الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهمية اللغة في الدستور العراقي المنشود

باقر جاسم محمد

2005 / 5 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تحظى مسألة سن دستور عراقي جديد باهتمام كبير من لدن السياسيين و المتخصصين بفقه القانون الدستوري و المهتمين بالشأن العام خصوصا ، و من لدن أبناء الشعب العراقي عموما . و يرجع ذلك لعدة أسباب منها أنه أول دستور في العراق يسن في ظل مرحلة من التعددية السياسية و من حرية التعبير ، كما أنه سيحدد طبيعة نظام الحكم و أسلوب الممارسة السياسية في المستقبل و لفترة طويلة من الزمن . و نظرا لأهمية الوثيقة الدستورية التي ستقوم بصوغها لجنة خاصة شكلتها الجمعية الوطنية العراقية فقد رأيت أن أشير إلى أهمية الجانب اللغوي في الدستور المنشود . فالدستور يمكن أن يعرف بأنه الوثيقة القانونية الأساسية التي تضع الأسس القانونية للآتي: (1)تنظيم ممارسة السلطات الثلاث العامة التشريعية و التنفيذية و القضائية ، (2) تحديد اختصاصات هذه السلطات على أساس من مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ، (3) تنسيق آلية العمل بين السلطات الثلاث مما يجعل أداؤها يصب في نهاية المطاف في خدمة الصالح العام ، (4) تحديد الحقوق الاجتماعية و المدنية و السياسية و الإنسانية الأساسية للمواطنين . و الدستور بهذا التعريف يعدّ أرفع و أهم وثيقة قانونية و سياسية يمكن لأي بلد أن يتوصل إلى كتابته و إقراره و لذلك لابد أن يكون نمطا شديد الخصوصية من أنماط الخطاب اللغوي . و رفعته و أهميته لا تتأتيان من إرادة أو سلطة عليا تفرضهما على أبناء الشعب ، و إنما هما حصيلة حوار وطني واسع و جهود حثيثة و توافق إرادات . و حتى يكون الدستور المرجوة كتابته موضع هيبة و إجماع لا موضع انتقاص و اختلاف ، لا بد أن تول اللغة التي ستعتمد في كتابته عناية كبرى نظرا لأن الغموض أو الإبهام أو إمكان تعدد القراءات و التأويلات ، و هي ألغام خطيرة في هكذا نمط من الخطاب ، ستؤدي لا محالة إلى جعل الوثيقة الدستورية مصدر خلاف دائم و ليس أساسا راسخا للوحدة الوطنية .
و بعد تدقيق و مراجعة لما تمثله اللغة في صوغ الخطاب عموما و الخطاب الدستوري خصوصا من أهمية بالغة ، يمكن أن أجمل النقاط المتعلقة بالصوغ اللغوي للوثيقة الدستورية على النحو الآتي :
أولا. اعتماد اللغة القانونية الاصطلاحية المقررة في مجال الفقه الدستوري . و حبذا لو ألحق بالدستور مسرد للمصطلحات و معانيها التي قصد إليها المشرع ، و اعتبار ذلك الملحق جزءا لا يتجزأ من الدستور .
ثانيا. تحري أبنية النحو السليمة و معانيه الدقيقة في صوغ كل جملة أو فقرة . و نقترح أن يكتب الدستور بلغة مشكلة بوضع العلامات الإعرابية على نهايات الكلمات حتى لا يحدث لبس أو إبهام في فهم أي جملة أو فقرة .
ثالثا. أن تكون كل جملة قطعية الدلالة و غير قابلة لوجوه من التأويلات . ولكي يتحقق ذلك أرى أن يسعى من يتولون كتابة الدستور إلى تجنب اللغة المجازية بشتى صورها و اعتماد التقرير المباشر للمعاني المطلوب التعبير عنها ، فجماليات لغة القانون المطلوبة هنا تتمثل بالدقة و الوضوح و التبليغ و ليس الإيحاء و التعبير غير المباشر.
رابعا. تجنب الإيجاز الذي يحدث خللا في الوثائق القانونية عادة . و الحرص على استيفاء المعنى المطلوب ، و لكن دون إطناب لا تفرضه الحاجة الجوهرية إلى الدقة و الوضوح و التبليغ .
خامسا. تجنب الألفاظ ذات الطبيعة الإيديولوجية الخاصة التي ترتبط بحزب سياسي بعينه حتى لا يكون الدستور هدفا للتغيير لكونه يعبر عن نزعة معينة قد لا يؤمن بها من سيحكمون البلاد في مستقبل الأيام .
سادسا. كتابة النص الأصلي للدستور باللغتين العربية و الكردية فضلا عن لغة أجنبية واحدة على الأقل . على أن تكون النسخة العربية هي المعتمدة في حال وجود اختلاف بين هذه النسخ للأسباب العملية الآتية :
1. وجود عدد كبير من فقهاء القانون و المتخصصين بالعربية بين الأكراد في حين يندر وجود متخصصين بالكردية بين فقهاء القانون و اللغويين العرب .
2. استقرار أسس النحو العربي و أبنيته و معانيه بما يضع أساسا أكثر موضوعية لدقة فهم و تفسير نصوص الدستور .
3. الغرض من وجود النسخة الأجنبية هو أن تودع لدى الجهات الدولية مثل الأمم المتحدة و غيرها ، و ليس أن تكون حجة عند اختلاف تفسير النسخ اللغوية المختلفة .
4. لا يمكن أن تترك الوثيقة القانونية الدستورية المكتوبة بأكثر من لغة دون تحديد لغة بعينها تكون هي المعتمدة في حال نشوء خلاف حول تفسير نص معين تبعا لاختلاف النسخ اللغوية .
و ننهي مقالتنا هذه بالدعوة إلى تشكيل لجنة فرعية تضم متخصصين باللغتين العربية و الكردية ، و كذلك اللغة الأجنبية ، فضلا عن المتخصصين بالقانون الدستوري ، وتكون تابعة للجنة صياغة الدستور و على هذه اللجنة أن تتولى مهمتها فورا لأن الدستور الذي سيعرض على الشعب يجب أن يكون مصوغا صوغا محكما . و نتوقع أن يتناول جزء مهم مما سيكتب في نقد مسودة الدستور الصوغ اللغوي الذي هو مادة الخطاب الدستوري . و بهذا نرجو أن نكون قد أسهمنا في خدمة العملية الديمقراطية التي نأمل لها الازدهار في بلادنا الحبيبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من إدارة الطيران الأميركية بسبب -عيب كارثي- في 300 طائ


.. استشهاد 6 فلسطينيين بينهم طفلتان إثر قصف إسرائيلي على منطقة




.. كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي على إعلان القسام أسر جنود في ج


.. قوات الاحتلال تعتقل طفلين من باب الساهرة بالقدس المحتلة




.. شاهد: الأمواج العاتية تُحدث أضراراً بسفن للبحرية الأمريكية ت