الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفاعلية الوجود بين السلطة السورية وجبهة النصرة

عفيف رحمة
باحث

2013 / 8 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أحداث كثيرة تمر مسرعة دون أن ندقق بأبعادها وانعكاساتها على مستو البنية الوطنية، لكن وبسبب ما تحمله هذه الأحداث من مآس فإنها تحضر الذاكرة من جديد لتحرض وعينا للتفكير بكل ما حدث كؤشر على ما يمكن أن يحدث في وقت غير بعيد.

في خضم الأحداث السياسية والعسكرية وفي بيان مفاجيء طرحت جبهة النصرة حالها كفاعل أساسي في الشأن السوري رغم إفتقارها للحاضنة الإجتماعية الأخلاقية والثقافية، ليسارع بعدها الإعلام الرسمي إلى إحتضان بيانها وتخصيص مساحة واسعة من نشاطه التعبوي ليقدمها وليعرف بمشروعها ولا مشروعيتها، لا خدمة لقضية الديمقراطية والتغيير بل خدمة للاهداف السياسية الباطنية للسلطة.

على صعيد المعارضة اليائسة التي اندفعت للتسلح ضمن إطار الجيش الحر، أرادت السلطة تحقيق هدفها السياسي الأمني بعملية ربط عمد لهذه المعارضة مع جبهة النصرة، سعياً وبحكم خبرتها، للتشكيك بسلامة الإنتماء وعدم صدق التطلعات وانعدام مصداقية المطالب السياسية والإجتماعية والأقتصادية.

خطوة كان لا بد منها لإزاحة وتهميش دور جناحها العسكري (الجيش الحر) عن حاضنته الشعبية بعد اضمحلال جناحها السلمي، خشية خضوعه مستقبلاً لعمليات الفرز السياسي الذي يؤهله العودة كقوة سياسية فاعلة في المشهد السوري، خطوة تعبوية إستفادت منها السلطة على الصعيد العسكري لكن بفعلها هذا أعطت للنصرة زخماً لا يتناسب مع حقيقتها السياسية والتاريخية.

على المقلب الشعبي أراد الإعلام الرسمي والحزبي تقديم جبهة النصرة بقيمها البربرية اللاحضارية كرافعة تبرير لفشلها في معالجة أزمتنا الوطنية الكبرى، ورغم أن جبهة النصرة لم تصنع لتحكم بل لتدمر وترحل فقد استفادت السلطة من حضور النصرة على الساحة السورية لإستخدامها كعصا ترهيب لمختلف شرائح الشعب، بشكل خاص تلك الفئات التي ارادت أن تنأى بنفسها عن صراع أرادته القوى الخارجية طائفياً بإمتياز.

في عملية الإستثمار هذه وبتحريض العقل السوري عبر المغازلة السادية التي امتهنها النظام، حققت السلطة جزء من أهدافها في جذب هذه الفئات من حالة الحياد إلى حالة الإصطفافات التي تخدم بقاءها واستمرار استئثارها بحكم البلاد، بعد أن بدأ يظهر في الأفق ملامح انزياح هذه الفئات عن حياديتها تجاه السلطة.

ووفق ذات المنهج استفادت السلطة بشكل أعمق من حضور هذا التنظيم لتثير الرعب لدى فئات أخرى غالباً ما تعامل النظام معها، ودون رغبة منها، كأقليات دينية (كالمسيحيين مثلاً) رغم أن هذه الفئات لا ترى وجوداً لها إلا في الإطار الوطني المتكامل.

رعب وضع هذه الفئات مجتمعة، رغماً عنها، على مفترق طرق ساهمت جبهة النصرة كما السلطة بشكل تفاعلي في توسيع زاويته، حيث كانت الفائدة في صالح السلطة بما نادت به النصرة من بضاعة فاسدة كالرغبة بالقضاء على الحياة المدنية والعودة لما قبل التشكل الوطني والعزم على تطبيق شريعة قمعية إقصائيية برنامجها أسلمة البلاد وفرض الجزية وعقوبة الحد....إلى غيرها مما يمكن أن تدعو إليه مثل هذه التنظيمات الدخيلة على البيئة السورية وتراثها الحضاري.

بهذه الممارسات السياسية والإعلامية كشفت السلطة دون إرادة منها عن هشاشة وهزالة نظامها السياسي الذاهب نحو المزيد من العسكرة في الوقت الذي كان يفترض منها وهي التي انفردت بحكم البلاد مدة أربعة عقود أن تكون قد بنت منظومة سياسية اجتماعية عسكرية لا تسمح بنفاذ مثل هذا الفكر التكفيري المروع حتى لنسمة من نسماته الجهنمية.

في مواجهة شعب، ما أراد يوماً عسكرة حياته المدنية، استطاعت السلطة أن تبرر إنسحابها وتخازلها الوظيفي، لإسترداد التعاطف الشعبي، بإلترويج لمقولات سياسية عسكرية يصعب على الشعب التثبت من صحتها، مثل صعوبة مقاومة حرب العصابات وحرب الشوارع التي تخوضها النصرة، والعجز الموضوعي لأي جيش نظامي في مواجهة مثل هذه التنظيمات المسلحة... إلخ (مناظرات مويدي النظام على التلفزيون الرسمي)، رغم أن نظرية حرب العصابات قد انتهت مع ستينات القرن العشرين، بشكل متزامن مع تطور أدوات وتقنيات القمع المستخدمة من مختلف الأنظمة في العالم.

لقد تغنينا وسنظل نتغنى بجيشنا الوطني، الجيش العربي السوري، لأنه جزء منا ومن نسيجنا الوطني، إلا أنه وأمام المآسي والإحباطات التي واجهها شعبنا يحق لنا ومن منظور وطني أن نسأل إن كان لدينا فعلاً جيشاً جراراً قادراً على قهر الأعداء، وإن وجد مثل هذا الجيش لماذا لم يعطى دوره الحقيقي في الدفاع عن مدننا وبلداتنا وقرانا منذ إندلاع أحداث الشغب، دور لا تختلف حوله الأنظمة السياسية بإعتباره واحداً من مهامه الوطنية المركزية في حال النزاعات والإضطرابات الوطنية، إلا إذا كان يشكل هذا الجيش مصدراً من مصادر القلق والخشية لدى السلطة التي لا تطمح للتحول والتغيير.

لقد تخلت السلطة عن أهم مهامها الوطنية، حيث تراجعت عن حضورها العسكري في الأماكن التي تستوجب ذلك، في المقابل تمّ تعزيز تحصينات أجهزتها الأمنية التي احتمت وراء قواقعها البيتونية، غير مبالية بما يمكن أن يحدثه إنتشار وسيطرت مثل تنظيم النصرة في هذه المدن والبلدات على المستو الإجتماعي والسياسي من تمزيق وتفتيت للوطن.

وبذريعة مجابهة إرهاب النصرة وتحت شعارات غير معززة وطنياً إستقدمت السلطة كتائب ردع لبنانية دون أن تعطي وزناً لإنعكاسات هذا الإستثمار، فما قولها لو أراد الفرنجة اليوم أن يعودوا للمطالبة بسيادتهم على ما زعموه من مقدسات لهم في بلادنا (يبدو أن علينا إعادة توليف التاريخ من جديد) وما رأيها لو طالبت إسرائيل بحماية ما تبقى لليهود من بيوت للعبادة (كنيس جوبر مثلاً) أو توافق البرلمان والسلطة في تركيا على ارسال فرق عسكرية لحماية ضريح السلطان التركي سليمان شاه، وهل تعلم كم سيكون تعداد جيوش أهل الهند والصين لو أرادوا المجيء للبحث والتحري عن مقدسات لهم في سوريا.

في المقابلة التاريخية على قناة المنار وفي سياق رد الشبهات حول معركة القصير وبزلة لسان تم الإشارة إلى أن تعداد جيشنا الوطني يقدر بمئات الألوف وأن المنظمات الجهادية لا تتجاوز أعشاراً منه، تقديم يتنافى مع ما ساقه الإعلام الحزبي والسياسي وكتائب الإعلام المستورد من أرقام خلال عامين عن تعداد لهؤلاء "المجاهدين"، حيث يتجاوز بالجمع والحساب مئات الألوف بين القادمين من الشيشان وأروبا واليمن والأردن ودول الخليج وما دفع إلينا من قتلة ومجرمين، هذه المبالغات لم تكن إلا لتبرير الغياب الأمني العسكري الإجتماعي والإقتصادي للدولة الغارقة بالفساد وعجز السلطة عن أداء واجبها الوطني الذي وحتى يومنا هذا تمارس إحتكاره رغم عجزها البنيوي على تحقيق ذلك.

ضمن سياق منهجيتها السياسية القمعية وفي إطار التشويه الدائم والمستمر لدور القوى الوطنية التي تغرد خارج سرب منظومتها السياسية البائسة وسعياً لتشوي الموقع الشعبي لهذه القوى التي غرقت معها في مغامرة سياسية مراهقة، حاولت السلطة ولا زالت مستمرة بحملتها لتجيير نتائج عجزها وفسادها إلى هذه القوى التي قبلت في إطار مشروع تأسيسي للتغيير السلمي والتحضير لحكومة وحدة وطنية أن تلعب دوراً في معالجة القضايا الإقتصادية وقضايا الصراع المسلح وتعزيز مقدمات المصالحة الوطنية، وكم بررع الرفاق الحزبيون في ترويج حملات النقد والتجريح اللاذع بعيداً عن الحس الوطني ودون أن يسألوا أنفسهم مرة واحدة عن دورهم الحقيقي والعميق في صناعة الفساد وخلق البيئة الموضوعية للتمرد الشعبي.

في كل ممارساتها أرادت السلطة إستحضار ذكائها القمعي والتشويهي لتبرير عجزها عن تنفيذ مهامها الوطنية، فاتحة المجال لتصعيد العنف والخوف والذعر عل وعسى يعود المواطن لينادي بمقولة "خلينا نرجع لأيام زمان" وهو ما وصلت إليه فعلاً شريحة واسعة من السوريين، خلاصة سعت السلطة لتحقيقها بتفاعلها السياسي مع جماعة جهادية كان يمكن لو أرادت أن لا يكون لها ذاك الحضور الواسع على الساحة السورية، لكنه فعل المصلحة المتبادلة رغم عدم تكافؤها، فعلٌ فعلَ فعله وكان للسلطة ما أرادت حيث الهم الشعبي آخر اهتماماتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق