنالك شريحة واسعة من المعدمين ويجب إنصافهم وتحقيق الحياة الحرة الكريمة لهم، لكن المشكلة تكمن في إستفحال ظاهرة التشكي والتباكي من قِبَل الجميع حتى المتخَمين منهم، فلو تمَّ توزيع خزائن (وول ستريت) على هؤلاء فلن يتغيّر سلوكهم، هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى أنّ الأحزاب الجاثمة على الحكم بسبب فقدانها الشعور الوطني، فتحت الأبواب أمام جراثيم التخريب لا البناء. إنّ الوطنية لاتتمثل بإمتلاك هوية الأحوال المدنية أو شهادة الجنسية العراقية، إنما بعطاء المواطن لبلده وشعبه، فهنالك الكثير من (عراقيي الداخل) يقومون بعمليات تخريبية ويمارسون الفساد، بينما نرى أن الكوادر العلمية الوطنية العراقية في الخارج تتحرّق وتعاني لِما تشاهده من إنهيار داخل العراق وعلى كافة الصُعد، وهؤلاء لم يُفسح المجال لهم بالعودة والمشاركة في بناء بلدهم بسبب وضع مختلف العراقيل أمامهم، من بينها عدم إمتلاك قسم منهم الجنسية العراقية، وآخرون يتمتعون بإزدواج الجنسية، وأخيراً وهي الطامة الكبرى مطالبتهم بالحصول على البطاقة التموينية وبطاقة السكن!! .. إنها عراقيل وأعذار واهية، والسبب الحقيقي الذي يكمن وراء كل ذلك هو أنّ جميع الكوادر والشحصيات العلمية الوطنية العراقية في الخارج لاتتبع لأي واحد من أحزاب السلطة!.. فإلى متى سيستمر هذا الحال المأساوي والمزري!؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: ما الغاية من زيارة مساعدة وزير الدفاع الأمريكي تزامن


.. روسيا تنفي ما تردّد عن وجود طائرات مقاتلة روسية بمطار جربة ا




.. موريتانيا: 7 مرشحين يتنافسون في الرئاسيات والمجلس الدستوري ي


.. قلق أمريكي إيطالي من هبوط طائرات عسكرية روسية في جربة التونس




.. وفاة إبراهيم رئيسي تطلق العنان لنظريات المؤامرة • فرانس 24 /