الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على أجنحة النحل: رماك الله بثالثة الأثافيّ

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2005 / 5 / 17
الادب والفن


في ليلة شتوية باردة من عام 1996 رنّ جرس الهاتف، الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل. كان صوته معصوفاً بريح شديدة، وكل عبارة يخرجها من بطانته كانت مسبوقة بسهم قاتل على الأغلب في تلك اللحظات..
× هل لي بالتكلّم مع كريم ناصر؟
ـ أجبته: أجل أنا الشخص الذي تريد التحدث إليه.. ما الخطب؟
× ردّد بانفعال يشيّعه الغضب: لماذا لا تحترم النظام؟
ـ سألته بقصد المزاح، هل تقصد نظام المرور العام؟ وأنا أغرغر بالضحك، لأنني تصورته صديقاً يحاول المزح معي ليس إلاّ..
× قال لي بأعصاب متوترة: اسمع جيداً!!!
ـ صار الأمر أكثر رعباً، صار يتحدث عن معاقبتي، وقطع لساني، وتصفيتي! هذا ما كان ينقصني. من أيّ (زاغور) جاء هذا النَذْل؟ ولماذا انتقاني أنا بالذات من دون الخلق ليداهمني في الهزيع الأخير من الليل؟ عجباً!
× كان يصرخ بلهجة آمرية فأحسست أن رصاصة ما قد خرمت قحفي:
قال: أتظن بأننا عاجزون عن معرفة ما تقوم به؟ نحن نقرأ الممحي!!
ـ (قاطعته بحدة وغضب): سألتهُ من أنت لتكلّمني بهذه اللهجة السمجة؟ هذا ما كان ينقص!
صدرت منه كلمات نابية، لأسباب نأنف عن ذكرها، لكنّ الطامة الكبرى: أنه بدأ يقذفني بالشتائم، ويهدّدني وقال إنه سوف يرسل طرداً بريدياً يتضمن أسماء المثقفين الذين سوف يتم تهديدهم واحداً تلو الآخر على حد قوله!
× ثم أردف: نوعية القصائد التي تكتبها لا تتردد في استعمال المفردة الملغزة، وإسقاط فكرة ثقافة الدولة، نحن نعارض مثل هذه الأفكار السياسية، لأنها تمس توجهاتنا، ألا تلحظ أن قصائدك من العيار الثقيل؟!
ـ قلت له بوضوح ورزانة: لا شك في أنك مخطئ أيها الشرطي، أظنّ أن ثمة التباساً ما قد حصل في مستويات تفكيرك، فأنبئك سلفاً بأنني لا أكتب القصائد السياسية كما تظن، إنما في الحقيقة أكتب القصائد الاجتماعية والقصائد الزراعية، لذلك يرجى تعديل لهجتك السمجة قليلاً..
× قال وهو في فورة من الغضب المدمّر: كفاك تفلسفاً! فلتصمت نهائياً عن قول الشعر، قراءة وكتابة، ولتلغِ علاقتك بشلّة (.....)
ـ ماذا أسمع!! أية شلّة تقصد يا مفتري؟ رماك الله بثالثة الأثافيّ....
× كان يهمس إليَّ بحديثه الفاسد: والآن إنك جاوزت الحد وأفرطت في العداوة.
ـ أكان يعتقد بأنني ((سريع الاستنامة والانقياد لكل أحد)) ؟ يا للبؤس.
ـ سألته بفضول ؛ أتهاتفني من هولندا؟
× أجاب بقلق وحساسية: كلاّ من دولة مجاورة.
ـ ولكن لماذا أنت متوتر هكذا؟ ألا يمكن أن نلتقي ونتجادل في كل صغيرة وكبيرة؟
× استدرك قائلاً: كيف نتصارح وأنت عدو للنظام كما يبدو.
ـ أجبته باستهزاء: أتقصد النظام العالمي الجديد أم ماذا؟
× صرخ بملء فمه ثم قال باقتضاب: كلاّ النظام العراقي. نحن نحذّرك لأنك تكتب الشعر!!

كانت كلماته تسقط كالرعد المدوي بما يوافق انطلاق القذائف من المدافع، بدأ يتحدث عن الحرب والحصار وأطفال العراق والجوع والقصف، ويلقي بتبعات كل هذه الأواليات عليّ، وكأنما أنا مشعل الحرائق في قنّ الدجاج.
ـ قلت: ألا تدري أن لا شأن لي بكل ما تقوله. فكما أخبرتك آنفاً: إنني أكتب القصائد الاجتماعية والقصائد الزراعية، أرجوك لا تكن مرعوباً ـ فواحد مثلي لا يحل رجل الدجاجة، فلتطمئن..

وكما هو القياس في قولنا: أطلقَ الظربان رائحة حجرية منتنة، ثم انهزم على نحو دائم، بأعصاب متقطعة، بينما أضحت علامات الحقد متجلية في كل كلمة من كلماته.
صدّقني أيها القارئ اللبيب أن تلك الحادثة المريبة ليست من محض صناعة الخيال.


-----------------------------------------------
* أي بالشر كله، لأن الأثافي ثلاثة أحجار فإذا رماه بالثالثة فقد بلغ النهاية (المنجد)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-