الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الموت

رياض خليل

2013 / 8 / 26
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم




لن تقوم قائمة للشعوب العربية مالم تتخلى عن ثقافات الموت ، وتتمسك بثقافة الحياة .
ثقافة الموت هي التراكم المعرفي التاريخي لكل ماهو غير علمي وعملي في حياتنا الاجتماعية ، ورؤيتنا المريضة لها . ومن سمات تلك الثقافة : الجمود .. التعصب .. الانغلاق .. الكراهية .. الشك وعدم الثقة بالغير .. وصناعة الأوهام والمقدسات من أحط الأشياء وأشدها تفاهة وقذارة وضررا ، ومن بينها عبادة الفرد ، والانقياد الأعمى لبنية الاستبداد ، والدفاع عنها ، كوعاء مقدس للتناقضات الذاتية الداخلية القائمة على الكذب والغش والخداع والخوف ، وازدواجية المعايير في الأقوال والأفعال وسائر السلوكيات .
ثقافة الموت تعتمد على اللامنهجية واللاعلمية ، تعتمد على كراهية العقل والأخلاق ، تعتمد على محاربة الحرية ، وتعتبرها العدو الأخطر والأكبر تهديدا لبقائها وآليات حياتها المريضة ، التي تقوم على مبدأ " الصراع والتناقضات والانقسامات والتفتت كلها أكسير الحياة الوحيد لبقائها ، وصمام الأمان لروحها الخائفة القلقة لدرجة الجنون " . إنها ثقافة الجنون حقا .
ثقافة الموت تقوم على الجهل والتجهيل والنفاق لتثبيت نفسها ، وفرض سلطتها من قبل المستفيدين منها على سائر الناس ، ثم يصل بها الأمر إلى فقدان أي معايير وضوابط معقولة للعلاقات الاجتماعية الإنسانية ، لتدخل بعدها في حالة من الانتخار والتدمير الذاتي الشامل لكل مكوناتها ، وصولا لموتها الناجز ، وإخلاء المكان لآليات وقوى جديدة ، تكونت وتراكمت من عناصر الحالة السابقة .
إن ثقافة الموت لها عمر ، وهي بالتالي حالة آيلة للموت ، لأنها عاجزة عن مواجهة أسئلة لاتنتهي ، وعاجزة عن تلبية استحقاقات الحياة الاجتماعية : كالحرية والعدالة والكرامة والحق والمشاركة . هي بحد ذاتها مرض ، علاجه يعني موته
والمضادات الحيوية لثقافة الموت ، لايمكن تحاشيها ولا التهرب منها ، لأنها حاجة حيوية اجتماعية ومادية ، والمضادات الحيوية بالنسبة لثقافة الموت هي ( الداء والدواء معا ) وكلاهما يقضي عليها قضاء مبرما .
المضادات الحيوية المتراكمة والتي تتراكم رغما عن كل شيء ، تكمن في العجز عن وقف عجلة العلم والمعرفة الموضوعية ، التي تعتبر اساسا لاي تطور ، في أي ميدان . وبما أن العلم والمعرفة المنهجية ، غالبا ماتربي العقل على الاعتماد على المنطق الصوري والجدلي والعلمي ، فلابد من أن يؤثر هذا بنسب متفاوتة على إداء العقل الفردي والجماعي في مجالات النشاط الاجتماعي والسياسي ، ويلقي بتأثيره وثقله عليه ، لدرجة أنه يتحول إلى خطر ماثل على الحياة الراكدة المريضة للمجتمع ، الخاضع لاستبداد ثقافة الموت والقوى المدافعة عنها . هي إذن سيرورة لايمكن وقفها ولا الوقوف في وجهها إلى مالانهاية .. كما لايمكن هزيمتها استراتيجيا .
كانت الحقبة الأسدية السورية النموذج لمثل تلك الحالة ..من سيطرة الاستبداد وثقافة الموت التي تعتبر العنوان الكبير لها طوال عقود خاليات . وهاهي تعبر عن أزمة موتها بأفظع الصور دموية ومأساوية في التاريخ الحديث والمعاصر . فهي حالة تكاد تلتهم نفسها وكل ماحولها من حيوات بشرية اجتماعية كالسرطان . وهاهي تهدد بقوة حياة المحيط الإقليمية والدولي .
تربينا ثقافيا خلال الحقبة الأسدية على وجه الخصوص على كراهية الآخر ، وافتراض سوء النية لديه مسبقا ، وعلى الشك الهدام بكل شيء مختلف ومغاير لما هو قائم ومعتمد رسميا . تربينا على أننا وحدنا نملك الحقيقة والحق ، وأن من حقنا إعدام الآخر المختلف وإزالته من الخريطة . تربينا على التلفيق والكذب والنفاق ، وتقديس الطغيان ، على تشويه حقائق التاريخ والجغرافيا . وفرض مفاهيمنا بوسائل القوة والإكراه المختلفة على الأجيال المتعاقبة . تربينا على الولاء المطلق والأعمى للسلطة الثقافية المفروضة علينا ، تربينا على الطاعة والخضوع وتمجيد العبودية ، وتحويل كل شيء إلى مقدس ومحرم . . تربينا على أن نكون مجرد قطيع مدجن ومروض للحاكم المتأله المشوه عقليا ونفسيا وسلوكيا . وحلت ثقافة الموت بديلا لثقافة الحياة ، فقط من أجل أن يكون كل شيء وقودا لحياة الجنون الوحشية ، لحياة الخوف والموت واستلاب الكرامة والحرية والإنسانية خدمة للحاكم المعتوه المنحرف .
الحرامي يرى الآخر من منظوره : يرى الآخر حراميا ولصا ، ولايمكنه أن يراه بغير تلك النظارة التي لاتعكس الحقيقة والواقع كما هو ، بل كما يبدو بمرآة الذات المريضة المنحرفة . وبهذه الطريقة تعمل ثقافة الموت ، إنها تكرس الرؤية ال" سرابية " المخادعة للواقع ، وتحارب كل رؤية مناقضة لها وداحضة لها . والمشكلة أكبر من هذا ، حين تشمل تلك الطريقة في الرؤية كل شيء من حولك قريبا كان أم بعيدا ، وكل من يخالف تلك الرؤية يندرج تحت التصنيف نفسه . وكثيرا ما نعيش مع نماذج بشرية تحمل مثل تلك الفيروسات الثقافية ، وترى كل شيء من منظورها المريض المتعصب والذاتي أصلا . وهي تكره كل ماحولها مادام لايتوافق مع وجودها ومنطقها المغالط والشاذ والمتعصب .
إن ثقافة الحياة لايمكن مقاومتها ، لأنها تمثل قوانين الطبيعة ونواميسها . وهي ستنتصر بحكم قواها الذاتية ، على أية ثقافة " ستاتيكية " معادية لها . وإن سلاح ثقافة الحياة الأقوى هو العلم والمنطق وقوة الحياة التي هي الأصل في الأشياء ، وهي التي تتضمن غريزة الدفاع عن البقاء والاستمرار ، والتي تتضمن الدفاع عن شروط ومقومات الحياة الأساسية المادية والمعنوة والاجتماعية .
في عصرنا الراهن تنتصر ثقافة الحياة على ثقافة الموت ، وسوف تستمر تلك الحالة حتى هزيمة آخر معاقل ثقافة الموت في كوكبنا الأرضي ، وحينها سنشهد عالما مختلفا عن عالمنا الراهي ، إنه عالم المستقبل الحر ، الذي لامكان فيه للاستبداد والإرهاب والعبودية من أي نوع . وسوف يكون المستقبل مزدهرا وعامرا بالبناء والأبداع والتعاون البشري الشامل على قواعد الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح وما موقف القاهرة ؟| المس


.. أوكرانيا تعلن إحباط مخطط لاغتيال زيلينسكي أشرفت عليه روسيا




.. انتفاضة الطلبة ضد الحرب الإسرائيلية في غزة تتمدد في أوروبا


.. ضغوط أمريكية على إسرائيل لإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات




.. قطع الرباط الصليبي الأمامي وعلاجه | #برنامج_التشخيص