الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن.. وخلخلة الضريح

أماني فؤاد

2013 / 8 / 26
الادب والفن


صدرت رواية "ضريح أبي"عن دار العين للنشر، للروائي "طارق إمام"،وهي إذ تبتعد ظاهريا تماما عن الواقع السياسي الذي تعيشه مصر في هذه المرحلة الثائرة ، إلا إنها شديدة الإشتباك مع الواقع الثقافي والاجتماعي الذي رسخ، ثم أسفرعن هذه الاضطرابات والفوضي التي نحياها في مجتمعاتنا العربية رفضا للتحديث والتحرر.

يتشكّل الصراع الرئيسي بالرواية بين وطأة وثقل الموروثات الثقافية القديمة، التي استمرت تشكل العقل الجمعي والوجداني لدرجة التكلس، في مواجهة مع كل محاولة للإبداع الإنساني: العقلي، والفني، والعلمي، خروجا عن كل ما هونمطي،وأصولي وأسطوري.

يخرج "طارق إمام" من عالم روايته السابقة "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، المؤلف من علاقة ملتبسة بين شاعر يوناني شاذ يعيش بالأسكندرية، وله فكره المغاير و شعريته الخاصة، ومدينة ذات وجوه متعددة، يتعالي عليها، وفي الوقت ذاته لا يستطيع الفكاك من أسرها ، ليخطو في منطقة أخري جديدة، يوظف فيها التراث الديني الشعبي بتنويعاته؛ بغية الوصول إلي فكر متحرر، يشمل الوجود الإنساني بمعناه الكوني .

يخرج من دائرة "شعرية كفافيس"، مستنبتا منها دوائر صغيرة لم تزل تتشكل، قيد البحث واكتمال النضج؛ ليدخل دائرة "علاقة الإبداع بالموروث"، فتظل بعض عوالم الروائي الملحة والمتكررة في مشروعه الفني تطل برؤسها في نصه "ضريح أبي" ، فهناك ظلال من مجموعته القصصية " حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها" 2010 قائمة، فيعود لتقديم عالم الحلم ومدن الأخرة مرة أخري في "ضريح أبي" ، تلك الظواهر الملتبسة في الحياة البشرية، وتخضع جميعها لتأويلات افتراضية، تستثمر انفتاحها علي الخيال ذي العلاقات السريالية ، فتصبح عالما خصبا يبدع فيه الفنان عوالم الغرابة والوحشة.

تظل أيضا الكائنات العجيبة، والوجوه المشوهة، وهذا العالم الغرائبي العلاقات، يشغل حيزا كبيرا في سردية "إمام" مجتمعة، مكونة من كل أعماله ، كما تعد المقابر عالما للمتناقضات لديه، فمن قلب عتمتها يطلق البالونات ، والأغنيات والموسيقي، كما يطلق فيها المسوخ المشوهة، وموت الأحلام، وكائنات الليل المخيف.

تظل المدن الغريبة وحكاياها، وغرابة النماذج التي تعيش فيها، هاجسا يلح علي الكاتب في منحي غرائبي ، في "ضريح أبي" تبدو مدينة "جبل الكحل" نموذجا لمدينة مصرية مستدعاه من"كتاب الموت" الفرعوني ، نفس ذات الملامح ــ إن تحسستها بحدسك ــ.

حين شرعت أجسد شخصية "إسحق" في خيالي مثلما رسمها الروائي، استدعي شخصية "ثيوفيليس" أخر الفلاسفة السكندريين في نصه "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، ليست الملامح المشوهة فقط، بل أيضا المحمول الرمزي العميق الذي تحمله كل شخصية منهما، يقول إسحق:"لقد جئت لأمنح الوجوه لمن يريدون تغيير وجوههم ، وليس لأحصل علي مال ..المقابل الوحيد الذي سأحصل عليه من أي شخص يريد تغيير وجهه ..هو الحصول علي وجهه الأصلي . سأنزعه برقة دون أي ألم ، سأكشطه بنعومه دون نقطة دماء واحدة ، وأمنحه بدلا منه الوجه الذي يختاره بنفسه.. سأثبته مكان ملامحة القديمة ليصير وجهه الجديد الذي اختاره ..بدءا من هذه اللحظة لن يكون أحد منكم مجبرا علي الحياة بوجه ورثه عن آبائه دون أن يختاره"ص146 ،147

يتبدي إسحق بائع المعجزات، والرأس المقطوع الذي خدعه، كيانين إن اتحدا أو تكاملا أثرا بقوة في البشر: قد يكونا القدرة علي التغير والتبدل، قد يكونا تحالف المعجزة المقيدة بأصفادها حين تحررها الأفكار التي تحولت لها الرأس، حين يصفها الكاتب بأنها قائدة جيش الورق الائي كلهن من النساء ص154 .

وتبقي المعضلة الرئيسية في النص كما الواقع، أن من يبدل الوجه الموروث عن الأباء، ويستبدله بآخر، تبلي ملامحه وتضيع هويته، ونظل في محيط التناقضات الذي لا يجف ماؤه من الدعاوي المتباينة، رغبت للحظات وأنا انتهي من النص، أن أجد قولا ثائرا، يؤكد موت الولي، ويخلخل أعمدة ضريحه بقوة من الوجود..، وعدت أقول لذاتي: واهمة إن ظننت ذلك..تدريجيا للفن والفكر أن يخلخل أركانه، ويسكنه منطقته الرمزية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل