الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحزاب السياسية السودانية : بين قصور الخيال السياسى و الضعف البنيوى وازمة التغيير (2 – 5 )

عبدالغفار محمد سعيد

2013 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


جزء من ورقه تهدف لاستنطاق ومحاورة وفهم و معالجة بعض تعقيدات المسالة السياسية فى السودان.
بقلم : عبدالغفار محمد سعيد*

تجارب الاحزاب السياسية السودانية فى التحالفات لا تقيم و لا تقوم:
من اوضح علامات الضعف الفكرى للتنظيمات السياسية السودانية هو عدم الاهتمام بتقييم تجاربها فى التحالفات السياسية ، ومن اهم تجارب التحالفات السياسية هى تجربة (التجمع الوطنى الديمقراطى ) ، والتى لم تقيم حتى اليوم ، ليس هذا فحسب بل ان نفس الاحزاب بدون تقييم تجربتها الجبهوية السابقة دخلت فى تحالف جديد هو (قوى الإجماع الوطنى).
كان المؤتمر الثاني للتجمع فرصة لتقييم التجربة ودراستها والخروج بالعبر المفيدة حول السلبى والايجابى وكيفية التطوير لكن للاسف لم يعالج ذلك المؤتمر أية قضية من القضايا التي طرحت عليه، ولم يفعل مؤسساته العاطلة،لقد كان مؤتمرا عقده يساوى عدمه من حيث المقدمات والنتائج.
لم يقل لنا التجمع او اى طرف من الاطراف التى كونته لماذا حدثت كل تلك التراجعات الاساسية عن البرنامج، و تلك التراجعات العامة عن الهدف .
على الرغم من ان هيئة قيادة التجمع قد اصدرت قرار بان يتم تقييم تجربة التجمع قبل الدخول والعودة للسودان الى ان شيئا من ذلك لم يحدث ، عدم التبصر وتقييم النتائج وتفعيل عملية النقد البناء، ادت كلها لوقوع احزاب التجمع فى شرك المؤتمر الوطنى الذى اودى بهم بالمشاركه الصورية فى السلطة ، وكان الغريب فى الامر هو ان احزاب التجمع قد قبلت بالمشاركة فى السلطة التشريعية ورفضت المشاركة فى المستوى التنفيذى للسلطة ، بينما كانت اللآلية للاختيار فى الجهازين التشريعى و التنفيذى تتم عن طريق التعيين وليس الانتخاب الحر فما الفرق اذا؟
لماذ لم تقيم اطراف التجمع مدى صحة مشاركتها المؤتمر الوطنى فى الحكم؟
يعج خطاب (قوى الاجماع الوطنى)2 بالتناقضات ويتميذ بالإرتباك الناتج عن التحرك دون خطط مدروسه و لا ارتباط وثيق بالتجمعات الشعبيه ولا رؤيه واضحه لعمل جماهيرى يسعى لاسقاط النظام ، فمثلا تصريحهم الذى اعقب كلمة الصادق المهدى بمناسبة الرجبيه فى 01/06/2013 ، والتى اشهر فيها تايده للنظام وحضه انصاره بالانخراط فى الجيش ، حيث جاء بجريدة الراكوبة (نقلا عن جريدة الميدان) بتاريخ 04/06/2013 ،على لسان رئيس لجنة الإعلام بالتحالف كمال عمر في مؤتمر صحفي عقد بدار حزب المؤتمر الشعبي يوم 03/06/2013 ، الاتى : ( إن التحالف عقد اجتماعا لهيئته العليا أمس وأمن فيه على أنهم لم ولن ينتظروا أي حزب لا يدعو لإسقاط النظام ولا يتبنى ذلك لغة ومنهجاً) مضيفاً: ( إن التحالف انتظر كثيراً وطويلاً ). ما لم توضحه هذه التصريحات هو لماذ انتظر التحالف كثيرا و طويلا؟
وما الذى كان يطلبه التحالف من ذاك الانتظار ؟ ، وماهى المعطيات التى بنى عليها قراره بهذا الانتظار العبثى الذى لا معنى و لا مبنى له!
ثم وها هى قوى الاجماع وقد توصلت لهذا القرار الخطير بعدم الانتظار ما الذى ستفعله؟ وماهو الفرق فى وجود قوى الاجماع الوطنى قبل قرار عدم الانتظار وبعده؟ مامدى تأثير القرار فى حركة قوى الاجماع وسط الجماهير ؟ ، لماذا لم تستفد احزاب وقوى الاجماع الوطنى من التاريخ السياسى الجاريه احداث حتى اليوم فى السودان من اجل تقييم مواقف القوى المختلفه؟ ، لماذا لم يدرسوا مواقف الامام الصادق المهدى و السيد المرغنى من التصفية العرقية والحرب المستمرة فى دارفور وجنوب كردفان و النيل الازرق؟ لماذا لم يقيموا الموقف الاخلاقى للامام من الجماهير التى كانت تصوت له فى الانتخابات البرلمانية بدون قيود و لا شروط؟
هل كان من الصعب حقا قراءة تاريخ مواقف زعيمى الحزبين الطائفيين وتحليلها على ضوء كل المعلومات والحقائق المتوفرة ، ثم والتوصل لنتائج بالإستعانة بالمعارف و المناهج فى التحليل ؟
لماذا كل هذا القصور فى الخيال السياسى لقوى مناط بها دارسة الماضى والتفاعل مع الحاضر والانفعال به من اجل صناعة المستقبل ؟ اين يكمن الخلل بالضبط !
يحيرنى فى احيان كثيره افراط فى التفاؤل (حول نهوض حركة الجماهير ) فى خطابات بعض القاده السياسيين من قوى الاجماع
واتعجب لقوى تكاد لاتملك خططا وادوات للعمل القاعدى و الجماهيرى ، قوى تكللها الحيرة ويميذها الاغتراب عن الجماهير ، لا يمكنها الإسهام فى صناعة النهوض الجماهيرى ،اذا كيف للذى لا يستطيع الإسهام فى الحراك والتحريك كل هذا (الافراط فى التفاؤل) ؟ ، عندما تطلق هذا السؤال لاحدهم ، يجيب عليك بطريقه ملتويه ، (بانه لابد من امل ، ولا حياة بلا أمل) ، هكذا وببساطه ترتبك المصطلحات و يوظف معنى اصطلاحى قسرا كى يعمل فى غير مكانه من "اجل ماذا لااعرف" ! ذلك وعكس تلك الإجابات الملتويه ان طرح الاسئلة الملحة المرتبطة بواقع القوى السياسية فى غاية الاهمية والجديه من اجل رسم خطوط الحركة وسط الناس و تصحيح اخطاء وقصور الحراك أما ان يتم الهروب المتعمد من ذلك بجعل (الافراط فى التفاؤل ) هو ( الامل الذى لا يمكن الحياة بدونه) ، لا يمكن فهم ذلك إلا وفق لعبة الاستهبال فى اسالب السياسة السودانية ، والتى تحدد خيوط السياسة بالخداع و الالتفاف والفهلوة.

تشبه خطة ال100 يوم لاسقاط النظام ، التى طرحتها قوى الاجماع الوطنى ابتدأ من 01/06/2013 ، ماتواتر عنها من اعلانات لا ترقى لدرجة برنامج واضح مدروس يحمل بين جوانحه المعرفه الواضحه بالازمة السودانية مسبباتها ، عواملها ، ظروفها ومقتراحات علاج جوانبها المختلفه ، بحيث نستطيع تجاوز كل مشاكل الماضى فى إتجاه مستقبل يعد بدولة المواطنة المبنية على التعدديه الثقافيه والموظفه لها فى اتجاه التقدم ، الساعية للتنمية المتوازيه الضامنة للعلاج و التعليم ، الحامية لكيانها من الايدلوجيات الاحاديه.
مايلفت النظر ان الاعلان عن خطة ال100 يوم ، جاء بعد اعلان المتحدث الرسمى لقوى الاجماع وتصريحه بانهم ( لن ينتظروا احدا ) بعد الآن ، ولقد جاء ذلك الإعلان عقب كلمة الامام الصادق المهدى فى أم درمان – كرري- الإسكانات ، في الاحتفال المقام بذكرى الرجبية بتاريخ 01/06/ 2013 ، والذى اشهر فيها خطه الداعم للنظام " كما ذكرنا" ، بينما تم التصريح فى الايام القريبه الماضيه بان الامام الصادق المهدى يمثل احد القاده الموافقين على هذه الخطه ، وهذا بالطبع امر ياخذ من مصداقية وجدية وفاعلية خطة المئة يوم !!
من الاشياء غير المتوقعه فى السياسة عموما بينما تمثل حقيقة جلية بواقع الارقام والتواريخ فى السياسة السودانية هى انه اذا قارنا بين قوى الإجماع (الحضريه ) و التى تختط النضال السلمى ، (والجبهة الثورية)3 (الريفيه) التى تختط النضال المسلح ، فى مسألة العناية النظرية بقضايا تكتيك واستراتيجيا التغيير و الثورة نجد ان قوى الاجماع الوطنى فقيره للاسف فى مسألة معالجة اهم الجوانب التكتيكية الاستراتيجيه " هنالك حيث يتداخل التكتيك بالاستراتيجيا" بمعنى انه ليس لها طرح نظرى واضح حول منهج حركتها وسط الجماهير الذى يمثل حراك مجموع قواها والذى يمكن ان ينتج تصور حول كيفية تصعيد العمل الثورى و قيادته فى إتجاه التغيير ، التغيير باعتباره استراتيجيا، هذا من ناحية من ناحية ثانية فقر تصوراتها عن المستقبل ، وهل المطلوب ( الاستراتيجيا) هو مجرد تغيير النظام كما حدث من قبل فى اكتوبر وابريل ؟ ، ماهو تصور هذه القوى لمابعد تغيير هذه السلطة!! ماهى العوامل المشتركة فى الرؤية التكتيك و الاستراتيجيا بين احزاب قوى الاجماع نفسها!
بينما نجد وضوحا كبيرا والتقاء واسعا فى معظم الاهداف ( التكتيكية و صولا الى درجة كبيرة من الاستراتيجيا) بين القوى المكونة للجبهة الثورية ، وتكفى وثيقة الفجر الجديد التى عكفت عليها وخطتها وارتضتها واجازتها هذه القوى ، والتى تبين نضوجا سياسيا ، وتناثقا اخلاقيا يمثله طرح قضايا مابعد التغيير فى الهواء الطلق وعلى مشهد من كل القوى السياسية السودانية وبعلانية وبصدر رحب يتقبل الإنتقاد وبمرونه لتعديل الوثيقه وتصحيحها فى اتجاه خط وطنى عام مبنى على الوضوح النظرى والاتفاق على الاهداف ، والحرص على إنهاء الاسباب التى تكاد تتسبب فى تفتيت السودان وذهاب ريحه ، والتجهيز لاعادة بناء دولة مابعد التغيير على اسس صحيحة تحفظ لكل مواطنيها كرامتهم و تساوى بينهم .
كانت هذه الملاحظات ستدهش المراقب غير المتطلع على مجريات السياسة السودانية ، حيث كان من البدهى ان يتوقع ذلك المراقب وضوحا نظريا من منظمات الحضر السلمية و التى يعتمد وجودها اساسا على تاسيس خط نظرى يشمل تفكيكا كاملا لكل معضلات البلاد ورؤية حول طرق علاجها ومخطط يوضح دور القطاعات المختلفه من الجماهير فى تنفيذه ، و هكذا تعمل كل من تنظيمات الحضر من خلال قواعدها على تكريسه فى ارض الواقع السياسى ، ثم وبنفس المستوى يتم التخطيط للدور النظرى والعملى لعملها الجبهوى ، فأين ذلك من تجربة قوى الإجماع الوطنى؟
نفس المراقب سيندهش للمرة الثانية عندما يكتشف سعة الخيال السياسى لقوى الريف الثائرة مقارنه بقوى الحضر ، حيث يجد القوى الثورية المتحالفة التى تبدى البطولات الفائقه فى ميادين القتال وتقدم التضحيات الغالية بل تحاصر النظام وتكبله الخسائر الفادحه ، لا تكتفى بذلك بل تتقدم ايضا نظريا فى رؤيتها حول مستقبل البلاد ويقدح منتسبيها وقادتها اذهانهم وينتجون الرؤى النظرية المهمومة بمستقبل البلاد ، التى تحاول ليس معالجة امر التغيير فقط بل مغذاه ومحتواه ومرماه ، مستندة على الحقائق الدامغة التى تبين فشل تجربتى التغيير السابقتين (21 اكتوبر 1964 ، ابريل 1985 ) فى معالجة ازمات البلاد المستوطنه ، وبناء على هذا اعتمد طرحها حول ان تغيير السلطة الحالية وحده ليس مسألة هامة بل الذى يتصدر الاهمية هو نوع التغيير واهدافه ومراميه ونتائجه، هى القضايا الهامة والتى تمثل استراتيجيا الجبهة الثورية فى التغيير ، المتضمنه فى مشروع ( الفجر الجديد)4 .
سيندهش المراقب مرات عديه عندما يصل لعلمه انه منذ ان طرحت قوى الجبهة الثورية مشروع الفجر الجديد فى ياناير من هذا العام على قوى الإجماع الوطنى ، بعد ان تنصل من تنصل منها منه بحجة مراجعته وتعديل بعض بنوده وتغيير بعضها، ، وحتى الآن لم تصل قوى الاجماع الوطنى لرائى نهائى حوله بعد !! على الرغم من ان شهرين كانا سيكونا كافيين تماما لمحاورته ، تعديله و الاضافة له ، واستشارة الكفاءات المختلفه حول المهام المختلفه ثم الوصول لنتيجه واضحه حوله ، لكن هاهو الشهر السادس من السنة قد انصرم إلا قليلا ولاشئ ينبئ بقرب وصول الاجماع الوطنى لرؤية وطنية حول وثيقه تنتظرهم وهى تكاد تكون جاهذه!!

_____
3 – نعنى بالجبهة الثورية كل التنظيمات التى ارتوافقت واجتمعت فى اطار العمل الجبهوى من خلال التنظيم الذى يجمعها و الذى اصطلح على تسميته بالجبهة الثورية ، ثم توافقت نفس هذه التنظيمات على برنامج للتغيير واعادة هيكلة الدولة والذى اصطلح على تسميته بالفجر الجديد
4 – مشروع الفجر الجديد هو الوثيقة (مشروع برنامج) يشمل قوى التغيير السلمى منها والمسلح و التى طرحت رؤية كاملة حول اسقاط النظام ابتدأ من ادوات الاسقاط انتهاء بمشروع التغيير فى معناه الاسترايجى المعنى بإعادة هيكلة الدولة و ارثاء قيم التعددية الثقافية و الدينية واقامة دولة المواطنة ، والسعى لتثبيت دعائم نظام الرفاهية الذى يجعل حقوق المواطن اللاساسية السياسية والاقتصادية فى الدرجة الاولى ويتيح العلاج المجانى و التعليم الاساس المجانى الاجبارى

* كاتب صحفى وباحث مقيم ببريطانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت