الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة الى المؤتمر السابع لرابطة الأنصار، دعوة من أجل تقييم جديد في عصر جديد

غالب محسن

2013 / 8 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رسالة الى المؤتمر السابع لرابطة الأنصار **

بعد عشر سنين من سقوط النظام ، آن الأوان لأن نتحلى بالشجاعة ، مرة أخرى ، لتقييم تجربتنا ، من جديد . لا أحد منّا يود أو ينتظر من غيرنا أن يقوم بهذه المهمة ، فالتجربة لنا رغم أنها لم تعد مُلكنا .

إن مبادرة الحزب الشيوعي العراقي في تقييم تجربة الكفاح المسلح للحركة الأنصارية ، قبل أكثر من خمسة عشر عاماً ، بالرغم من أهميتها ، إتسمت بالصبغة الحزبية الصارمة وبثقافة " الحرب الباردة " التي كانت طاغية آنذاك ( بقاياها مازال عالقاً حتى الآن عند الكثيرين بيننا ) وقبل أن تتشكل رابطتنا وليس بعيداً عن آثار الخيبة التي رافقت التجربة الأنصارية (وتجربة الحزب عموماً ) بل ولم تخل حتى من التشنج المصبوغ بالعاطفية الثورية في أحيان كثيرة.

التقييم الذي أدعو أليه يتكون من جزئين ، الأول يشمل تجربتنا كحركة أنصارية سياسية مسلحة والثاني يشمل تجربتنا كرابطة أنصارية سلمية ، و حيث تسعى لأن تكون ضمن مكونات منظمات المجتمع المدني في الوقت الذي إستقر فيه غالبية الأنصار في أوطانٍ جديدةٍ . إن حركتنا الأنصارية وأقمارها المتلألئة ، شهدائنا ، يستحقون الإنصاف أكثر ، ليس أقلها فرصة جديدة للتقييم والتأمل في ظل تغير الظروف وتشكل وعي أكثر إنفتاحاً وتسامحاً وربما توفر المزيد من المعلومات والحقائق ، لكن قبل كل شئ الجرأة في النقد . إن أعادة تقييم التجارب في ظل تغيير الظروف أو عند ظهور مستجدات جديدة هي ليست بدعة مِنًا بل أن كتب التأريخ مليئة بالأمثلة وفي مقدمتها تقييمات تجارب الأحزاب الشيوعية ذاتها وهي خير دليل لكل من يحن للماضي السعيد دع عنك تجارب دول كاملة . ولمن ما زال يشك بعد كل ذلك ما عليه سوى تصفح الكتاب الذي لا ريب فيه ليرى الآيات الكثيرة التي نسخها الوحي بعد أن تبدلت الظروف . فهل بعد هذه الحجة الألهية من حجة ؟

تراث ثقافي وأرشيف

لقد كَتَبَ العديد من الرفاق والزملاء والأصدقاء ، ومن بينهم كاتب هذه السطور ، الكثير عن الحركة الأنصارية ليست فقط كفعل ثوري مسلح ، بل ربما الأهم جانبها الأنساني و تعبيراته في الأنتصارات والأنتكاسات ، في الفرح والحزن ، في التضحية والإيثار وفي العجز والغضب . ورغم أهمية وقيمة ما كُتِب بما فيها الإنتاج الأدبي الكبير من الروايات والقصص والأشعار والخواطر وحتى المقالات والأجتهادات ، تبقى معضمها محاولات فردية ، مشتتة ، منها كثير من المقابلات والمشاهدات الذاتية ومنها ، إن شئتم صرخات وأنين السنين ، منولوجات داخلية أحياناً ، تداعيات وإيقاعات أحياناً أخرى ، إبحار داخل الذوات وعبر التجربة بكل تلوناتها ، وأيضاً في الأحلام ، ثورية مرة وعاطفية مرات ، من هذا الرفيق أو تلك الرفيقة ، قد نختلف أو نتفق معها ، وربما تعكس ، كما أزعم ، في أحد جوانبها ، الحاجة لتقييم جديد .إن ما ذهبنا أليه فيما سبق لا يتعارض او يقلل من قيمة هذه النتاجات بل على العكس وأكاد أجزم أنها أصبحت جزءاً ثميناً من تراثنا الثقافي والأدبي والأرشيفي .

مهمات جديدة

إن هذه الدعوة إنما تنطلق من آفاق المهمات الراهنة للرابطة المتمثلة في الحفاظ على تراث وتأريخ الحركة الأنصارية وتوثيقها والدفاع عن مصالح أعضاءها وتشجيع نتاجاتهم والمساعدة في نشرها وتوزيعها دون أن يكون أختلاف الآراء سبباً في تجاهلها .فمهمات الرابطة في المرحلة الحالية قد تبدلت جذرياً وتهيأت ظروف أكثر موائمة لتقييم التجربة في أجواء أكثر إنفتاحاً وشفافية وربما أكثر موضوعية أيضاً بعيداً عن القسرية والأرادوية . أن هذا التقييم سيأتي في وقت مناسب ومتزامن مع المناقشات حول آفاق عمل الرابطة ومستقبلها. إن ترك هذا الموضوع دون أهتمام وتأخيره غير مبرر وليس فيه حكمة ولا أظنه يخدم عملنا مهما تفننا في تبرير هذا الموقف الذي يعني من بين ما يعنيه لا مبالاة وربما خوف ، وحجب فرصة جديدة لتقييم واحدة من أكثر التجارب أثارة للجدل والأعجاب في آن .

الزمن والتأريخ لا يغفر

إن شهادات الرفاق ، مقابلاتهم ، مداخلاتهم وكتاباتهم ستكون مصادر وملاحق لهذا التقييم والتأرخة والذي سيكون على شكل كتاب تأريخي وتحليلي في آن . و هذا الكتاب سيكون للرابطة كما كانت مآثرنا للحركة . لقد حان الوقت ويكاد يكون حرجاً بسبب فقداننا للكثير من الرفاق ممن له تجربة غنية و دور بارز في رسم معالم هذه المسيرة وأحد أهم وثائقها الحية . أن مسؤوليتنا تأريخية أيها الأخوة والرفاق لذلك أدعو للأسراع وتفعيل حملة تجميع الأراء والتقييمات عبر الفروع والداخل وأن تتشكل هيئة أو لجنة مختصة لهذه المهمة وان تمنح الموارد الضرورية لتغطية نشاطاتها وأن تعطى لها صلاحيات الأتصال بالرفاق والفروع والمهتمين من المنظمات والشخصيات وكل من تراه مناسباً بما فيها عقد الأجتماعات أو الموسعات ، وان يحدد سقف زمني لعملها وأن تتم متابعتها وتقديم تقاريرها للمؤتمرات الرابطة أو أي وقت آخر .ويمكن للمؤتمر أن يقترح بعض الأسماء ومن الرفاق المتحمسين والمؤهلين وحتى المهنيين والمهتمين من خارج الرابطة ، وأن يمنح مسؤولية المتابعة والتنفيذ للجنة التنفيذية بما فيها أستكمال عدد أعضاء تلك اللجنة عند الحاجة .

تساؤلات للتأمل

التقييم سيُبحر على الأرجح في اليم عبر العواصف والأمواج المتلاطمة في معظم الأحيان وسيجبر على خوض معارك غير متوقعة في أحيان أُخَر قبل ان يصل الى شاطئ " النيرفانا " مُنهكاً ، لكن في بهجة الكمال . تلك المرحلة ، عباب البحر والأمواج والمعارك ، إنتهت جولتها الأولى بالإنتكاس واللامبالاة ومن ثم لتركن على الرفوف الى جانب اخواتها من التجارب الأخرى ، وهنَّ كُثُر. الجولة التالية ، إبتدأت بصورة غير متوقعة منذ سقوط الدكتاتورية وما زالت بل وانتعشت في ساحات التحرير أملاً في التغيير . ومن الطبيعي ستكون هناك العديد من القضايا والأسئلة التي ينبغي البحث والخوض فيها حتى نهاياتها رغم ما ستثيره من الإنزعاح بل والألم والغضب معاً .

لكن هذا الإبحار لا مفر منه وعلى التقييم الإجابة بصراحة تامة على السؤال الجوهري المركب التالي : هل كان خيار الكفاح المسلح حتمياً ؟ بمعنى أنه لم تكن هناك خيارات متاحة أخرى ؟ أم كان ردة فعل عاطفية ثورية تبعتها ممارسات سياسية عَمَّقت هذا الخيار ولتكون تلك " الممارسات " مشجباً في تقييم التجربة الأنصارية ؟ ما هو الدور الذي لعبته أشاعة ثقافة دفعت العديد على الألتحاق بالحركة وإن لم تكن مهيئة أو مستعدة بشكل كاف ؟ هل كان يجب على أقمارنا المتلألأة أن ترحل للسماء على عجل ؟ وغيرها أسئلة كثيرة بالتأكيد ! ومن تفاسير السلف لدينا الكثير مما يجب أن يُوارى الثرى .

فيما مضى ، رغم القسر في أحيان كثيرة ، كان هدف الأنصار المقاتلين واضحاً ، لكن ليس الآن . كان حلماً جميلاً ، وإنتهى . وبلغة الوقائع ، منذ غزو نظام صدام للكويت ، ثم طرده منها ، مثل جرذ ، وأستقلال كردستان ، عملياً ، في ظل الحماية الدولية . و كان الأنصار ، في وقتها ، تغمرهم العواطف وحماس الثوار حتى منتهى القرار . العواطف بقيت ، وعندنا الكثير منها ، جماعة وأفراد ، ما شاء الله . أما الحماس الثوري فلا يبدو أن هذا زمانه .

ليس عيباً أن كان للحركة فيما مضى دوراً مميزاً ، في الكفاح المسلح تحديداً ، بل ورائداً من جوانب عدة ، لكنه أنقضى . وإذا شئتم ، لمن يشعر بالحزن ، لا بأس في أن ذلك الدور قد تبدل ليس في الممارسة السياسية عموماً ، الكفاح المسلح ، بل وأيضاً في العلاقة مع حاضنتها ، الحزب الشيوعي . وإذا كانت الأولى تعود لتغيير في الوضع السياسي على الأرض ، فإن الثانية هي تحصيل حاصل لذلك الوضع المتغير و ايضاً لنجاحت التجربة الأنصارية واخفاقاتها . وليس عيباً أن تبحث الحركة عن دور جديد ، منظمة مجتمع مدني ، أو حركة ديمقراطية وأجتماعية ، أو ما شابه . لكن مثل هذا الدور يجب أن ينبع عن حاجة وحركة الواقع وليست أمنيات مهما كانت نبيلة . فالعواطف ستثير حتماً المزيد من الشجون وربما الحزن أيضاً لكنها لن تمنح دوراً حقيقياً . ثم ماهي الإمكانيات ثانياً ؟ وليس عيباً أن يكون الهدف الآن ، من بين القليل الباقي ، هو الذاكرة الأنصارية ، تأرخة الحركة ، إقرار دورها ومكانتها ، وتوثيقها بأعتبارها جزءاً مهماً من التأريخ السياسي العراقي المعاصر . قد يبدو ، للبعض ، أن هذا الهدف صغيراً ، مقارنة بما مضى ، وهذا ربما حق ، لكن من يستطيع الزعم أن هذا ليس هدفاً نبيلاً سيحتاج الى الكثير من الجهد ، بل والكفاح ، لإتمامه ، ومن يظن أن هناك غيرنا من سيؤدي هذه المهمة ما هو إلا طيب القلب أكثر من اللازم . ف " الفتية الصوفيون " ليسوا بحاجة للأنبياء بعد أن أدركوا الحق بأنفسهم . وإذا لم ننجح في هذه المهمة " الصغيرة " فكيف يمكن لنا أن نتحدث عن دور جديد وربما كبير ؟

إذن ، وهكذا كما أعتقد ، ومن غير ما أقصد أحداً بعينه ، لا في البكاء على ما مضى ، وإقامة المناحات لمن رحل ، بل تبجيلهم وتكريمهم بما يليق ، من غير نسيان ، بل تثبيتهم كنجوم لامعة في تأريخ بلادنا ، للأبد . والأنصار ليسوا كتلة متجانسة ، ما كانوا ولن يكونوا حتى وإن وحّدتهم الهموم و مشاكساتهم في السياسة . وعلى الرغم من كل ذاك التنوع ، المذهل ، حد التناحر في أحيان كثيرة ، أسست حركة الأنصار تقاليد جديدة ، كانت في جوهرها الكثير من الثقافة والأخلاق والأحلام والتماحك مع السياسة . فثقافة السياسة التقليدية عند الكثيرين ، تسرح وتطفح بل وتصفع أحياناً ، وقد تضطر لتغير جلبابها عند المنعطفات الحادة أو الساخنة ، وليس في هذا عجب ، فهذه هي السياسة ، عشق وغرام بعد خصام مما يثير الحيرة عند الكثير من الأنصار . ومثلها كثير رغم النوايا الحسنة . وفي هذا يكمن ، يا أصدقائي سر خصام السياسة و الثقافة .

والأسئلة مدارات ، الخيار فيها يكشف الأسرار . في الفلسفة ، سرّ المعرفة ، يكمن في صيغة السؤال : لماذا ، والجواب على لماذا يقود الى لماذا جديدة ، فأجابة جديدة .... وتأمل . إنها أسلوب عميد الحكماء سقراط ، إما أن نتخلص من عقدة الماضي وعبادة الأسلاف وإما خيارغلق الأبواب . تلك هي الثقافة التي عبر عنها أصدق تعبير ماركس في مقدمة رأس المال ، من " أننا لا نعاني من الأحياء فقط بل والأموات أيضاً ، فالميت يمسك بتلابيب الحي " .

للأسف لم يبق من ثقافة الأنصار سوى الذاكرة ، و محاولات فردية من المتحمسين لأبقاء جذوتها متّقدة رغم أن معظم تلك المحاولات عشوائية . وليس الأدب الأنصاري إلا أحد إشراقاتها . تلك الذاكرة على الأرجح مصحوبة بفيض من المشاعر والعواطف قد تدفع للمغالاة ، أحياناً ، وربما تخلق أحلاماً جديدة وحنيناً لتجربة مكانها التأريخ .

لكن تأرخة التجربة الأنصارية لا يتعارض مع محاولة أنعاش كل ما هو جميل في تلك الثقافة ، وأهمها على الأطلاق ، ثقافة الحرية والأنفتاح ، والجرأة في نقد السياسة وفي تقييم جديد للتجربة وأن لم تلقى الترحاب من بعض الأصحاب فهي على أية حال خير من العتاب .

فهل سينهض المؤتمر السابع بهذه المهمة النبيلة ؟



النصير أبو شاكر
د.غالب محسن

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
-* بعض من هذه الأفكار نشرت في مقالاتي السابقة
** من المؤمل عقده في يوتبوري / السويد 30 آب الى 1 أيلول 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل