الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تصدق الضربة الأمريكية بعد الغوطتين؟

إدريس نعسان

2013 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تتعدد السيناريوهات المحتملة للرد العالمي على النظام السوري، فهناك سيناريو كوسوفو الذي قد يدوم فيه قصف المواقع الحيوية للنظام أكثر من سبعين يوماً أو يكون على شاكلة قصف السودان ليوم واحد فقط، أو ربما يكون هنالك سيناريو خاص بسوريا التي أخفقت فيها كل التحليلات و التكهنات لتشكل استثناءاً ليس فقط في اعتبارها اسوء كارثة إنسانية في القرن الحالي، بل استثناءاُ في طريقة حلها أو لا حلها أيضاً، فالدبلوماسية العالمية تنشط عادة في أعقاب أرتكاب النظام مجزرة او حماقة كبيرة و هذا ليس بجديد علينا، و تبدأ جولات المسؤولين المكوكية و تكثر تصريحاتهم النارية، لكن يبقى التحرك الميداني خياراً عصياً على التنفيذ و الممارسة، لحسابات لا يمكن الخوض فيها بصورة علنية، و هذا يسمى الجانب المظلم من السياسة و لعبتها الخفية.
لكن مجزرة الغوطة الشرقية و خاصة مشاهد الأطفال التي طغت على مجمل التقارير و الصور الإعلامية، أجبرت القطع الحربية الامركية الراسية في البحر المتوسط على تمديد فترة إقامتها المنتهية لتوفير سيناريوهات متعددة في انتظار قرار رئيسهم أوباما الذي قد يتخذ قراراً يغير المجريات على الأرض، إما بتدخل عسكري او ضربات صاروخية أو تدمير لسلاح الجو و الدفاعات الجوية، و تعزز ذلك بالتحاق المدمرة الرابعة لتكتمل التشكيلة القتالية الأمريكية استعداداً للبدء بما تُخّول تجاه سوريا.
و تأتي دعوات وزير الخارجية الفرنسي المطالبة باستخدام القوة العسكرية ضد النظام السوري في حال ثبت استخدامه السلاح الكيمياوي تأكيداً على الجدية الغربية في التوجه نحو ردع النظام السوري بجدية، فهذا النظام الذي تكرر انتهاكه لخطوط الغرب الحمراء قبل ذلك في خان العسل و تخوم دمشق و حمص، احرج الدبلوماسية الغربية كثيراً هذه المرة و اسقط عنها المصداقية و الهيبة، و هذا ما يحتم ضرورة وضع حد لهذا النظام بضربه و إضعافه و إثبات ضعفه أمام تفوقهم العسكري و قدرتهم على المحاسبة أين و متى توفرت لديهم الدواعي و الاسباب، و من جهة أخرى فإن اجتماع قادة أركان دول غربية و عربية و إقليمية في الأردن للتباحث حول الحلول العسكرية في سوريا، يدعم التسريبات القائلة بقرب زحف مقاتلين معارضين دربتهم أمريكا في الأردن، نحو جنوب سوريا تحت غطاء جوي أمريكي يرافقه قصف للطيران و الدفاعات الجوية السورية.
إلا أن للمعركة الدبلوماسية طقوسها و مراحلها التي لا بد أن تستوفيها و إن استغرقت مدة زمنية طالت أم قصرت، قبل الانتقال إلى الممارسة العملية، و في هذا الاثناء يخوض كل فريق حسب الجهة التي يدعمها إن كانت النظام أو المعارضة، في البحث عن ذرائع و دلائل لتبرءة حليفه و إلباس التهمة للفريق الآخر، سواءاً أكانت الأدلة حقيقة أو زائفة، لكن يبدو أن عراب النظام التقليدي (إيران) بات هذه المرة على قناعة بوجوب الرضوخ للأمر الواقع و الاعتراف بمقتل السوريين بالسلاح الكيمياوي على لسان رئيسه الشبه إصلاحي، و هذه السابقة تكذب النظام الذي أنكر على الدوام أمتلاكه هذا النوع من السلاح، و تشكل دليلاً على أن النظام هو الجهة الوحيدة التي تمتلك الكيمياوي و التي لها المصلحة في ارتكاب مجزرة بهذه البشاعة.
و يأتي الدفاع المستميت كالعادة من روسيا التي تعرقل ما من شأنه نصرة الشعب السوري في المحافل الدولية، إذ لا يطمئن التلويح بحصولها على صور من الأقمار الصناعية، و تأكيدها على أن هذه الصور تظهر الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيمياوي، يدفع باتجاه تبرءة حليفها المجرم، و إلباس التهمة للجيش الحر أو لطرف ثالث يشكل الشماعة التي يعلق عليها النظام جرائمة و مجازره و هذا قد يُثبّت عزيمة المعكسر المؤيد للثورة و يمنح النظام فرصة أخرى ليمارس القتل ضد المدنيين.
فمن غير النظام له المصلحة في قتل انصار الثورة؟ بكل تأكيد لايمكن أتهام الجيش الحر بقتل مؤيديه و عوائل عناصره من الاطفال و النساء و الشيوخ أثناء نومهم، إلى جانب استبعاد فرضية أمكانية أمتلاك أي فصيل من الجيش الحر أو من الجماعات المتطرفة هذا النوع من الاسلحة غير التقليدية التي يمتلكها عدد محدود من دول العالم و التي تخضع للمراقبة و التتبع المستمرين بوسائل التجسس و خاصة الاقمار الاصطناعية منها.
يمكن التسليم بصدو تصرفات خاطئة أو بعض التجاوزات عن عناصر من الجيش الحر و الفصائل الجهادية في سوريا، لكنها تبقى تصرفات في نطاق محدود و نتائجها محدودة، أما تعدد المجازر و ارتفاع أرقام القتل و التهجير و الاعتقال في صفوف الرافضين للنظام إلى درجات فاقت حدود التصورات و التكهنات يثبت بما لا يضع مجال للشك هوية القاتل و احترافه و الامكانيات الكبيرة التي يمتلكها و الغطاء الدولي الذي يحميه من المحاسبة فيتشجع أكثر و تتوسع دائرة جرائمه أكثر فأكثر، و هو الوزر الذي يتقاسمه المجتمع الدولي بصمته و تقاعسه عن نجدة شعب يتعرض لبشائع غير مسبوقة و جرائم تفوق حدود الإنسانية و مجازر تنوعت وسائلها و بقي القاتل فيها واحداً.
وفي انتظار ما ستحمله الأيام القلية القادمة من نتائج و تحقيقات و ربما تفاهمات بين قادة الدول المؤثرة في الملف السوري لا يمكننا التكهن بحتمية محاسبة قاتل الطفولة طالما أن لغة المصالح هي التي تدوم في السياسة و ليس الأخلاقيات و المبادئ الإنسانية، أو يبقى الامل قوياً في أن نردد قريباً المثل القائل "حفر حفرة لأخيه فوقع فيه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -