الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة إنتاج التخلّف - نزار قباني نموذجاً / 3-4

ياسر اسكيف

2005 / 5 / 17
الادب والفن


( الخالق والمخلوق )
ربما جسّد مقطع شعري تجربة شعرية بأكملها , وهذا ما أراه في هذا المقطع .
( لفي تحارير الهوى وامضي
أنا في السماء وأنت في الأرض
ما أنت من بعدي سوى طلل
أنقاضه تبكي على بعض . – الأعمال الكاملة ص158 )

أظنّه المقطع المناسب ليكون عنوانً آخر للفقرة . وأظن بأن تجربة نزار قباني الشعرية تحفل بالكثير من المقاطع المماثلة التي تعطي لتلك التجربة خاصيّة التأكيد على دونية المرأة مقارنة بالرجل . وأظننا لا نحتاج إلى عناء كبير لنتلمس ملامح الرجل الإله الخالق القابع خلف السطور
ومعه المرأة المخلوقة من فيض نزواته .
إن تجربة نزار قباني شأنها شأن الغالب الأعم من التجارب الشعرية العربية تفتقر إلى الغنى الفلسفي مقابل تشبّعها بالميثولوجي والأخلاقي وبالتالي غياب التشارك بين الذات وموضوعها لصالح التماهي أو الابتلاع , هاتان العمليتان اللتان تنتميان في العمق إلى جذر واحد , فالموضوع الذي لا يمكن ابتلاعه والسيطرة التامة عليه من قبل الذات المبتلعة , بحيث يستحيل عليه التعرّف إلا كجزء من هذه الذات , يتم التماهي فيه بحيث لا يتعرّف إلا والذات المتماهية جزء مكوّن منه .
بهذه الآلية تبقى الذات الشاعرة فاعل مرفوع , ويبقى الموضوع مفعول به أو مضاف . وهذه واحدة من خصائص التدوين الشعري ,وليس التجربة الشعرية , حيث لا فصل ولا انفصال بين الذات وموضوعها , إذا لم نذهب إلى الأبعد لنقول بأن الذات في التجربة هي موضوع ذاتها

( اتركيني أبنيك ِ شعراً .. وصدراً
أنت لولاي يا ضعيفة .. طين . الأعمال ص162 )

لا أظننا بحاجة إلى عناء لنلحظ أن المرأة موضوع المخاطبة في المقطع السابق , والمفترض بأنها عنصر التجربة القطبي , مدعوّة سلفاً إلى الكون حياداً . إنها طين وحسب , لا يمكنها التحوّل إلا بإرادة خالق متربّص يمتحن حاجته . ومفردة الطين هنا ليست خافية على أحد . وحده الله , حسب رواية الميثولوجيا الدينية لنظرية الخلق , من كوّر الطين ونفخ فيه من روحه . وهكذا نكون قد عدنا إلى منطق المقطع الأسبق , ليتولد السؤال عن مدى الفرق والاختلاف بين المقولات الدينية والأخلاقية التي تشكّل اللاوعي الجمعي , الذي حدّد ويحدّد مصير المرأة العربية ويرسم فضاءها , وبين تجربة نزار قباني بتصديها لإعادة إنتاج عوامل تكوين هذا اللاوعي , أي إعادة إحياء المقولات العنصرية والطائفية التي تنطلق من الفرق الجنسي لتؤكّد التفوّق . وهذا ما تعزّزه الاستخدامات الميثولوجية الرمزية ذات الجذر الديني التي تطفح بها التجربة القبانية , والتي تعتبر المرأة خاطئة أبدية وحليفة أزلية للشيطان , ومثالها تشبيه المرأة بالأفعى , لا بمعنى الملاسة والنعومة , إنما بمعنى الخيانة والغدر :

( حسبي بهذا النفخ والهمهمة
يا رعشة الثعبان يا مجرمة . – الأعمال ص 73 )

أو القول :
( كفاك فحيحاً بصدر السرير
كما تنفخ الحيّة الصائلة . – الأعمال ص 72 )

إن التشبيهين السابقين لا يمسخان المرأة إلى كائن وضيع زاحف وحسب , بل يقدّمان صورة اعتداء وحشي يتمّ بسلطة أسطورة خلقتها وكرّستها أيديولوجية ذكورية عبر آلاف السنين , أيديولوجيا ليست عنصرية تجاه المرأة فحسب , بل ضد الرجل الذي يخالفها أيضا .
فأيّة مناصرة , وأي دعم وإعلاء شأن للمرأة ؟ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي