الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن وأمريكا والربع ساعة الأخير

محمد الحمّار

2013 / 8 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعدّ نفسها للأمتار الأخيرة التي ستقضي خلالها على العالم الإسلامي وقلبه النابض، الوطن العربي، وذلك بعد أن عبّرت عن نيتها لضرب سورية. ولم نعُد نعجب لنية العدوان الأمريكي بدعوى حماية المدنيين من الأسلحة الكيميائية، ولو كانت المحصلة من التفتيش الدولي خليطا من البهارات والتوابل والدقيق إن لم نقل صفرا، كما كان الحال في العراق قُبيل احتلاله في سنة 2003.

ففي الآونة الأخيرة رفعت الولايات المتحدة إلى أقصاه احتياطي القدرة لديها على إشعال الفتنة في لبنان وفي سورية. وقد جاء ذلك بعد أن تأكدت أنّ مصر لن تكون تابعة لها بخصوص عودة الإخوان (أو أيّ طيف سياسي افتراضي آخر ولو كان من سلالة العم سام بعينه) إلى الحكم.

ماذا تريد منا الولايات المتحدة، طبقا لمخططات "الشرق الأوسط الكبير" وأداة تنفيذه "الفوضى الخلاقة"، غير نفط وغاز الخليج العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جهة مع إثارة هجرة الأدمغة العربية الإسلامية نحو المركز الرأسمالي (الولايات المتحدة) وتخومه (أوروبا)، ومن جهة أخرى تطويع شعوب العالم العربي الإسلامي لإرادتها عبر سياسات التغرير وأجندات مولَّدة من فلسفة اقتصاد الوفرة والرفاهة، حتى تبدو لهذه الشعوب أنّ كل النعم والمرافق المكتسبة في بلدانها، ولو كان ذلك بفضل القروض والمديونية، وكأنها نتاجُ العمل المتحرر والكدّ الواعي، وكأنها ثمرة الديمقراطية الحقة والمستحقة.

وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإنّ بلدان إسلامية كبيرة مثل اندونيسيا وماليزيا وتركيا تسكنها شعوب وديعة لكنها تابعة مع أنها تقدس العمل تقديسا وتتفانى فيه. ويمكن تعليل تبعيتها بكونها شعوب متلذذة بما حصلت عليه من رغد بفضل استنساخها لنموذج الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي الأمريكي. والحالة هذه، من الذي سيُكسر الحواجز التي تنتصب أمام العالم الإسلامي وتحجب عنه الرؤية الواضحة لمشهد التبعية التي يرزح تحت نيرها ؟

نعتقد أنّ الذي بإمكانه أن يكون بمثابة الشوكة في حلق الغول الأمريكي الجوعان والمتعطش للموارد الأحفورية وأيضا للموارد الذكائية هو العالم العربي. ولن تكون سائر مكونات العالم الإسلامي سوى شهودا على الاستفاقة العربية في مرحلة أولى ثم شركاء وداعمين لها في مرحلة موالية.

ولأنّ البلدان العربية عرفت ابتداءً من سنة 2011 ثورة (مهما كانت موجّهة وبالرغم من تعثرها والركوب عليها) وأنّ هذه الثورة هي الآن في طور التصحيح في كل من مصر (مسك المؤسسة العسكرية بزمام الأمور إلى حين يقع إعادة ترتيب البيت) و تونس (محاولات قوية لإثبات الهوية السياسية الجديدة) وأن سورية تقاوم الفتنة الخارجية ليلا نهارا، من بين مؤشرات أخرى على حراك المقاومة في المجتمعات العربية، وكأن العرب يرغبون في القول لأمريكا ولسائر بلدان الغرب التابعين لها: "نحن لا نريد الديمقراطية التي قصدتم لخبطتنا بها ثم تشويهنا بواسطتها بل نريد مساندكم لمجهوداتنا الذاتية لإرساء ديمقراطية محلية، فريدة من نوعها، ومتميزة عن ديمقراطيتكم. وإذا لم تقدروا على تعديل عقارب ساعاتكم فأنتم التابعون من هنا فصاعدا."

وكأن العرب يقولون لسماسرة الديمقراطية: "نريد تطويع الديمقراطية لحاجياتنا الحقيقية وفي رأس قائمة المتطلبات الحاجة لاستغلال ثروات بلداننا بكل استقلالية، والحاجة لتوزيعها بالقسطاس المستقيم على كل منظوري نظام الحكم الجديد."

لكن هذا التصور، بالرغم من قابليته للتنفيذ، إلا أنه يصطدم بعائق ذي بال. فمسألة بناء الديمقراطية تستوجب تضحيات جسيمة من طرف الفرد والمجتمع. وهذا مما يتطلب من هؤلاء أن يتحَلوا بصبر أيوب. لكن كيف سيصبر مجتمع لا يكترث فيه الناس لمن له أولوية الخدمة، لا في الطوابير ولا في المرور ولا في بوتيكات الموضة وحتى على الأرصفة أين تَعرض الملابس القديمة نفسها على المارة بأثمان زهيدة وكأنها تخدعهم بالرخيص لكي يتدربوا على الاستهلاك ومن ثمة يثبتون انتماءهم بعدئذ إلى مجتمع اقتصاد السوق ويصبحون مستهلكين مهما كان الثمن؟ وكيف سيصبر مجتمع يتهافت فيه الأفراد على محلات الرهان الرياضي وعلى مقاهي العولمة الرياضية أكثر من ارتيادهم المكتبات وأكشاك بيع الصحف والمجلات، ويستشري فيه الوعي الزائف (وصفَه هربرت ماركوز في كتابه "البعد الواحد") على الأخص لدى الطبقات الكادحة.

وهل دواء الزيف إلا السيف؟ قد يكون ذلك ما ذهبت إليه عبر عقود طويلة، ربما عن حسن نية، بعض فصائل الحركة الإسلامية ولأسباب يطول شرحها، لمّا راهنت على أسلمة مجتمعاتها وأدرجت تطبيق الشريعة في بلدانها تارة أو ناضلت من أجل تطبيقها طورا. والغريب في الأمر أنّ المثقفين المحليين لم يلاحظوا أنّ مجتمعهم العربي الإسلامي سيرُوح ضحيةً لمعادلة عجيبة لكنها حقيقية إذا لم يتصدَّوا لها بكل حكمة وروية.

وتتمثل المعادلة في أنّ محاولات أسلمة المجتمع المسلم كادت تُضيّع على هذا الأخير فرصة التوظيف الإيجابي للإسلام. وإلا فلماذا لا يكون الإسلام، الآن وهنا، وعبر مقاربات مَسجدية ذات خطاب مجدد، وعبر مقاربات علمية ميدانية، هو الدواء لداء الوعي الزائف، علما وأنّ من مساوئ هذا الأخير أنه حمَلَ الأفراد والجماعات في المجتمع المسلم على الظن أنهم ثوار بحق والحال أنهم بمثابة كومبارساتٍ تسيّرهم سلطة المتعة واللذة ورغد العيش؟

خلاصة كل هذا أنّ العالم العربي والإسلامي مهددَين بمزيد من الانقسام والتشرذم في ضوء الأحداث التي تؤشر لضربة أمريكية وشيكة على سورية بينما عامة الناس لا يدرون مَن يفعل ماذا ولماذا وفي مصلحة مَن. أي أنهم في خضمّ هذه الفوضى لا يدركون حاجياتهم الحقيقية لذا تراهم يوجهون أصابع الاتهام لبعضهم بعضا. فالمطلوب هو لا شيء غير الثورة الفكرية على السياسة و على طروحات السياسيين من طرف المثقفين العضويين.

وسيكون من دواعي الارتياح أن يتفطن كل مثقف عضوي في الوطن العربي للوضع السياسي المحلي في كامل الوطن الكبير وأيضا لوضعِ الجيوبوليتيك في المنطقة العربية وفي العالم كله ثم يضطلع بمهمة إعلام الناس بحقيقة مشكلاتهم وبحقيقة حاجياتهم حتى تصعد منهم، وفي أسرع وقت ممكن، نخب سياسية جديدة يلتفّون حولها للتوّ وقبل فوات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل