الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجن الإصلاحيين يكشف حقيقة الحكومة السعودية

علي فردان

2005 / 5 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


نشرت الصحف ومواقع الإنترنت اليوم خبراً محزناً بكل المقاييس، ولكنه لم يكن خبراً غريباً أو غير متوقعاً. الخبر هو الحكم بسجن الإصلاحيين في السعودية، الأساتذة علي الدميني ومتروك الفالح وعبدالله الحامد لفترات تراوحت بين 6 إلى 9 سنوات.

الديكتاتورية السعودية كلٌ لا يتجزأ
لقد كتبت العديد من المقالات تضامناً مع أخوتنا قادة السلم الاجتماعي والإصلاح، الأساتذة الدميني، والفالح والحامد، حينها وصلتني أكثر من رسالة تنتقد "لهجتي" الحادة ضد الحكومة السعودية خوفاً من استخدام تلك الكتابات كأدلة إدانة وبالتالي تعرّض الإصلاحيين للمزيد من الأذى؛ هذه الرسائل تحدّثت عن عدم وجود أي نوع من "العداء" بين الإصلاحيين وقبيلة آل سعود، وإن المشكلة فقط هي بوزارة الداخلية، أو بالأحرى وزير الداخلية والنظام القضائي.
كنت ولا زلت أعتقد جازماً بأن الحكومة السعودية لم تتغير في السابق، ولن تتغير في المستقبل إلاّ بضغوط خارجية وهي كحكومة "كل لا يتجزأ"، ولكن البعض يخاف من زيادة العقوبة على الإصلاحيين، ولذلك امتنعوا من التحدّث بجرأة أمام الآخرين وأمام الرأي العام العالمي وبشكل واضح وصريح، وهذا يُعتبر نجاحاً حكومياً بالغ الأهمية. أقارب الضحايا، أقارب الإصلاحيين تحركوا للمساعدة وبروح وهمة عالية، لكنهم تحرّكوا تحت جِنح الظلام وتحت ضغط نفسي شديد أيضاً لنفس الأسباب السابقة الذكر، وهذا عرقل بشدّة قدرتهم على التصدي للظلم ومواجهة النظام الديكتاتوري.
هنا لا يجب أن ننسى الدور العظيم الذي وقفنه زوجات الإصلاحيين حيث تحدّثن إلى الصحافة والإذاعات العالمية عن نصرتهن لقضية الإصلاحيين ووقوفهن إلى جانبهم في المحنة ومدافعين عن حقوقهم كمواطنين وكبشر. كذلك يجب أن نقف باحترام لجميع لجان حقوق الإنسان العالمية والمعهد السعودي بواشنطن الذين كرّسوا جهودهم الكبيرة في نشر قضية الإصلاحيين وإيصال أصواتهم إلى الصحافة العالمية والجهات التي تبنّت قضيتهم
إن قرار الحكم بالسجن على الإصلاحيين ليس نصراً للنظام السعودية، وليس نكسة للإصلاح، بل العكس هو الصحيح. هذه الأحكام الجائرة أظهرت مرة أخرى هشاشة النظام الذي يخاف من قلم أكثر من خوفه من قذيفة، ولهذا أتى الحكم أقسى من حاملي المتفجرات والأسلحة. كذلك أثبتت المحاكمة بأن العرائض والرسائل للأمراء ووولي العهد ليست مثمرة، وإنما الطريقة المثلى هي الوضوح في المطالبة بالحقوق على المستوى العالمي. محاكمة الإصلاحيين ليس الهدف منها الإصلاحيين أنفسهم، بل من على شاكلتهم من المثقفين والأكاديميين والمحامين وغيرهم من جميع الأطياف الوطنية المطالبة بالإصلاح واستقلالية القضاء والشفافية والمحاسبة والحريات والانتخابات والمجتمع المدني. هذه المحاكمة هي رسالة واضحة لهم جميعاً مفادها تفتيت همّة المطالبين بالإصلاح، فالأخوة الإصلاحيين بوقوفهم كالجبل الأشم وبإصرارهم على موقفهم دفع الحكومة إلى سجنهم من باب "إياكِ أعني واسمعي يا جارة"، أي أنّ من يفكر في الظهور مثلهم سينال عقوبةً مثلهم.

ضوء أخضر أمريكي
هناك عاملاً آخر خلف حكم سجن الإصلاحيين، وهذا العامل ربما أغفله البعض، وهو الموقف الأمريكي من الإصلاحات الداخلية، خاصةً بعد الهمز واللمز الذي حدث بعد 11 سبتمبر 2001 م، وبعد تحرير العراق، لكن زيارة الأمير عبدالله لأمريكا رمّمت العديد من الوصلات المقطوعة بين السعودية وأمريكا، رمّمتها ببراميل النفط، مما ساهم في صمت الحكومة الأمريكية حيال اعتقال الإصلاحيين والديمقراطية في السعودية، وأدّى إلى إعطاء الضوء الأخضر لسجن الإصلاحيين. إن تزامن زيارة عبدالله لأمريكا والحكم على الإصلاحيين بعدها بأقل شهر لهو أكبر دليل على أنّ الضوء الأخضر للحكومة السعودية والتي ماطلت وصبرت أكثر من عام على اعتقال الإصلاحيين أتى من الحكومة الأمريكية في اتفاق تبادل المصالح بين آل سعود وبين الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الشعوب البائسة مثلنا.
لقد قامت الحكومة السعودية بتأجيل محاكمة الإصلاحيين أكثر من مرة، آخرها كانت بتاريخ 25 أبريل، أي نفس اليوم الذي التقى عبدالله وبوش. إنّ تحميل الحكومة السعودية انتهاكات حقوق الإنسان لهو من الوضوح ما لا تغفله عين، كذلك تورّط الحكومة الأمريكية في دعم الأنظمة المستبدة هو أيضاً لا يخفى على المتابع لما يحدث على الساحة العالمية؛ نحن فقط نُطالب بتطبيق ما تُطالب به الحكومة الأمريكية علناً، لا أن تتحدث بلغة إعلامية عامة للصحافة، تتحدث عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لنشر الديمقراطية في العالم، وأخرى من خلف الكواليس تطمئن الأنظمة الديكتاتورية وإنها ستنظر الجهة الأخرى حين تعتقل وتُعذّب وتقتل وتسجن وتمسح بكرامة وإنسانية المواطنين ليل نهار.

المثقّف والمرأة: خيارات مفتوحة
الدور الغائب عن هذه المحاكمة الهزلية وأحكام السجن هو دور المثقفين السعوديين والذين أثبتوا يوماً بعد آخر بأنهم الأجبن في منطقة الخليج قاطبةً، فهم لم يحرّكوا ساكناً وليس لهم استعداد لأن يدفعوا أي ثمن تجاه قضايا أمّتهم وشعبهم. إن المقارنة مخجلة بين مثقّفينا وبين الإرهابيين مثل عبدالعزيز المقرن وصالح العوفي، فالإرهابيين يدفعون حياتهم ثمناً لمبادئهم، ومثقّفينا ليسوا مستعدين للتضحية برواتبهم أو بأن يهاجروا إلى دول أخرى مجاورة أو بعيدة طلباً لحرية الرأي والإصلاح. الخيارات كثيرة أمام المثقفين والأكاديميين وعليهم أن يطّلعوا بمسؤولياتهم تجاه المواطنين والوطن، عليهم أن يختاروا بين الوقوف في صف الحكومة أو الوقوف في صف الشعب، عليهم أن يسعوا علناً في الإفراج عن الإصلاحيين وأن يتحدّثوا أمام الصحافة العالمية مباشرةً وأن يُدينوا القضاء السعودي والجهات التي تقف خلفه، وأن يكونوا نموذجاً حياً وشاهداً على الوضع الداخلي، وأن يُثبتوا لوزارة الداخلية بأن سجن الإصلاحيين سيزيد من عدد المطالبين بالإصلاح لا العكس.
كذلك على فئات الشعب المختلفة، من شباب وشابات، من رجال ونساء، وبالأخص النساء، عليهن أن يتصلن بالقنوات الفضائية ليدينوا سجن الإصلاحيين مطالبين بالإصلاح والمساواة مع الرجل على جميع الأصعدة. فإن استطاعت الحكومة سجن الرجال والشباب، فلن تستطيع سجن النساء فقط لأنهن طالبن بحقوقهن كمواطنات. عليهن أن يساندن زوجات الإصلاحيين وإن الليل الطويل لابد أن يأتي بعده الفجر، وإن الحقوق لا تأتي إلا إذا وُجِد من يُطالب بها، فهي لا تُعطى ولكن تُنتَزع انتزاعاً.

في غياب الإصلاح: يأتي البديل!
إن غياب الديمقراطية ومحاربة الإصلاح ومحاكمة الإصلاحيين وكأنهم إرهابيون يقتلون ويفجّرون في الوقت الذي تدعم فيه الحكومة المتطرفين ودُعاة الكراهية والعنف وتطبع مجلاّتهم وكتبهم وتوزع أكثرها مجّانا لهو الطريق الأمثل لزيادة العنف في الداخل. عند هدوء الأصوات الناقدة للحكومة بسبب الاستبداد الحكومي لا يعني بأي حال من الأحوال بأن الأمور تسير على ما يُرام، بل العكس هو الصحيح. وإذا ما غاب النقد في صحافتنا لما حدث اليوم، هذا لا يعني أبداً بأن الصحافيين يؤيدون ما حدث، ولا أن الكُتّاب يقفون وقفة المتفرج، بل لأنهم وغيرهم مكبلين بالقيود لا يستطيعون الفكاك منها. مع ذلك فإني أُحمّل مثقّفينا المسؤولية فيما حدث ليس لتقاعسهم فقط عن نصرة أخوة لهم في السجون، فهم لم يخذلوهم فقط، بل خذلوا الوطن كله، فصمتوا صمت الموتى، وإذا ما تحدّثوا تحدّثوا زوراً وبهتاناً، تحدّثوا مدحاً مقيتاً "لولاة الأمر" ناسين مآسي المجتمع والوطن، تاركين الوطن يتجه نحو الهاوية وبسرعة كبيرة وكأنهم يُبحرون بسفينة مختلفة؛ إن غرِقت سفينة الوطن سيغرقون معها.
إذا ما غابت قنوات التواصل الحرة والشفّافة بين الشعب والحكومة، تتجه التيارات اليائسة في الإصلاح إلى تحت الأرض وهذا مكمن الخطر الكبير على الوطن، وتكون النتيجة هي زيادة في التطرف والعنف وعدم الاستقرار. إن سياسة الحكومة السعودية والحكومة الأمريكية بدون شك لا تصب إلاّ في صالح الإرهابيين ودعاة العنف والتطرف والكراهية حيث استمرار الوضع الحالي يُعطي المبرر تلو الآخر لهؤلاء في كراهيتهم للآخر والعمل على "تصفيته" ليس فقط فكرياً، بل جسدياً؛ وما يحدث الآن في مواجهات مسلحة بين الحين والآخر في مدينة الرياض ومدن أخرى سعودية، آخرها المواجهة الكبيرة في مدينة الرس التي استمرت عدة أيام تم استخدام قذائف بشتى الأحجام والأنواع إلاّ دليل على ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكي مدان بسوء السياقة ورخصته مسحوبة يشارك في جلسة محاكمته


.. ثوابيت مجهولة عند سفح برج إيفل في باريس • فرانس 24




.. جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح


.. ولي العهد الكويتي يؤدي اليمين الدستورية نائبا للأمير | #مراس




.. تواصل وتيرة المعارك المحتدمة بين إسرائيل وحزب الله