الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد المذبحة الدولية في سوريا

بدر الدين شنن

2013 / 8 / 27
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ثمة أشياء كثيرة تحدث في الحرب السورية ، الفريدة في تشابكاتها الداخلية والإقليمية والدولية ، لاتعلق أهمية لافتة على وقعها وعلى تفاصيلها ، كما تلك المذابح ، التي يسميها ، من يعد لها ، وينفذها ، بالضربة الاستراتيجية ، أو بضربة معلم ، وذلك قياساً على الاشتباكات اليومية شبه الروتينية ، الدائرة في مختلف المناطق السورية ، لأن المعول عليها ، أن تحدث تدخلاً دولياً يؤدي إلى هجوم عسكري خارجي يسقط النظام ، ويمنح المعارضة المسلحة فرصة القفز إلى السلطة . واللافت أن تلك المذابح تحدث دائماً بالتزامن مع موعد انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول سوريا ، أو لدفعه لعقد مثل هذه الجلسة ، أو بمناسبة انعقاد مؤتمر لمن يسمون أنفسهم " أصدقاء سوريا " ، أو لمحاولة التعويض عن خسارات ميدانية ، وتترافق باستنفار إعلامي إقليمي ودولي . ويبرز عند تناولها السياسي والإعلامي التركيز على اعتبارها استغاثة إنسانية ، تدعو العالم عامة .. ومجلس الأمن الدولي خاصة ، ليحضر شاهداً على المذبحة ، ويدين الجريمة ، ويعاقب الجاني الذي اقترفها كمجرم حرب .

وصاحب الدعوة إلى هذه الوليمة الدموية الدولية ، هو الذي يحدد مكانها ، ونوعها ، وجزاءها ، عبر الإعلام الشريك ، ويؤكد ، ويحشد البراهين ، على أن الطرف الآخر في الحرب ، هو من ارتكب هذا الإثم الفظيع ، الذي يستوجب تدخل مجلس الأمن الدولي ، بواسطة قوات دولية يرسلها تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، لتدمر وتقتل أضعاف آلاف المرات حجم تلك المذبحة . وذلك اقتباساً " ثورياً " من تجربة ليبيا " العظمى " التي تحولت بفعل التدخل الدولي ، المطلوب مثيله في سوريا ، تحولت إلى شبح دولة يحكمها فعلياً أمراء الإرهاب الدولي ، وتمزقها الثارات والطمومحات القبلية المفوتة ، وتنهب ثرواتها الاحتكارات البترولية العالمية ، الذي جيء به شكلاً ، لاتقاء احتمال سقوط ضحايا في غمرة الخلاف مع نظام القذافي الذي كان قائماً .

عدد من الولائم " المذبحة " التي أعدت برسم التوظيف الدولي والإحالة إلى مجلس الأمن ، التي وقعت في خان العسل ، وريف اللاذقية ، وريف الحسكة ، وريف دمشق ، كان معظم ضحاياها من الأطفال ، وكانت تفوح منها روائح الطائفية والعرقية الكريهة . وكان السلاح المستخدم في تنفيذ بعضها كيميائياً .. غير ان المذبحة الكيميائية ، التي أعلن عنها مؤخراً في ريف دمشق ، بلغت حجماً ، وإثارة ، وارتدادات دولية ، هي الأسوا والأخطر من كل المذابح التي سبقتها " إنها فعلاً ضربة معلمين " بشكل يعكس الحاجة الملحة لوقف الخلل المتصاعد في موازين القوى ميدانياً ، والحاجة الملحة لتدخل دول تأخذ على عاتقها تحقيق ما عجزت المعارضة المسلحة عن تحقيقه ، تمهيداً لعقد مؤتمر " جنيف 2 " ، وكشفت عن أن من خطط لها ونفذها هي نفس الأطراف الدولية ، التي تهرول الآن لتجهيز الرد عليها .

بيد أن التداعيات الدولية ، التي تأتت عن هذه المذبحة كشفت عن أن الأهداف المرسومة للتدخل الدولي ، هي أكثر من مواقع عسكرية وبنى تحتية في سوريا ، وأبعد من إسقاط النظام إن تمكن المتدخلون من ذلك ، وهي أبعد .. أبعد من سوريا . فهي نقلت الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها من الاحتواء إلى سلة المهملات . ووضعت مشروع روسيا ودول بريكس ، لإقامة عالم متعدد الأقطاب أمام ساعة الحقيقة .. أمام خيار .. أن تكمل هذه الدول مسارها الدولي عبر الأزمة السورية ، وتساهم بمختلف أشكال الدعم لتمكين سوريا من إفشال التدخل الدولي المدمر فوق أراضيها .. أو تقبل بالتراجع .. بعودة القطبية الدولية الأمريكية ـ الغربية في قيادة العالم ، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ، وتقبل بقسمة دولية للمصالح تضع حداً لطموحاتها العالمية لحقبة زمنية غير منظورة .. بمعنى أن تقبل بنصف هزيمة .

والسؤال القائم حتى اللحظة ، هل جولات المحادثات المتلاحقة بين لافروف وكيري في الأشهر الأخيرة ، ومحادثات بندر بن سلطان وبوتين في الأيام الماضية ، قد تأكد فيها لكيري وبندر ، أن روسيا عسكرياً واقتصادياً وكذلك دول بريكس ، غير وارد لديها الدخول بمواجة عسكرية ، قد تتحول إلى حرب كونية مع الغرب حول سوريا ، فأقدمت أمريكا وحليفاتها على الجهر علناً بالتدخل العسكري في سوريا من قبلها خارج مجلس الأمن والقوانين الدولية ، مايعني ابتزازاً وقحاً لروسيا ؟ أم أن هناك حرباً دولية خفية ، قد تعلن عن نفسها في لحظة مفاجئة ، وتؤدي إلى معادلات إقليمية ودولية جديدة ؟ .

المأساة الكارثية التي تعبر عنها هذه المذابح ، بكل حجومها ، ومواقعها ، والسلاح المستخدم فيها ، وخلفياتها الطائفية والعرقية والميدانية ، أن الأطفال .. والناس الأبرياء العزل ، أصبحوا مواضيع لعبة الموت ، التي يقوم بها وحوش بلبوس بشرية ، لتحقيق مكاسب ميدانية والمزيد من المكاسب المادية ، والتي تكشف انحداراً في المفهوم الإنساني إلى ما دون خط الانتماء البشري ، وانحطاطاً في المفهوم الوطني إلى ما دون خط الخيانة . فمن يمارس مثل هذه المذابح يفقد انتماءه للنوع الإنساني ، ويفقد كل قيم الضمير والوطنية ، ويلغي حقه بالانتماء إلى قيم سياسية أو دينية أو أخلاقية .

لاحاجة هنا لتحديد المسؤول عن المذابح ، على الورق وفي الإعلام ، إذ أن المسؤول يكاد بوثائقه واتصالاته وفيديوهاته غلى الانترنت ، يكاد يقول خذوني .

الحاجة كل الحاجة .. أن نعي جميعاً .. أن لعبة الموت من أجل السلطة .. والثروة .. في سوريا .. قد بلغت من البشاعة حداً ، أن يطالب لاعبوها الكبار والصغار بمذبحة على مستوى الوطن كله .. انتقاماً لما زعم أنهم ضحايا المذبحة الذريعة المعلنة .. وأن يوضع الوطن كله برسم المذبحة بذريعة مهزوزة كما حدث في العراق .

المطلوب من كل سوري شريف أن يقف ضد المذبحة الدولية .. التي يشحذ المستعمرون وعملائهم .. أسنة صواريخهم الأرضية والبحرية والجوية لتنفيذها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس